بازگشت

ذکر ان الغيبة لحکمة اقتضاها و نعلم ذلک اجمالا


فقولهم باطل بما دللنا عليه من وجوب عصمة الامام، و هما لم يکونا معصومين، و أفعالهما الظاهرة التي تنافي العصمة معروفة نقلها العلماء، و هي موجودة في الکتب فلا نطول بذکرها الکتاب.

علي أن المشهور الذي لا مرية فيه بين الطائفة أن الامامة لا تکون في أخوين بعد الحسن و الحسين عليهما السلام [1] ، فالقول بإمامة جعفر بعد أخيه الحسن يبطل بذلک.

فإذا ثبت بطلان هذه الاقاويل کلها لم يبق إلا القول بإمامة ابن الحسن عليه السلام، و إلا لادي إلي خروج الحق عن الامة، و ذلک باطل.

و إذا ثبتت إمامته بهذه السياقة ثم وجدناه غائبا عن الابصار، علمنا أنه لم يغب مع عصمته و تعين فرض [2] الامامة فيه و عليه إلا لسبب سوغه ذلک و ضرورة ألجأته إليه، و إن لم يعلم [3] علي وجه التفصيل.

و جري ذلک مجري الکلام في إيلام الاطفال و البهائم و خلق المؤذيات و الصور المشينات و متشابه القرآن إذا سألنا عن وجهها بأن نقول: إذا علمنا أن الله تعالي حکيم لا يجوز أن يفعل ما ليس بحکمة و لا صواب، علمنا أن هذه الاشياء لها وجه حکمة و إن لم نعلمه معينا.

(و) [4] کذلک نقول في صاحب الزمان عليه السلام، فإنا نعلم أنه لم يستتر إلا لامر حکمي يسوغه [5] ذلک و إن لم نعلمه مفصلا.



[ صفحه 86]



فإن قيل: نحن نعترض قولکم في إمامته بغيبته بأن نقول: إذا لم يمکنکم بيان وجه حسنها دل ذلک علي بطلان القول بإمامته، لانه لو صح لامکنکم (بيان) [6] وجه الحسن فيه.

قلنا: إن لزمنا ذلک لزم جميع أهل العدل و قول الملحدة [7] إذا قالوا إنا نتوصل بهذه الافعال التي ليست بظاهرة [8] الحکمة، إلي أن فاعلها ليس بحکيم، لانه لو کان حکيما لامکنکم بيان وجه الحکمة فيها و إلا فما الفصل؟.

فإذا قلتم: نتکلم أولا [9] في إثبات حکمته، فإذا ثبت [10] بدليل منفصل ثم وجدنا هذه الافعال المشتبهة الظاهر حملناها علي ما يطابق ذلک، فلا يؤدي إلي نقض ما علمنا، و متي لم يسلموا لنا حکمته انتقلت المسألة إلي الکلام في حکمته.

قلنا: مثل ذلک ها هنا: من أن الکلام في غيبته فرغ علي إمامته، فإذا [11] علمنا إمامته بدليل، و علمنا عصمته بدليل آخر، و علمناه غاب، حملنا غيبته علي وجه يطابق عصمته، فلا فرق بين الموضعين.

ثم يقال للمخالف (في الغيبة) [12] أ تجوز أن يکون للغيبة سبب صحيح اقتضاها، و وجه من الحکمة أوجبها أم لا تجوز [13] ذلک.

فإن قال: يجوز ذلک.

قيل له: فإن کل ذلک جائزا فکيف جعلت وجود الغيبة دليلا علي فقد الامام في الزمان مع تجويزک لها سببا لا ينافي وجود الامام؟ و هل يجري ذلک إلا



[ صفحه 87]



مجري من توصل بإيلام الاطفال إلي نفي حکمة الصانع تعالي و هو معترف بأنه يجوز أن يکون في إيلامهم وجه صحيح لا ينافي الحکمة، أو من توصل بظاهر الآيات المتشابهات إلي أنه تعالي مشبه للاجسام و خالق لافعال العباد مع تجويزه [14] أن يکون لها وجوه صحيحة توافق [الحکمة و] [15] العدل و التوحيد و نفي التشبيه.

و إن قال: لا أجوز ذلک.

قيل: هذا تحجر [16] شديد فيما لا يحاط [17] بعلمه و لا يقطع علي مثله، فمن أين قلت: إن ذلک لا يجوز و انفصل ممن قال لا يجوز أن يکون للآيات المتشابهات وجوه صحيحة تطابق أدلة العقل، و لا بد أن تکون علي ظواهرها.

و متي قيل: نحن متمکنون من ذکر وجوه الآيات المتشابهات (و أنتم لا تتمکنون من ذکر سبب صحيح للغيبة.

قلنا: کلامنا علي من يقول لا أحتاج إلي العلم بوجوه الآيات المتشابهات) [18] مفصلا.

بل يکفيني علم الجملة، و متي تعاطيت ذلک کان تبرعا، و إن أقتنعتم لنفسکم [19] بذلک فنحن أيضا نتمکن من ذکر وجه صحة الغيبة و غرض حکمي لا ينافي عصمته.

و سنذکر ذلک فيما بعد، و قد تکلمنا عليه مستوفي في کتاب الامامة.

ثم يقال: کيف يجوز أن يجتمع صحة إمامة ابن الحسن عليه السلام بما بيناه من سياقة الاصول العقلية، مع القول بأن الغيبة لا يجوز أن يکون لها سبب صحيح و هل هذا إلا تناقض، و يجري مجري القول بصحة التوحيد و العدل، مع



[ صفحه 88]



القطع علي أنه لا يجوز أن يکون للآيات المتشابهات وجه يطابق هذه الاصول.

و متي قالوا: نحن لا نسلم إمامة ابن الحسن عليه السلام.

کان الکلام معهم في ثبوت الامامة دون الکلام في سبب الغيبة، و قد تقدمت الدلالة علي إمامته عليه السلام بما لا يحتاج إلي إعادته.

و إنما قلنا ذلک: لان الکلام في سبب غيبة الامام عليه السلام فرع علي ثبوت إمامته فأما [20] قبل ثبوتها فلا وجه للکلام في سبب غيبته، کما لا وجه للکلام في وجوه الآيات المتشابهات و إيلام الاطفال و حسن التعبد بالشرائع قبل ثبوت التوحيد و العدل.

فإن قيل: ألا کان السائل بالخيار بين الکلام في إمامة ابن الحسن عليه السلام ليعرف صحتها من فسادها، و بين أن يتکلم في سبب الغيبة.

قلنا: لا خيار في ذلک لان من شک في إمامة ابن الحسن عليه السلام يجب أن يکون الکلام معه في نص إمامته و التشاغل بالدلالة عليها، و لا يجوز مع الشک فيها أن نتکلم [21] في سبب الغيبة، لان الکلام في الفروع [22] لا يسوغ إلا بعد إحکام الاصول لها، کما لا يجوز أن يتکلم في سبب إيلام الاطفال قبل ثبوت حکمة القديم تعالي و أنه لا يفعل القبيح.

و إنما رجحنا الکلام في إمامته عليه السلام علي الکلام في غيبة و سببها، لان الکلام في إمامته مبني علي أمور عقلية لا يدخلها الاحتمال، و سبب الغيبة ربما غمض و اشتبه، فصار الکلام في الواضح الجلي أولي من الکلام في المشتبه الغامض، کما فعلناه مع المخالفين للملة، فرجحنا الکلام في نبوة نبينا صلي الله عليه و آله و سلم علي الکلام علي ادعائهم [23] تأبيد شرعهم، لظهور ذلک و غموض هذا، و هذا بعينه موجود ها هنا.



[ صفحه 89]



و متي عادوا إلي أن يقولوا الغيبة فيها وجه من وجوه القبح، فقد مضي الکلام عليه [24] ، علي أن وجوه القبح معقولة و هي کونه ظلما أو کذبا أو عبثا أو جهلا أو استفسادا، و کل ذلک ليس بحاصل ها هنا، فيجب أن لا يدعي فيه وجه القبح.

فإن قيل: ألا منع الله الخلق من الوصول إليه و حال بينهم و بينه ليقوم بالامر و يحصل ما هو لطف لنا، کما نقول في النبي صلي الله عليه و آله و سلم إذ [25] بعث الله تعالي (فإن الله تعالي) [26] يمنع منه ما لم يؤد [27] ، فکان يجب أن يکون حکم الامام مثله.

قلنا: المنع علي ضربين: أحدهما: لا ينافي التکليف بأن لا يلجأ إلي ترک القبيح.

و الآخر يؤدي إلي ذلک.

فالأَول قد فعله الله تعالي من حيث منع من ظلمه بالنهي عنه و الحث علي وجوب طاعته، و الانقياد لامره و نهيه، و أن لا يعصي في شيء من أوامره، و أن يساعد علي جميع ما يقوي أمره و يشيد [28] سلطانه، فإن جميع ذلک لا ينافي التکليف، فإذا عصي من عصي في ذلک و لم يفعل ما يتم معه الغرض المطلوب، يکون قد أتي من قبل نفسه لا من قبل خالقه.

و الضرب الآخر أن يحول بينهم و بينه بالقهر و العجز عن ظلمه و عصيانه، فذلک لا يصح اجتماعه مع التکليف فيجب أن يکون ساقطا.

فأما النبي صلي الله عليه و آله فإنما نقول يجب أن يمنع الله منه حتي



[ صفحه 90]



يؤدي الشرع، لانه لا يمکن أن يعلم ذلک إلا من جهته، فلذلک وجب المنع منه.

و ليس کذلک الامام، لان علة المکلفين مزاحة فيما يتعلق بالشرع، و الادلة منصوبة علي ما يحتاجون إليه، و لهم طريق إلي معرفتها من دون قوله، و لو فرضنا أنه ينتهي الحال إلي حد لا يعرف الحق من الشرعيات إلا بقوله، لوجب أن يمنع الله تعالي منه و يظهره بحيث لا يوصل إليه مثل النبي صلي الله عليه و آله.

و نظير مسألة الامام أن النبي صلي الله عليه و آله إذا أدي ثم عرض فيما بعد ما يوجب خوفه لا يجب علي الله تعالي المنع منه لان علة المکلفين قد انزاحت بما أداه إليهم فلهم طريق إلي معرفة لطفهم.

أللهم إلا أن يتعلق به أداء آخر في المستقبل فإنه يجب المنع منه کما يجب في الابتداء، فقد سوينا بين النبي و الامام.


پاورقي

[1] راجع البحار: 25 / 249 باب 8.

[2] في نسخ أ، ف، م غرض.

[3] في نسخة ف لم نعلم.

[4] ليس في البحار و نسخة ف .

[5] في البحار و نسختي ح، ف سوغه.

[6] ليس في نسختي أ، ف .

[7] في البحار: الملاحدة.

[8] في البحار و نسخة ف : بظاهر.

[9] في نسخ أ، ف، م و البحار: نحن أولا نتکلم.

[10] في نسخة ف ثبتت.

[11] في نسخة ف و البحار، و إذا.

[12] ليس في البحار، و فيه أ يجوز بدل أ تجوز.

[13] في البحار: أم لا يجوز.

[14] في البحار: مع تجويز.

[15] من البحار.

[16] في نسخ أ، ف، م لحجر.

[17] في نسخ أ، ف، م لا يخلط.

[18] ما بين القوسين ليس في البحار.

[19] في البحار: و إن أقنعتم أنفسکم.

[20] في نسخ أ، ف، م و أما.

[21] في البحار: يتکلم.

[22] في نسخ أ، ف، م الفرع.

[23] في نسخة ف في ادعائهم.

[24] في ص 5.

[25] في نسخ أ، ف، م البحار: إذا.

[26] ليس في البحار.

[27] في البحار: ما لم يؤد [الشرع ظ].

[28] في نسخة ف : ما يقوي أمره و يشد.