بازگشت

انحاء الانتظار


يکون انتظار الانقاذ علي نحوين: النحو الاول من الانتظار انتظار الانقاذ في ما ليس بوسع الانسان ان يقدمه او يوخره، کما لو کان الغريق ينتظر وصول فريق الانقاذ اليه من الساحل ويراهم مقبلين اليه لانقاذه. فانه من الموکد ان الغريق لا يستطيع ان يقدم وصول فريق الانقاذ اليه، الا انه من الموکد ايضا ان هذا الانتظار يبعث في الغريق نفسه املا قويا في النجاه ويدخل نور الامل علي ظلمات الياس التي تحيط به من کل جانب.

و (الامل) يمنح الانسان (المقاومه) بالضروره، فيواصل الغريق المقاومه حتي يصل فريق الانقاذ اليه. وعجيب امر هذا الانسان اذا انهار، واذا قاوم.. فاذا انهار لا يتمکن احد من ان يثبته او يبني ويعيد ما ينهار منه. وقد يکون هذا الذي ينهار کيان سياسي ضخم، وليس فردا او جماعه. وکلنا قد شاهد في وقت قريب انهيار الاتحاد السوفيتي، ثاني اعظم کيانين سياسيين في العالم، ان لم يکن الاول المکرر منهما.

واذا قاوم الانسان ورزقه اللّه القدره علي المقاومه والصمود فلا يفت شيء في مقاومته وصموده ولا يضعف شيء ثباته ومقاومته. ومن عجب ان يتحول هذا الانسان الکائن من لحم ودم واعصاب الي کتله مرصوصه وقويه يتحمل من العذاب ما يتفتت منه صلب الحديد. ولا شک في ان هذه المقاومه من اللّه تعالي، ولا شک في ان (الامل) من اسباب هذه المقاومه، وهاتان معادلتان لا سبيل للتشکيک فيهما: المعادله الاولي: ان (الانتظار) يبعث علي (الامل)، ويخترق ظلمات الياس التي تکتنف حياه الانسان.

المعادله الثانيه: ان (الامل) يمنح الانسان (المقاومه).

النحو الثاني من الانتظار وهو ما يستطيع الانسان ان يقربه ويدعي به، کالشفاء من المرض وانجاز مشروع عمراني او علمي او تجاري والانتصار علي العدو والتخلص من الفقر، فان کل ذلک من الانتظار، وامر تعجيل هذه الامور او تاخيرها وتاجيلها بيد الانسان نفسه.

فمن الممکن ان يعجل بالشفاء ومن الممکن ان يوخره او ينفيه، ومن الممکن ان يعجل بالمشروع التجاري او العمراني او العلمي او يوخره، او يلغيه راسا. ومن الممکن ان يعجل بالنصر والغني او يوخرهما او ينفيهما راسا.

وبهذا التقرير يختلف امر هذا الانتظار عن النحو الاول الذي تحدثنا عنه، فان بامکان الانسان ان يتدخل في تحقيق ما ينتظره والاسراع به او تاجيله او الغائه.

ولذلک فان الانتظار من النوع الثاني يمنح الانسان بالاضافه الي (الامل) و(المقاومه): (الحرکه). وهذه الاخيره، اعني (الحرکه)، تخص هذا النحو من الانتظار، فان الانسان اذا عرف ان نجاته وخلاصه يتوقفان علي حرکته وعمله وجهده سوف يبذل لخلاصه ونجاته في عمله من الجهد والحرکه ما لا قبل له به من قبل.

ففي الانتظار، من النحو الاول، لم يکن بامکان الانسان غير (الامل) و(المقاومه). اما الانتظار الاخير فهو يمنح الانسان بالاضافه الي (الامل) و(المقاومه) (الحرکه) ايضا:

1- امل في النفس يمکن الانسان من اختراق الحاضر ورويه المستقبل، وشتان بين من يري (اللّه) و(الکون) و(الانسان) من خلال معاناه الحاضر فقط وبين من يري ذلک کله من خلال الحاضر والماضي والمستقبل. ولا شک في ان هذه الرويه تختلف عن تلک ولا شک في ان العتمه والظلمه والسلبيه التي تکتنف الرويه الاولي تسلم منها الرويه الثانيه.

2- ومقاومه تمکن الانسان من مواصله الصمود ومقاومه الانهيار والسقوط حتي وصول المدد، وما لم يکن للانسان امل في وصول المدد فانه لا يقاوم.

3- وحرکه تمکن الانسان من تحقيق الخلاص والنجاه وتحقيق القوه والغني والکفاءه. وهذا الانتظار هو(الانتظار الحرکي)، وهو افضل انواع الانتظار، والانتظار الذي نحن بصدد دراسته من هذا النوع الاخير.