ما هو السبب في تأخير الفرج؟
علي الاجابه الصحيحه عن هذا السوال يتوقف فهم المعني الصحيح للانتظار، وهل هو بمعني(الرصد) او(الحرکه)؟ الراي الاول: فاذا کان السبب في تاخير الفرج بظهور الامام (عجل اللّه فرجه) وثورته الکونيه الشامله هو ان تمتليء الارض ظلما وجورا، فلا بد من ان يکون الانتظار بمعني (الرصد)، فلا يجوز لنا ان نوسع رقعه الظلم والجور في الارض، ببداهه الاسلام.
ولا يصح لنا ان نکافح الظلم والجور لان ذلک يودي الي اطاله زمن الغيبه، بموجب هذه الروايه.. فلا بد من ان نرصد اذن تطور الظلم والجور في حياتنا السياسيه والاقتصاديه والعسکريه والقضائيه، حتي اذا امتلات الارض ظلما وجورا ظهر الامام(ع)، واعلن الثوره ضد الظالمين والفرج عن المظلومين.
الراي الثاني: واذا کان السبب في تاخير الفرج هو عدم وجود الانصار الذين يعدون المجتمع لظهور الامام والذين يوطئون الارض ويمهدونها لثورته الشامله، ويدعمون ثوره الامام ويسندونها، فان الامر يختلف. فلا بد من العمل والاعداد والتوطئه، والامر بالمعروف والنهي عن المنکر لاقامه سلطان الحق علي وجه الارض لياتي الفرج بظهور الامام (عجل اللّه فرجه). وبناء عليه لا يکون الانتظار بمعني(الرصد)، بل بمعني(الحرکه)، والعمل، والجهاد لاقامه سلطان الحق علي وجه الارض، الامر الذي يقتضي اعدادا يوط يء الارض لظهور الامام وثورته الشامله.
ويختلف معني الانتظار سلبا وايجابا بين(الرصد) و(الحرکه) بناء علي هذا الفهم لظهور الامام(ع) وظهور الفرج علي يده.
ونحن نناقش الان هذه المساله لنصل الي الجواب الصحيح.
نقد الراي الاول لنا مجموعه ملاحظات علي الراي الاول، وهي: 1- ليس معني ان تمتلي الارض ظلما وجورا هو ان يجف نبع التوحيد والعدل علي وجه الارض، ولا تبقي رقعه يعبد الناس عليها اللّه تعالي، فهذا امر مستحيل وعلي خلاف سنن اللّه تعالي.. وانما المقصود بهذه الکلمه طغيان سلطان الباطل علي الحق في الصراع القائم بين الحق والباطل دائما.
2- ولا يمکن ان يزيد طغيان سلطان الباطل علي الحق اکثر مما هو عليه الان. فقد طغي الظلم علي وجه الارض شر طغيان، وان الذي يجري في بلاد البلقان علي مسلمي البوسنه والهرسک بايدي الصرب امر يقل نظيره في تاريخ الظلم والارهاب، ولطالما شق الصرب بطون النساء الحوامل، واخرجوا من ارحامهن الاجنه، وقتلوا الاطفال الصغار، وقطعوا رووسهم، ولعبوا بها (لعبه الکره) امام اعين آبائهم وامهاتهم. وفي الشيشان يذبح الروس اطفال المسلمين، ويقدمون لحومهم طعاما للخنازير. والظلم الذي مارسه الشيوعيون علي مسلمي بلاد آسيا الوسط ي ابان الحکم الشيوعي امر تقشعر له الجلود. وما يجري علي المسلمين في سجون اسرائيل من العذاب الوحشي امر فوق حدود التعبير. وفوق ذلک کله واعظم منه، ما جري ويجري في العراق من ظلم وتصفيه واباده وتعذيب واضطهاد للمومنين علي يد جلاوزه البعث من فئه صدام، مما لا يقوي علي وصفه التعبير.
.. اقول ان الذي يجري من الظلم في اقطار العالم الاسلامي علي المسلمين، في کل مکان تقريبا، امر رهيب يدل علي شيء اکثر من الظلم والجور ومن (امتلاء الارض ظلما وجورا)، انه يدل، ومن دون مواخذه، علي نضوب نبع الضمير في الاسره الدوليه المعاصره وفي الحضاره البشريه الماديه المعاصره.
ونضوب الضمير موشر خطر في تاريخ الانسان يعقبه دائما السقوط الحضاري الذي يعبر عنه القرآن ب (هلاک الامم).
و(الضمير) حاجه اساسيه ورئيسيه للانسان، وکما لا يمکن ان يعيش من دون (الامن)، ومن دون (الطب والعلاج)، ومن دون (الغذاء)، ومن دون (النظام السياسي)، ومن دون (العلم)، کذلک لا يمکن ان يعيش من دون الضمير، ومتي آل امر هذا النبع الي النضوب، فان السقوط الحضاري هو النتيجه الطبيعيه لهذه الحاله، وبعد السقوط ياتي قانون (الاستبدال) و(التبديل) و(الارث)، وهذه هي حاله قيام ثوره الامام(ع) الکونيه وقيام الدوله العالميه الشامله.
3- وقد کانت غيبه الامام(ع) بسبب طغيان الشر والفساد والظلم، ولولا ذلک لم يغب، فکيف يکون طغيان الفساد والظلم سببا لظهور الامام(ع) وخروجه؟
4- وبعکس ما يتوقعه بعض الناس يتجه العالم اليوم باتجاه سقوط الموسسات السياسيه والعسکريه والاقتصاديه الظالمه.
فقد شاهدنا باعيننا کيف سقط الاتحاد السوفيتي خلال بضعه اشهر، وکان مثله مثل بناء خاو، منخور من الداخل لم يتمکن احد من دعمه واسناده عند سقوطه.
ورياح التغيير اليوم تهب علي امريکا وتعرضها لهزات عنيفه وقويه في اقتصادها وامنها واخلاقها ومصداقيتها، بوصفها دوله کبري.
ان النظام الجاهلي اليوم آخذ بالعد العکسي موذنا بالسقوط والانهيار، فکيف نتوقع ان يزداد هذا النظام قوه وشراسه وضراوه؟
5 - علي ان الذي يوجد في نصوص الغيبه: (يملا الارض عدلا کما ملئت ظلما وجورا) وليس (بعد ان ملئت ظلما وجورا).
وليس معني ذلک ان الامام ينتظر ان يطغي الفساد والظلم اکثر مما ظهر الي اليوم ليظهر، وانما معني النص ان الامام(ع) اذا ظهر يملا الارض عدلا، ويکافح الظلم والفساد في المجتمع، حتي يطهر المجتمع البشري منه کما امتلا المجتمع البشري بالظلم والفساد من قبل.
روي الاعمش، عن ابي وائل، ان امير المومنين(ع) قال في المهدي(ع): (يخرج علي حين غفله من الناس واماته من الحق واظهار من الجور، يفرح لخروجه اهل السماء وسکانها، ويملا الارض عدلا کما ملئت ظلما وجورا) وفي روايه اخري: (يملا الارض عدلا وقسطا، کما ملئت جورا وظلما) او (بعدما ملئت ظلما وجورا).
وفي رايي ان معني جمله (تملا الارض ظلما وجورا) ان يکثر الظلم والجور حتي يضج الناس منه، ويفقد الظلم غطاءه الاعلامي الذي يخرجه للناس اخراجا حسنا، فيبرز للناس في صورته الحقيقيه، وتفشل هذه الانظمه في تحقيق ما تعد الناس به من خير، ويبدا الناس بعد هذا الاحباط الواسع بالبحث عن النظام الالهي الذي ينقذهم من هذه الاحباطات، وعن القائد الرباني الذي ياخذ بايديهم الي اللّه تعالي. وقد بدات تتعاقب الاحباطات المتواليه في حياه الناس واحده بعد اخري، وکان اعظم هذه الاحباطات سقوط الاتحاد السوفيتي والهزات العنيفه التي تعرضت لها امريکا في السنوات الاخيره، وکل واحد من هذه الاحباطات يوجه الناس الي النظام الالهي والقائد الرباني المنقذ.
هذا، علي نحو الاجمال نقد الراي الاول في اسباب تاخير الفرج.
والان نبحث في الراي الثاني.
الراي الثاني في اسباب تاخير الفرج يعتمد الراي الثاني، في فهم اسباب تاخير الفرج وتاخير ظهور الامام، الاسباب الموضوعيه، وفي مقدمتها عدم وجود العدد الکافي من الانصار من الناحيه الکميه وعدم وجود الکيفيه المطلوبه في انصار الامام وشيعته من الناحيه الکيفيه. ان الثوره التي يقودها الامام ثوره کونيه شامله، يتولي فيها المستضعفون والمحرومون الامامه والقيمومه علي المجتمع البشري (ونريد ان نمن علي الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم ائمه ونجعلهم الوارثين)«القصص/5». يرث المستضعفون المومنون، في هذه المرحله، ما کان يتداوله الطغاه في ما بينهم من السلطان والمال (ونجعلهم الوارثين)، (ان الارض يرثها عبادي الصالحون)، ويتم لهم السلطان علي وجه الارض (ونمکن لهم في الارض)، ويطهر الامام في هذه المرحله الارض کلها من لوثه الشرک والظلم (يملا الارض عدلا کما ملئت ظلما وجورا)، ولا يبقي، کما في طائفه من الروايات، في المشارق والمغارب، ارض لا يودي فيها لا اله الا اللّه.
ومحور هذه الثوره الشامله (التوحيد) و(العدل). ومثل هذه الثوره لا بد لها من اعداد واسع، وتوطئه علي مستوي عال من الناحيتين الکميه والکيفيه، ومن دون هذا الاعداد، وهذه التوطئه لا يمکن ان تتم هذه الثوره الشامله، في سنن اللّه تعالي في التاريخ.