الاستقلال الإقتصادي
استقلال العلماء إقتصادياً أهم أمر من أمور الحرکة، وبدونه لا يمکن إقامة دولة ونظام من الطراز الذي نتحدث عنه. وفي غياب الإستقلال الإقتصادي نجد أن العلماء - وهذا لفظ أستخدمه هنا مجازاً لأن العالم الحقيقي عف اليد شريف النفس - أقول نجد
[ صفحه 213]
العلماء يختارون واحداً من الطرق الآتية لسد ضروراتهم واحتياجات عوائلهم:
أما الإنسلاک في وظائف الحکومة وهذا يؤدي بهم الي موافقة الحاکم حفاظاً علي الرواتب. ولما کان الحاکم وحکومته کما نعلم، فإن هؤلاء العلماء يضطرون لإرضائه بما يسخط الرب، وبهذا يخرج کثير منهم عن الجادة.
فإن لم ينسلک العالم في سلک الحکام وأراد أن يلعب في دائرة المعارضين للنظام في الدول التي فيها معارضة إسمية، نراه يحتاج الي المال، إذ لا سياسة بلا مال، ولا نشاط بدون نفقات، فإذا بمثل هذا يتسکعون أمام السفارات، ينتهزون النزاعات الدولية والإقليمية فيعرضون خدماتهم علي أحد طرفي النزاع، ويقبضون منه، ويؤيدونه ولو کان موقفه باطلاً لا شک في بطلانه.
وقد کشفة الحرب بين إيران والعراق لنا کثيراً من هؤلاء. وبهذا يتحول هذا القسم الي تجار دين، مثلهم مثل القسم الأول لأن کليهما يخدم نظاماً مقابل قرش.
[ صفحه 214]
فإن لم يفعل العالم هذا أو تلک، خرج في إعارة هنا أو هناک ليجمع قرشين يعدل بهما حاله، ويزوج أبناءه وبناته، وهذا يحافظ علي راتبه بارضاء الدولة المعار منها والمعار اليها، فلا فرق أيضاً بين هذا ومن سبقوه.
أو تراه مثلاً افتتح له دکاناً اسلامياً في شکل مدرسة أو جامعة اسلامية، جمع باسمها التبرعات ووجد لها من يمولها، خاضعاً في ذلک لتنفيذ سياسة الممولين.
هکذا نري أن الإسم الجامع لهذه الأشکال التعايشية کلها مهما اختلفت وسائلها ودوافعها هو (التجارة) ولا شيء غيرها. وهؤلاء لا يمکن لعاقل أن يتوقع منهم مساندة الحق أو التضحية بما هم عليه في سبيل هذا الدين.
فلابد إذن من تحقيق الإستقلال الإقتصادي للعلماء في ظل نظام المجتهدين الأحياء، ولذلک أري ضرورة دفع الزکاة والصدقات والکفارات من قبل المقلد الي المجتهد الذي يقلده. ولا أري بأساً في الأخذ بنظام الخمس کما في المذهب الجعفري، وهو أن يدفع کل مقلد خمس ماله المتبقي بعد أن يدخر له ولأولاده ما
[ صفحه 215]
يکفي مؤونة عام. ثم يقوم المجتهدون بالإنفاق من هذا المال المجتمع لديهم وهو کثير، علي أنفسهم بالمعروف، وعلي بقية العلماء وطلاب المدارس الدينية والحرکة الإسلامية وما تحتاجه.
وهکذا يتحقق الإستقلال الإقتصادي للعلماء، فإذا تحقق هذا استطاعوا الوقوف في وجه الظالمين، بدلاً من مساندتهم وإرضائهم بما يسخط الله.