نظام الإجتهاد
فإن اختارت الأمة لنفسها المذهب الجعفري فلا إشکال إذن لأن قواعد هذا المذهب، وما فيه من مبادئ حرکية کفيلة بحل کل مشکلات المسيرة. وإن اختارت مذهباً آخر فعلينا أولاً أن نغرس في نفوس الناس عامتهم وخاصتهم حب العلماء واحترامهم وإجلالهم، کما علي العلماء بدورهم التعبير عن مشکلات الشعب وأمانيه ووجهة نظره، وتبني موقفه، والکلام بلسانه، والتصرف في المواقف بأسلوب الأحرار وطريقتهم، لا بطريقة عبيد الحکومة وحاشية السلطان.
[ صفحه 210]
وعلينا بعد ذلک أن نشکل مجلساً من مجتهدي المذهب الذي نختاره، ودرجات الإجتهاد، وصفات المجتهدين مشروحة مدونة في مظانها فليرجع اليها من أراد، لکنه لا ينبغي أن يکون المجتهد مجتهداً في الحيض والنفاس وما إليه من الأحکام فحسب، بل يجب أن يکون کذلک في کل جوانب الحياة وما يتعلق بها من أحکام، وأن يکون واعياً بسياسة الدولة وقوانينها، فاهماً للإستراتييجية وعلومها، مستوعباً للقانون الدولي وطرق تسيير الدولة وقيادة الأمم، لأن المعرکة التي تخاض في سبيل تأسيس دولة الإسلام لن تکون حول أحکام الحيض والنفاس وأحکام المولود والزکاة والمواريث، بل ستکون معرکة نواجه فيها العالم بقواه الکبري، التي ستجتمع لإبادة هذا الدين.
إذ من السذاجة أن نتصور أن العالم سيستريح لقيام دولة إسلامية في مصر أو في غيرها.
لابد إذن أن يکون المجتهد حياً يعرف ما يدور في زماننا من مشکلات، ويعي حلولها في ضوء أحکام المذهب والقوانين الدولية، لأن الشافعي وأبا حنيفة ومالک وغيرهم يرقدون في
[ صفحه 211]
قبورهم لا يدرون من أمر دنيانا شيئاً، فإن أردنا إقامة الدولة علي أي من مذاهبهم فلابد من إحياء نظام الإجتهاد بأن يکون ثمة مجتهدون أحياء يجدون حلولاً لمشکلات عصرنا، بشرط أن يتوفر فيهم العدالة بشروطها علاوة علي الإخلاص وسعة العقل وسلامة الدين وزهد الدنيا وحب الشهادة وشجاعة الفؤاد وحب الوطن، والقدرة علي التصدي للشرق والغرب والإکتمال في جوانب القيادة، فيکون الواحد منهم زعيماً روحياً وقيادة سياسية حکيمة ومرجعاً فقهياً عاماً.
ثم علينا إنشاء نظام تعليم ديني توضع مناهجه وأسسه بحيث تضمن إنتاج وتخريج أنماط من هؤلاء المجتهدين يقودون الشارع الإسلامي علي طريق الحق. ولتکن هذه المدارس أهلية ينفق عليها المسلمون أنفسهم بدلاً من إنشاء بنوک إسلامية، وشرکات استثمار، وسوبرمارکيت، وغير ذلک من المؤسسات التي تخدم في النهاية نظام الکفر المسيطر عليها وعلي المجتمع.
فإذا توفر لدينا ثلاثة أو أربعة مجتهدين من هذا النوع، فعلي أحدهم أن يتصدي لخوض المعرکة السياسية لإقامة الدولة
[ صفحه 212]
الإسلامية وعلي الآخرين تأييده لا منازعته ولا مخالفته، علي أن يکون هذا المجتهد المتصدي تقياً زاهداً واعياً فاهماً طاهراً نظيف الجيب شريف اليد عفيف النفس ناصع الماضي واضح الرؤية.
هذا علي مستوي القيادة. فأما علي مستوي القاعدة فينبغي إلزام کل من ليس له رتبة الإجتهاد، ولا يستطيع النظر في الأدلة الشرعية بتقليد أحد المجتهدين، وينبغي أن نفهم أن رباط التقليد بين المقلد والمرجع ليس رباطاً واهياً ولا ضعيفاً إنما هو من أقوي الأربطة وأمتن الصلات، إذ يشد القاعدة بالقمة، ويربط الفرد العادي بقيادته. والناس وفق هذا النظام أحرار في اختيار من يقلدون ولا إجبار لهم في تقليد هذا من المجتهدين أو ذاک.