بازگشت

تحديد الهوية


الحرکات والتيارات التي تسقط أنظمة وتقيم، لابد وأن تتميز بوضوح الرؤيا أياً کانت هذه الرؤيا: وطنية أو دينية أو غير ذلک، وبدون هذا الوضوح تصبح الحرکة کالأطرش في الزفة، لا يدري أين هو، ولماذا يجتمع الناس.

وتبسيطاً علي الطالبين أقول إن عناصر قيام الدول واشتداد الحرکات لا تخرج عن (العصبية) بکل نواحيها، عصبية عرقية، أو عصبية مذهبية، أو لغوية أو غيرها. هذا ما يقوله التاريخ وعلوم السياسة والعمران. والعصبية والتعصب ليس مذموماً في ذاته بل المذموم الطريق الذي يستخدم فيه، لأن التعصب من حيث هو کذلک إحساس بشري لا ينکر ولا يکبح، ومثله کمثل بقية المشاعر، فالغضب مثلاً إحساس بشري إن کان في الله



[ صفحه 207]



ولدينه فهو ممدوح يثاب المرء عليه، وإن کان لکرة القدم أو هذا أو ذاک من الأندية، فلا شک مذموم. والعصبية کذلک.

فإذا نظرنا الي مجتمعنا المصري وجدناه يفتقر الي هوية، فهو مجتمع هلامي غير محدد الأطر والمعالم، فليست فينا عصبية لوطن أو عرق، ولا تحمس للغة أو مذهب، وهذا هو المقتل، لأن مجتمعا بهذا الشکل يصعب علي المتحرکين فيه تأسيس دولة.

من هنا کان علينا أن نفهم أن أول خطوة نخطوها يجب أن تکون تنمية الحس الوطني والتعصب لهذا الوطن والرغبة في تحريره من الإستعمار بکل ألوانه وأشکاله.

ويجب أن نعرف أننا مستعمرون لا نملک قرارنا في أيدينا، وأن هذا الإستعمار عسکري وسياسي وإقتصادي وإعلامي وثقافي، بل وحتي في مجال الطب والأدوية، ولا أري هذا الکتاب محلاً لتفصيل ذلک.

والثانية: أن عدم التحمس لفقه معين ومذهب محدد سم قاتل لا تقوم معه دولة، فصيحة التحرر من المذاهب براقة في ظاهرها



[ صفحه 208]



إذ يقول أصحابها عليکم بالکتاب والسنة، والکتاب معنا والسنة مدونة ولا حاجة لنا بعد ذلک فنتبع هذا أو ذاک. أي أن کل أحد يستطيع اتباع الکتاب والسنة بنفسه، وهذا أمر جد خطير أدي الي الفوضي الفکرية والتنظيمية والقيادية التي نراها.

کما أن هذه الدعوة تتضمن تقويض ما بين المسلمين وبين الجهود العلمية والإجتهادية التي أنجزها الأجداد، لأن عدم الإنتماء الي هذا أو ذاک يبتر المسلمين عن ماضيهم، ويجعلهم يبدؤون جهود التشريع من جديد إذا قامت لهم دولة.

ثم إن أصحاب هذه النعرة في الوقت الذي ينادون فيه بعدم الإلتزام بأي من الأفقهة، تراهم يلزمون الناس وفيهم البسطاء وانصاف المتعلمين باتباع آراء فلان وفلان. والنتيجة الطبيعية إذا مشينا وراء هذا التيار أن يصبح في کل شقة فقهاء بعدد أفراد ساکنيها. ولا أشک ذرة في أن هذه الفکرة أدخلها الإنجليز في الإسلام في وقت معين من أجل تفتيت الکيان الإسلامي في کل بلد، وإدخال المسلمين في طريق شکله جميل لکنه لا يقود الي شيء.



[ صفحه 209]



والخلاصة أن أصحاب هذه النظرية ليس لديهم رؤية واضحة، فلا التصورات الفقهية عندهم واضحة، ولا الفلسفة السياسية خلف دعواهم مؤطرة، ولا طرحهم الإجتماعي - إن کان لديهم شيء منه - مرسوم.

من أجل هذا علينا أن نتخذ موقفاً ونتبني فقها معيناً جعفرياً کان أو شافعياً أو غير ذلک، مادام يصلح للقرن العشرين، ثم نتحمس لتطبيقه وإشاعة أحکامه.