بازگشت

اطروحة الحل


رأينا ما عندنا وما عند الآخرين من رأي في مشکلة القيادة، واتضحت لنا الصورة بزواياها وأبعادها، وعلينا الآن أن نفکر قليلاً ونتخذ خطي جادة لإصلاح الحال، فعلينا أن نعلن للعالم صراحة أن ديننا الکامل ليس فيه ما يحل مشکلات عصرنا السياسية، ومن ثم فلا حرج في أن نعيش علي الفکر المستورد، کما نعيش علي الأغذية والمعلبات المستوردة.

والواقع أن الحرکة الإسلامية في العالم السني تواجه من بين ما تواجه مشکلة أخري مرتبطة بمشکلة القيادة ارتباطاً قوياً، وأعني بها مشکلة شکل التحرک والتنفيذ. فالأفکار التي تدور في أذهان



[ صفحه 202]



کل من تمني تنفيذ الاسلام واشتاق لرؤيته حياً من شيوخنا وشبابنا لا تخرج عن ثلاثة:

الأول: الإنقلاب العسکري فذلک مما يؤمن الکثيرون به أسلوباً للتغيير وتنفيذ الإسلام وتطبيق الشريعة. وهؤلاء لم يفهموا قطعاً طبيعة هذا الدين ونظريته. وتجربة باکستان والسودان في هذا دليلي وسندي.

الثاني: العمل السري، لکننا إذا سألنا أصحابه: هل يمکن ضم کل الشعب الي العمل السري؟ ولو فرضنا نجاحه فماذا بعد التفجيرات والإغتيالات هنا وهناک، دون قيادة جامعة؟ أنا لا أنکر أهمية هذا العمل في المسيرة، لکنه ينبغي أن يکون محدوداً جداً ولا يسمح به إلا في ظروف خاصة للغاية، أما الإعتماد عليه کأساس فهذا لا يفيد.

الثالث: إلباس الحرکة الإسلامية ثوب الحزبية تنظيماً وتحرکاً علي غرار الأحزاب السياسية العاملة في النظم الديمقراطية، وهي الحفرة العميقة التي وقعت فيها الجماعة الإسلامية في باکستان فلم



[ صفحه 203]



تخرج منها منذ عام 1941، بل أوقعت فيها غيرها من التنظيمات کالإخوان المسلمين في مصر وغيرها.

والسالکون لهذا الطريق يعاملون الإسلام کغيره من نظريات حزب العمل والمحافظين والديمقراطيين وليکود وغيرهم، فليس الإسلام نظريةتطبق عن طريق البرلمانات وقنوات الأکثريةوالأقلية، وأبسط ما في هذه الطريقة من إشکال أننا لو فرضنا حصول هذه الجماعة أو تلک في مصر أو باکستان أو السودان أو غيرها علي أکثرية مقاعد البرلمان، وهذا في نفسه مستحيل - وتمکنت من تطبيق الإسلام أو قوانينه فهل يتم بذلک تغيير النظام نفسه؟ وإذا قيل نعم وسلمنا بهذا جدلاً، فماذا سيکون مصير هذه القوانين إذا جاء حزب آخر في البرلمان، أو انقلب الجيش بتحريض من الخارج أو الداخل وعطل الحياة الدستورية، وألغي هذه القوانين؟ هل نسکت علي إلغائها، فنکون قد رضينا بالکفر؟ أم نخرج في ثورة عارمة دموية دفاعاً عنها؟ فإن کانت الأولي فإنا لله وإنا إليه راجعون، وإن کانت الثورة فلماذا لا نختارها من البداية، بدلاً



[ صفحه 204]



من تضييع العقود بل القرون في تجريب الديمقراطية کوسيلة لتطبيق ما لا يمکن تطبيقه بأساليب غيره من النظريات؟

وقد تناولت هذه النقطة بقدر من التفصيل في کتيب بعنوان (بين أسلوب الدعوة وأسلوب التنفيذ) فليرجع اليه من أراد الاستيضاح، وما أود التأکيد عليه هنا أنني أعتقد أن الإسلام ليس نظرية رجعية، ولا حزبية، بل هو نظرية ثورية شاملة لا يناسبها إلا الأسلوب الثوري في التنفيذ.

ولو افترضنا جدلاً أن جمع الأساليب والطرق الثلاثة المذکورة صالحة لتنفيذ الاسلام وإقامة دولته، فليس أن أسأل ما هو النظام البديل الذي يستلم السلطة: هل يصلح تطبيق الإسلام في ظل نظام غير إسلامي هو الموجود حالياً؟ فإن قيل نعم، وقعنا في معضلة فقهية ما لنا منها مخرج، وإن قيل لا، قلنا فماذا عندنا من نظام بديل يملأ الفراغ الذي سيوجد بعد إسقاط النظام القديم؟

أم تقولون نسقطه أولاً وبعد ذلک تفرج؟

وأکاد أعتقد أن أطروحة الحل ينبغي أن تکون شاملة تتوفر فيها عناصر الشمولية بحيث تحقق ما يلي:



[ صفحه 205]



أولاً: حل مشکلة القيادة.

ثانياً: تبني الأسلوب الثوري لتطبيق الإسلام، وذلک بقدرتها علي السيطرة علي رجل الشارع البسيط واجتذابه.

ثالثاً: القضاء علي ظواهر الفشل الحرکي کظاهرة أمراء وقادة الشقق والحواري، وزعماء الأحزاب والتنظيمات، وظاهرة تشکيل التنظيمات التي يحرکها قادة أموات في قبورهم.

وأظن - وبعض الظن اثم - أن هذا الشق من الأطروحة والذي قبله سيکونان سبب رفض المستفيدين تجارياً واجتماعياً لها جملة وتفصيلاً، حتي قبل مناقشتها وعرضها علي الشرع والعقل والقلب.

رابعاً: إقامة النظام البديل الذي يتولي مکان النظام الساقط. وإن کنت أوثر ترک هذه النقطة الآن، مکتفياً بما يمکن أن يفهمه ذهن القاريء اللبيب عن قدرةهذه الأطروحة علي ضمان وتحقيق ذلک.

ولا أحسبن أحداً يتوقع مني طرح کل التفاصيل أو حتي بعضها، لأنني لن أهتم بهذا، إنما سأعرض الخطوط العريضة،



[ صفحه 206]



والسمات العامة فقط. ولا يعني توجيه کلامي الي مصر وأهلها، أو صياغة الأطروحة حسب ظروف المجتمع المصري، أنها لا تصلح لغيره بل أظنها تصلح لکثير من المجتمعات بعد شيء من النقص والزيادة هنا أو هناک.