هذا النقد ليس تجنياً
هذا النقد المختصر لمذهب من کتبوا لنا في التاريخ والسياسة منذ القدم، ونسبوا مقالاتهم للاسلام ليس تجنياً عليهم، ولا من باب تحويل الحبة الي قبة، بل هو بالفعل منهج مدون مطبق، وفي سبيل إثباته أستعرض هنا شيئاً من آراء بعضهم فيما يخص موضوع الکتاب - أي القيادة أو ما أطلقوا عليه اصطلاح الإمامة والخلافة - وهو موضوع واحد فقط من موضوعات علم السياسة. فالقيادة عندهم (تنعقد من وجهي أحدهما باختيار أهل الحل والعقد، والثاني بعهد الإمام من قبل. فأما انعقادها باختيار أهل الحل والعقد فقد اختلف العلماء في عدد من تنعقد به الإمامة منهم
[ صفحه 137]
علي مذاهب شتي. فقالت طائفة لا تنعقد إلا بجمهور أهل العقد والحل من کل بلد، ليکون الرضا به عاماً والتسليم لإمامته إجماعاً، وهذا مذهب مدفوع ببيعة أبي بکر علي الخلافة باختيار من حضرها، ولم ينتظر ببيعته قدوم غائب عنها.
وقالت طائفة أخري: أقل ما تنعقد به الإمامة خمسة يجتمعون علي عقدها، أو يعقدها أحدهم برضا الأربعة استدلالاً بأمرين أحدهما أن بيعة أبي بکر رضي الله عنه انعقدت بخمسة اجتمعوا عليها، ثم تابعهم الناس فيها وهم: عمر بن الخطاب وأبوعبيدة بن الجراح وأسيد بن حضير وبشير بن سعد وسالم مولي أبي حذيفة رضي الله عنهم.
والثاني: أن عمر رضي الله عنه جعل الشوري في ستة ليعقد لأحدهم برضا الخمسة، وهذا قول أکثر الفقهاء والمتکلمين من أهل البصرة.
وقال آخرون من علماء الکوفة تنعقد بثلاثة يتولاها أحدهم برضا الاثنين، ليکونوا حاکماً وشاهدين، کما يصح عقد النکاح بولي وشاهدين.
[ صفحه 138]
قالت طائفة أخري تنعقد بواحد. [1] .
وأوضح امام الحرمين عبد الملک الجويني هذه النقطة فقال (لا يشترط في عقد الإمامة الإجماع بل تنعقد الإمامة وإن لم نجمع الأمة علي عقدها. والدليل عليه أن الإمامة لما عقدت لأبي بکر ابتدر لإمضاء أحکام المسلمين، ولم يتأن لانتشار الأخبار الي من نأي من الصحابة في الأقطار، ولم ينکر عليه منکر، ولم يحمله علي التريث حامل، فإذا لم يشترط الإجماع في عقد الإمامة، لم يثبت عدد معدود ولا حد محدود، فالوجه الحکم بأن الإمامة تنعقد بعقد واحد من أهل الحل والعقد) [2] .
وقال القرطبي في معرض تفسيره لقوله تعالي (إني جاعل في الأرض خليفة) فإن عقدها واحد من أهل الحل والعقد فذلک ثابت... ودليلنا أن عمر عقد البيعة لأبي بکر، ولم ينکر عليه أحد من الصحابة ذلک... قال الإمام أبو المعالي: من انعقدت له
[ صفحه 139]
الإمامة بعقد واحد فقد لزمت، ولا يجوز خلعه من غير حدث وتغير أمر، قال: وهذا مجمع عليه [3] (وکرر نفس الکلام القاضي عضد الدين الايجي) [4] .
(وأما انعقاد الامامة بعهد من قبله فهو مما انعقد الاجماع علي جوازه، ووقع الإتفاق علي صحته لأمرين عمل المسلمون بهما ولم يتناکروهما. أحدهما: أن أبابکر رضي الله عنه عهد بها الي عمر رضي الله عنه، فأثبت المسلمون إمامته بعهده، والثاني: أن عمر رضي الله عنه عهد بها الي أهل الشوري، فقبلت الجماعة دخولهم فيها، وهم أعيان العصر اعتقاداً بصحة العهد بها... والصحيح: أن بيعته منعقدة، وأن الرضا بها غير معتبر، لأن بيعة عمر رضي الله عنه لم تتوقف علي رضا الصحابة، ولأن الإمام أحق بها) [5] .
[ صفحه 140]
(وان کان ولي العهد ولداً أو والداً فقد اختلف في جواز انفراده بعقد البيعة) [6] وساق الماوردي ثلاثة آراء بعضها يجيز بلا شرط، وبعضها يجيز بشرط، والحاصل: أنه يجوز عقد الإمام البيعة لولده ووالده. (فأما عقدها لأخيه ومن قاربه من عصبته ومناسبه، فکعقدها للبعداء الأجانب في جواز تفرده بها) [7] أي لا إشکال فيه.
(ولو عهد الخليفة الي اثنين أو أکثر، ورتب الخلافة فيهم فقال: الخليفة بعدي فلان، فإن مات فالخليفة بعد موته فلان فالخليفة بعده فلان، جاز، وکانت الخلافة منتقلة الي الثلاثة علي ما رتبها... فقد عمل بذلک في الدولتين (يقصد بني أمية وبني العباس) من لم ينکر عليه أحد من علماء العصر، هذا سليمان بن عبدالملک عهد الي عمر بن عبدالعزيز، ثم من بعده الي يزيد بن عبد الملک... وقد رتبها الرشيد رضي الله عنه (کذا) في
[ صفحه 141]
ثلاثة من بنيه في الأمين ثم المأمون ثم المؤتمن) [8] وزاد أبو يعلي علي هاتين الطريقتين في تعيين القيادة - أقصد العهد أو البيعة ولو من واحد - طريقة ثالثة إذ نقل عن أحمد بن حنبل قوله (ومن غلبهم بالسيف حتي صار خليفة، وسمي أمير المؤمنين، لا يحل لأحد أن يبيت ولا يراه إماماً عليه، براً کان أو فاجراً، فهو أمير المؤمنين) وقال أيضاً في رواية المروزي: فان کان أميراً يعرف بشرب المسکر والغلول، يغزو معه، إنما ذلک له في نفسه) [9] .
واذا ارتاح بعضنا لفکرة أهل الحل والعقد، وتخويلهم سلطة اختيار القيادة، فمن الذي يختار أهل الحل والعقد هؤلاء؟ فهل يجوز للخليفة ذلک؟ (يجوز لأنها من حقوق خلافته) [10] (ولا يجب علي کافة الناس معرفة الإمام بعينه واسمه إلا من هو من أهل الاختيار) [11] .
[ صفحه 142]
والاسترسال في سرد آراء علماءنا ومشايخنا في هذا الموضوع، وإن کان نوعاً من الفکاهة، وضرباً من التسلية، إلا أنه بلا ريب مضيعة للوقت، ولذلک أکتفي بهذا القدر.
هذه هي بضاعتنا التي ننسبهاالي الاسلام وليست منه في شيء، إذ لم يؤت عليها بدليل من کتاب أو سنة، بل هي من نحت من کتبوها بعد أن نظروا في ظاهر الأحداث والتغييرات التي طرأت علي الدولة الاسلامية في عصورها الأولي، فبرروها وألبسوها ثياباً شفافة، لم تستر ما بها من عورات عن عيون المبصرين.
فهذه الآراء السياسية التي عرضنا بعضها آنفاً تعني في بساطة أن أية مجموعة من المسلمين من خمسة أو ثلاثة بل واحد أيضاً يجوز له أن يحدد قيادة الأمة بمبايعته لهذا أو ذاک، وتصير بيعته هذه ملزمة لا يمکن نقضها، فمستقبل الأمة يجدده شخص واحد أو بضعة أشخاص. وتجوز البيعة أيضاً بالعهد تبريراً لحکم بني أمية وبني العباس، لأنها إن کانت لا تجوز بهذا الطريق کانت نظم هذه الدول باطلة، والقاعدة تنسحب أيضاً علي النظم المشابهة في
[ صفحه 143]
الوقت الراهن من مشيخات ومملکات. ويجوز لواحد أن يحدد مستقبل الأمة کلها لقرون طويلة اذا ولي من بعده بالعهد أکثر من واحد علي التوالي، ولا حد ولا عد، لأن بني أمية وبني العباس فعلوا ذلک ولم يعترض عليهم أحد. ولا يهم رضا الناس ولا عقل الأمة ووجدانها وإرادتها، لأن ذلک لم يلزم لإمضاء بيعة أبي بکر وعمر (رض).
ويجوز التأمير بالسيف - أو بالدبابة والصاروخ والعسکر بعد تقدم التکنولوجيا الحربية - ومن ثم فالانقلابات العسکرية من صميم الإسلام أسوة بما فعل معاوية. وطوبي للمسلمين لأن إسلام المشايخ يأمرهم بالسمع والطاعة للفاجر وشارب الخمر والفاسق والسارق والزاني، إذا تأمر عليهم بأي طريق فهو أمير المؤمنين، فمن إذن أمير الفاسقين والمجرمين؟
أما الشعب والأمة والجمهور فلا دخل له في هذه الأمور، وحرام عليه أن يتکلم في السياسة، إذ لا يلزمه علي شريعة مشايخنا أن يعرف قيادته ولا إمامه بعينه وشخصه واسمه، لأن
[ صفحه 144]
هذا حق أهل الإختيار، أو الحل والعقد، وهو اصطلاح لم يؤت به من کتاب أو سنة، واختلفوا هم أنفسهم في تحديده حتيجعل ابن خلدون بني أمية أهل الحل والعقد. [12] .
وأهل الحل والعقد يختارهم وينتقيهم الخليفة علي عينه، ثم هم بدورهم يختارونه، لأن الخلافة أصلاً شيء غير مهم، وهي من المصالح العامة المفوضة الي نظر الخلق، ولم تکن مهمة في عهد النبي صلي الله عليه وسلم. [13] .
ولست أدري لماذا لم يؤسس مشايخنا نظرية الاسلام السياسية علي أساس يتفق وعقل الإنسان، وفي ضوء الأدلة والنصوص المتوفرة، وهي کثيرة، إن کنا نعتقد بأن نظرية الإسلام السياسية - والقيادة من موضوعاتها - مسألة اجتهادية متروکة لنظر الخلق؟
خذ لذلک مثلا لعن الله ورسوله لمن قام بانقلاب عسکري وبالتالي تحريم هذا الأسلوب في تحديد قيادة الأمة، ما رواه العالم
[ صفحه 145]
السني الجليل السيد محمدبن عقيل العلوي إذقال (جاء في الصحيح عن رسول الله أنه قال: ستة لعنتهم ولعنهم الله وکل نبي مجاب: الزائد في کتاب الله، والمکذب بقدر الله، والمتسلط بالجبروت فيعزمن أذل الله ويذل من أعز الله، والمستحل لحرمة الله، والمستحل من عترتي ما حرم الله، والتارک لسنتي. أخرجه الترمذي عن عائشة وابن عساکر عن ابن عمر) [14] .
ولماذا نستسيغ الکم الهائل من الأحاديث التي روتها الکتب الستة وغير الستة في تحريم الثورة علي الحاکم وإن کان فاسقاً فاجراً، وتلقين الناس السمع والطاعة للنظم والحکومات وإن لم يستنوا بسنة الرسول ويلتزموا بأحکام الشرع، ونحض المسلم علي أن لا يخوض في الفتن - أي الخلافات السياسية - ولو بأن يلجأ الي رؤوس الجبال أو يعض علي جذع شجرة، وعليه الصبر کي لا يموت ميتة الجاهلية، الي غير ذلک مما هو مروي في أبواب الفتن، والإمارة، والأمر بلزوم الجماعة، وغيرها من الأبواب، في الصحاح والمسانيد... وهو ما جعل المسلمين أرانب مستأنسة.
[ صفحه 146]
لا والذي نفسي بيده أنا لا أنکر الحديث فهو الأساس الثاني للتشريع بعد کتاب الله، لکني أفرق بين حديث رسول الله وبين کتب ومجموعات الحديث، لأن هذه المجموعات لم تصنف وترتب إلا في أواخر القرن الثاني وأوائل الثالث الهجري بعد انقلاب الخلافة، وسيطرة من لم يکن له حق في السيطرة، وبعد تغير الأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية. ولا أري ضرورة لتقديس الأشخاص، لأن التاريخ عندنا قد امتزج بالحديث، وکتَّاب التاريخ في أغلبهم محدثون، وهم - أي علماء الحديث - حين وضعوا کتبهم إنما وضعوها کل وفق رأيه الشخصي، ومعتقداته الذاتية التي لا يلزم المؤمن اتباعها. فهم کأهل التاريخ لم يسمحوا لنا بقراءة ما خالف رأيهم. ومن أجل معرفة رأيهم لا ينبغي إغفال العناصر المؤثرة في تشکيل المناخ الثقافي لکل عالم منهم علي حدة، في ضوء دراسة طبيعة النظم التي عاشوا تحتها، وعلاقتهم بحکومات عصرهم، ووضعهم الإجتماعي والإقتصادي، وموقف الأنظمة التي عاشوا في ظلها
[ صفحه 147]
من أهل الحق من المعارضين، ومن العلماء الصادقين... الي آخر ذلک من العوامل التي لا بد من أخذها في الإعتبار عند تقييم العمل العلمي والعلماء، لأن من حقنا أن نتساءل لماذا لم يرو هذا المؤلف أو ذاک شيئاً ضد الحکومة التي کانت عليه؟ ولماذا روي من الأحاديث ما يدعم سلطانها، ويثبط الناس عن الثورة علي مفاسدها؟
إن الله عزوجل أنزل هذا الدين ليظهره علي الدين کله کما هو منصوص في الکتاب، ولئن کان الجانب العقائدي والأخلاقي محفوظاً مؤهلاً لأن يظهر علي کل الأديان إن شاء الله، إلا أن الجانب السياسي بالطريقة المدونة عندنا والتي رأينا بعضها - لا يبشر بظهور هذا الدين ولو حتي علي أديان حي من أحياء مدينة من مدن المسلمين، وعلينا أن نعيد النظر في تراثنا السياسي ونزيح الغبار عن نظرية الإسلام السياسية الحقيقية، ونتخذ موقفاً محدداً من قضايا علم السياسة، ونقدمه للناس بطريقة مقنعة، تجعل هذا الجانب من ديننا غالباً ظاهراً کالشمس. إن العالم لن يقبل حقية
[ صفحه 148]
ديننا بمجرد قولنا أنه حق، بل سينظر ويعقل - وهو في القرن العشرين - ويقارن ثم يتخذ موقفاً ويصدر قراراً.
والذين کتبوا في موضوعنا من المحدثين غالباً ما اعتبروا الشوري قاعدة انطلقوا منها في تصوير نظام الحکم في الاسلام، لکنهم تغافلوا عن شکل الشوري کما طبقة الأوائل ومالوا الي الشکل الغربي الحديث المسمي بالديمقراطية، مع أن الشوري کما مارسها الأوائل ما کانت غير استشارة نخبة النخبة لا کل النخبة والصفوة، ولا کل المسلمين [15] .
وإن کان من فصلوا الدين عن السياسة أو جعلوا نظام الحکم في الاسلام مسألة اجتهادية متروکة لاستصواب الناس علي اختلاف أمزجتهم وطبائعهم، مثل الأستاذ مصطفي عبدالرزاق في کتابه الاسلام وأصول الحکم، قد انتهوا الي تفضيل النظام الديمقراطي علي اختلاف في الدرجات، فان الذين دافعوا عن
[ صفحه 149]
النظرية الإسلامية ولم يفرقوا بين الدين والسياسة، انتهوا أيضاً الي نفس النتيجة علي اختلاف في الألوان.
والسبب في وحدة النتائج رغم اختلاف المشارب - کما يتهيأ لي - يرجع الي طبيعة المذهب نفسه، إذ يخلو کما ذکرت من شيء محدد نمسکه في يدنا.
يقول أحد أعضاء الفريق الثاني:
(فالحکومات التي تجمع في حصيلتها من دلائل الرضا أکثر من إمارات السخط، هي خير الحکومات وأرشدها وأصلحها) [16] (إن الحاکم أياً کان من العدل والإستقامة وسلامة القصد، لن يبلغ من المحکومين في ميزان حکمه، وأحسن من هذا أن ترجح کفة الرضا علي کفة السخط، أما أن يحوز رضا الناس کلهم، فذلک ما لا ينال أبداً) [17] .
[ صفحه 150]
ولأن المسائل السياسية عندنا مبهمة غير واضحة تقوَّل الأقدمون فيها برأيهم، کما تقوَّل المحدثون.
ومن هذا نفهم أن المسلمين في حاجة الي إعادة صياغة فکرهم السياسي أو علي الأقل تحديد الأمور الأساسية في.
يقول الدکتور طه حسين وهو يناقش الأزمة الدستورية التي واجهتها الدولة الاسلامية الوليدة فسبب لها ما وقع من انقلاب:
(کان المسلمون في حاجة الي أن ينشئوا لأنفسهم في حدود القرآن والسنة دستوراً مکتوباً يبين الحدود والإعلام، يعصمهم من الفرقة والإختلاف... فلم يتح للشيخين وأصحابهما من الوقت ولامن الفراغ والدعة ولا من التطور والإتصال بأسباب الحضارة ما کان من شأنه أن يمکنهم من وضع هذا النظام، إنما السبيل علي الذين جاؤوا بعدهم فأتيحت لهم السعة والدعة والفراغ، ولم يفکروا مع ذلک في أن يضعوا نظاماً لتداول الحکم ولا في أن يضعوا نظاماً يکفل رعاية العدل السياسي والإجتماعي، وإنما أهملوا ذلک إهمالاً وآثروا أنفسهم بالحکم والغلب والاستعلاء) [18] .
[ صفحه 151]
لکن أجيالنا تنکرت لهذه النداءات التي أطلقها کثير من الباحثين، وبدلاً من أن نعکف علي دراسة ما نحن به حقاً، وما تحتاجه مجتمعاتنا، فإذا بنا نضع أصابعنا في آذاننا، ونستغشي أثوابنا، ونسير في الاتجاه المعاکس، تماماً لنقدس أوثاناً وأصناماً نحتها لنا قدماء المشايخ علي هيئة اصطلاحات ألزموا أعناقنا بالخضوع لها، فصرنا نسجد لها ونطالب المسلمين غيرنا بالسجود لها، وإلا فهم رَفَضة مارقون عن الدين.
ومن الأصنام في عصرنا ما نحت بتوجيه أجنبي خفي أو جلي في شکل کتب أو أشخاص أضفينا عليهم القداسة واعتبرنا ما يقولونه وحياً منزلاً.
ولا أري - إن کان لي حق في الرؤية - علاجاً لما نحن فيه إلا إتاحة جو عام من التفکير بحرية، والنقاش العلمي بحرية، وطرح المعطيات والمقدمات باستقلالية، ثم بعد ذلک استخلاص النتائج دون قيود، معنا کانت هذه النتائج أم علينا.
نحن في حاجة إذن الي ثورة في أسلوب التفکير قبل ثورة الفکر وثورة التنفيذ، لأننا لا نعرف حتي الآن کيف نتعامل مع الفکر
[ صفحه 152]
وکيف نفکر، وما ينبغي أن نکون عليه من فکر، وفي غياب کل هذا نريد أن نتصرف فإذا بنا نتصرف کرهبان الکنيسة في عصورها الوسطي، ولنا ألف جاليليو، ونتغطرس کقابيل ونقتل کل يوم ألف هابيل، فيلصق الجهلاء والبسطاء أفعالنا بالاسلام نفسه، ونشارکهم في تشويه هذا الدين الأبيض الجميل.
إن الإنقسام الذي نراه بيننا، والإنفصام الذي نعايشه بين السلطة والشعب وبين القيادة والقاعدة، وإن کان واقعنا الناطق وحاضرنا التعيس، إلا أنه عتيق له جذور تصل الي ذلک العهد البعيد قبل أربعة عشر قرناً، حين اختلف سلفنا الصالح واقتتلوا علي القيادة، فنخر السوس في الجذور، وترکناه ينخر، وقتلنا الأطباء، وقاطعنا کل دواء!
[ صفحه 153]
پاورقي
[1] الأحکام السلطانية للماوردي: ص504.
[2] الإرشاد للجويني: ص424، مصر 1369هـ.
[3] تفسير القرطبي: 1: 268 - 272، مصر 1387هـ.
[4] المواقف: 8: 351 - 353، مصر 1325.
[5] الماوردي: ص8.
[6] نفس المصدر، نفس الصفحة.
[7] نفس المصدر، ص9.
[8] الماوردي: ص11.
[9] ابو يعلي: ص4.
[10] نفس المصدر ص10.
[11] الماوردي: ص13، أبو يعلي: ص11.
[12] المقدمة: ص206.
[13] نفس المصدر: ص212 - 213.
[14] النصائح الکافية، ص29 الطبعة الرابعة، 1966 بدون مکان.
[15] لابد أن يکون المقصود بالنخبة والصفوة عند المؤلف مجموعة الذين أجادوا التخطيط واستغلال ظرف وفاة النبي صلي الله عليه وآله. أما النخبة والصفوة بمفهوم الإسلام فلها معني آخر (الناشر).
[16] الامامة والسياسة، عبد الکريم الخطيب، ص194، الطبعة الثانية، لبنان 1975 وانظر الخلافة والملک للمودودي.
[17] نفس المصدر: ص197.
[18] الفتنة الکبري: ص41 - 42.