بازگشت

نظام الولاية في عصر الحضور والغيبة


ونظام الولاية لم يکن خاصا بما بعد الغيبة الکبري. واساسا لم يکن وليدة ذلک العصر، بل کان سائدا منذ العهود الأولي لولاية النبي وأهل بيته المعصومين - عليهم السلام -، حيث کان لکل معصوم بعض الحواريين الذين يحملون علوم ذلک المعصوم، ويؤدون مسؤوليات کبري في ابلاغ رسالته. فهم حجابه ونوابه وقادة حربه ورسله الي شيعته، وفي اغلب العصور کان عدد هؤلاء واسماءهم وتميزهم عن اقرانهم کان ذلک مخفيا عن عامة الناس، ولکن في ظروف معينة کان الأمر ينکشف للناس.

وهکذا تجد الامام امير المؤمنين - عليه السلام - يقول بکل ألم:

ما ضر اخواننا الذين سفکت دماؤهم بصفين أن لايکونوا اليوم أحياء؟ يسيغون الغصص ويشربون الرَنَق. قد والله لقوا الله فوفّاهم أجورهم وأحلهم دار الأمن بعد خوفهم، أين اخواني الذين رکبوا الطريق ومضوا علي الحق؟ أين عمار؟ وأين ابن التيهان؟ وأين ذو الشهادتين؟ وأين نظراؤهم من اخوانهم الذين تعاقدوا علي المنية، وابرد برؤوسهم الي الفجرة (نهج البلاغة)

ومن بعد طبقة الحواريين وخواص شيعته، کان هناک طبقة ثانية تتمثل في الرواة والفقهاء و.. و..

وفي عصر الامام الحسين - عليه السلام - ظهرت للعيان هذه الطبقة المختارة، حيث استقاموا معه حتي الشهادة. وصدرت في حقهم تلک الوثيقة الرائعة، حيث قال سيد الشهداء ابو عبد الله الحسين - عليه السلام -:

اما بعد فاني لا أعلم اصحابا أوفي ولا خيرا من اصحابي، ولا أهل بيت أبر وأوصل من أهل بيتي.. [1] .

وفي عهد الامامين الصادقين - عليهما السلام - حيث وفر الصراع بين بني امية وبني العباس علي السلطة،حرية نسبية لنشر معارف القرآن، تبلورت صيغة الولاية الفقهية في صورة درجات الفقهاء، و ارجاع

الأئمة الناس الي بعضهم.

وبالرغم من ان بعض الوکلاء خانوا الولاية عندما فتنوا بالاموال مثل (علي بن ابي حمزة البطائني) الذي توقف علي الامام موسي بن جعفر - عليه السلام - وادعي انه الامام الغائب، الا ان وحدة الشيعة علي عهد الامام الرضا - عليه السلام - ومن بعده اعادت مرة اخري نظام ولاية الفقهاء من بعده.

واستمر الي عصر الغيبة وحتي اليوم. اللهم بفارق ان انتخاب الوکلاء کان يتم عادة في عصر الحضور من قبل الأئمة - عليهم السلام -، بينما يتم ذلک اليوم من قبل الناس انفسهم.

والادلة التي اقامها الشيعة علي بطلان القيادة السياسية التي لاتمت الي الدين، لا تخص عصرا دون اخر، ولا مصرا دون مصر. فالطاغوت الذي امر الله باجتنابه ونهي عن التحاکم اليه هو الطاغوت سواء تمثل في فرعون او نمرود او حکام الجور في عصر الأئمة المعصومين - عليهم السلام - او في عصرنا..

قال الله سبحانه:

«أَلَمْ تَرَ إِلَي الَّذِينَ اُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْکِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ کَفَرُوا هَؤُلآءِ أَهْدَي مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُوا سَبِيلاً ، اُوْلَئِکَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ الله وَمَن يَلْعَنِ الله فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً» (النساء / 51-52)

وهکذا الادلة القرآنية التي دلت علي الالتفاف حول الفقهاء هي الاخري لا تخص عهد الأئمة.

قال الله سبحانه:

«فَسْأَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِن کُنتُم لاَ تَعْلَمُونَ ، بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ» (النحل / 43-44)

وقال تعالي:

«وَمَا کَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا کَآفَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِن کُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ» (التوبة / 122)

فالرجوع الي العلماء فيما يجهله الناس من احکام الدين واجب، کما هو واجب علي الفقهاء ان ينذروا الناس. وهکذا قال ربنا سبحانه:

«لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ اِلإِثْمَ وَأَکْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا کَانُوا يَصْنَعُونَ» (المائدة / 63)

فالربانيون والاحبار هم تلک الأمة التي تتحمل اکثر من غيرها مسؤولية الدفاع عن قيم الأمة الحق.

وعندما تفاجئ الأمة قضية يجهلون حکمها في الشؤون السياسية، مثل الحرب والسلم.. فان عليهم الرجوع اليالذين يستنبطون حکم الله ورسوله فيه.

قال تعالي:

«وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَي الرَّسُولِ وإِلَي اُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْکُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً» (النساء / 83)

وهکذا الرد الي اولي الأمر بهدف استنباط الحکم الشرعي واجب الأمة. ويبدو من الآية ان اتباع اولي الأمر انما هو بهدف استنباط الحکم، وهکذا فان ابرز شرط من شروط اولي الأمر القدرة علي الاستنباط. وقال الله تعالي وهو يأمر بطاعة أولي الأمر:

«أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاُولِي الأمْرِ مِنْکُمْ» (النساء / 59)

ويتساءل البعض: اذا کيف اجتمع طاعة الفقهاء وطاعة الأئمة المعصومين في عصرهم؟

والجواب: ان وجود القيادة المعصومة المنصوص عليها تغني عن قيادة الفقهاء، ولا تلغيها.

فاذا افترضنا عدم قدرة احد بالوصول الي القيادة المعصومة في عصرهم، فان واجبه الرجوع الي الفقهاء. وهکذا امر الأئمة شيعتهم، فقد جاء في حديث:

منازعة في دين أو ميراث فتحاکما الي السلطان أو الي القضاة أيحل ذلک؟ قال - عليه السلام -: من تحاکم اليهم... (الي ان قال) قال: ينظران الي من کان منکم ممن قد روي حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف احکامنا فليرض به حکما، فاني قد جعلته عليکم حاکما فاذا حکم بحکم ولم يقبله منه فانما بحکم الله استخف، وعلينا رد، و الراد علينا کافر راد علي الله وهو علي حد من الشرک بالله... [2] .

عن عبد الله بن زرارة قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): إقرأ مني علي والدک السلام وقل له.. الي أن قال: ولو أذن لنا لعلمتم ان الحق في الذي أمرناکم، فردوا إلينا الأمر، وسلّموا لنا واصبروا لأحکامنا وارضوا بها.. [3] .

وهکذا جاءت أوامر الأئمة المعصومين - عليهم السلام - مطابقة مع نصوص القرآن في الاحتکام الي العلماء من رواة الأحاديث.

الامام المهدي (عليه السلام) في الکتاب والسنة

کل حقيقة تتجلي ضمن منظومة من الحقائق التي تهدي اليها وتعرف بها. فالمعرفة شجرة باسقة اصلها ثابت في عمق الايمان بالله خالق السموات والارض، وجاعل السنن الحاکمة علي الخليقة، والهادي الي الحق والي صراط مستقيم.

وهذه الشجرة تتعالي فروعها في سماء العلم. کل فرع يهدي الي اصله، وکل اصل يدعو الي فرعه. والذين ينظرون الي ايات الله سبحانه بهذا المنهج الحکيم تتکامل معارفهم، ويتعمق وعيهم بالحقائق.

بينما الذين يضربون الآيات او الأحاديث ببعضها تراهم في شک مريب، لانهم يفسرون کل آية بهواهم، ويقطعون کل حديث عن أصله.

وحسب هذه المنهجية الرشيدة في وعي حقائق الشريعة نستوعب حقيقة ظهور المهدي في آخر الزمان، ونعي بلا تکلف او ارتياب انتظار

الامام الثاني عشر الغائب.

وفيما يلي نستعرض باجمال کيف تتسامي المعارف الالهية وتتسلسل حتي تبلغ بنا سنامها المتمثل في الايمان بالامام المهدي الغائب المنتظر.


پاورقي

[1] موسوعة بحار الانوار / ج 44 / ص 392 / رواية 2.

[2] موسوعة بحار الأنوار / ج 2 / ص 221 / رواية 1.

[3] موسوعة بحار الأنوار / ج 2 / ص 247.