لماذا الانتظار؟
ختم الله سبحانه بالقرآن المجيد رسالاته. أليس القرآن ذروة العلم، وسنام الايمان، ومنتهي التطلع؟ فلا يتطور الانسان في حقل إلا ويجد القرآن امامه..
ولکن الرسالة العظيمة التي ختم الله بها کتبه ووحيه کانت من العظمة بدرجة احتاج الناس الي عدة قرون لهضم معانيها ومعرفة ابعادها، وتجربة تطبيقها في ظل ائمة هداة، يفسرون آيات الکتاب ويواجهون عوامل التحريف والتزييف، ويتصدون للدفاع عن قيمه.
فلما تنامي في الأمة خط اصيل من العلماء الربانيين، واولي الفقه والبصيرة، والعلم والذکر.. کانت الحکمة الالهية اقتضت غيبة الامام الثاني عشر.. حيث کان ايمان الناس به وبغيبته وانتظارهم له بذاته ذات فوائد نذکرها تباعا:
اولا: الانتظار نقطة امل تقود الامة الي الامام، ويعطيه زادا نفسيا عظيما يتجاوز به العقبات التي تزخر بها المسيرة. وهکذا کان النصر النهائي الذي وعد الله عباده الصالحين اعظم طاقة لهم في مواجهة الجبابرة، حيث قال الله سبحانه:
«وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الاَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ» (القصص / 5)
والاية وردت في قصة بني اسرائيل حين انقذهم الله سبحانه ببرکة قيادة نبيه موسي بن عمران - عليه السلام - من بلاء فرعون، حيث لم يکن احد يحلم بالنجاة من بطشه وکيده وفتنته.
ان الايمان بالنصر عامل ثبات يساهم في الانتصار بدرجة کبيرة، والله سبحانه وفر لعباده هذا العامل من خلال هذا الانتظار، حيث قال سبحانه:
«يُثَبِّتُ الله الَّذِينَ ءَامَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الأَخِرَةِ وَيُضِلُّ الله الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ الله مَا يَشَآءُ» (ابراهيم / 27)
ثانيا: يختار الناس قياداتهم الاجتماعية والسياسية من بين اقرب الناس الي الامام (الحجة الغائب) علما وتقوي وخلقا.
وکان الامامية الاثني عشرية اکثر الفرق الاسلامية اهتماما بقياداتهم، وبمستواهم العلمي والديني. وقد دعاهم ذلک الي انشاء معاهد علمية متقدمة، کما وبرزت فيهم کفاءات عالية منذ العصور المتقدمة..
ووجود القيادات الکفوءة في کل مجتمع، والتفاف الناس حولهم، وطاعتهم لهم يمنح هذا المجتمع قوة کبيرة ويطوره تطويرا هائلا..
وهکذا تنامت هذه الطائفة بالرغم من مخالفتهم للانظمة السائدة، وعدم ذوبانهم فيها، تنامت عبرالتاريخ حتي اصبحت ثانية الطوائف الاسلامية، بل الطائفة الأولي اذا قسمنا السنة الي طوائف مختلفة (مذاهب اربعة - ومدارس فلسفية مختلفة).
ثالثا: بالرغم من احترام الشيعة لفقهائهم الکبار، واکرامهم واتباعهم مما يضرب بهم المثل. بالرغم من ذلک تراهم لايقدسونهم تقديسا يتعالون به علي النقد، او يتجاوزون مثل الامام الأعلي الذي انتخبوا لأجله، ولا يستبد احدهم بالقيادة دون غيره لانهم جميعا سواسية امام القائد الأعلي الامام الغائب - عجل الله تعالي فرجه -. فما داموا يمثلونه بالنيابة، فلا احد فيهم يستطيع ان يصادر حق غيره من المجتهدين في المرجعية، واصدار الفتوي وقيادة من يثق به ويختاره من ابناء الطائفة ضمن القيم الدينية المعروفة.
وهکذا کانت ميزات القيادة المرجعية الشيعية الثلاث الاتية، کلها من نتائج الايمان بغيب الانتظار:
1 / القيادة الکفوءة العاملة ضمن القيم الدينية المثلي.
2 / اتباع الناس لها.
3 / تعددية القيادة.
وهکذا تضمن النظام المرجعي فوائد النظام الولائي القائم علي اساس اتباع من يمثل ولاية ائمة الهدي - وبالتالي - ولاية النبي - صلي الله عليه وآله -. وفوائد النظام الشوروي القائم علي اساس اشراک الجماهير في اختيار القائد ضمن القيم التي يؤمنون بها، وفي اطار معرفتهم بشخصه.
ففي النظام الولائي الحزم والتماسک وشرعية الطاعة، - وبالتالي - فيه الکثير من اسباب القوة. اما النظام الشوروي ففيه التعددية، و احترام الرأي الآخر، والمراقبة علي تطبيق التعاليم الدينية.. وکل ذلک بفضل الايمان بالانتظار،وتمثل القيادة في الامام الحجة - عليه السلام -.