ابن القيم الجوزية
قال في کتابه المنار المنيف في الصحيح والضعيف بعد ان ذکر عددا من احاديث المهدي المنتظر: وهذه الاحاديث اربعة اقسام: صحاح، وحسان، وغرائب، وموضوعة.
وقد اختلف الناس في المهدي علي اربعة اقوال:
احدها، انه المسيح بن مريم، وهو المهدي عل الحقيقة، واحتج اصحاب هذا بحديث محمد بن خالد الجندي المتقدم (يقصد حديث لا مهدي الا عيسي) وقد بينا حاله وانه لا يصح، ولو صح لم يکن فيه حجة، لان عيسي اعظم مهدي بين يدي رسول الله - صلي الله عليه وسلم - وبين الساعة.
القول الثاني: انه المهدي الذي ولي من بني العباس، وقد انتهي زمانه. واحتج اصحاب هذا القول بما رواه احمد في مسنده: اذا رأيتم الرايات السود قد اقبلت من خراسان فأتوها ولو حبوا علي الثلج. فان فيها خليفة الله المهدي .
... وفي سنن ابن ماجه عن عبد الله بن مسعود قال: بينما نحن عند رسول الله - صلي الله عليه وسلم - اذ اقبل فتية من بني هاشم، فلما رآهم النبي - صلي الله عليه وسلم - اغرورقت عيناه وتغير لونه، فقلت: ما نزال نري في وجهک شيئا نکرهه! قال: انا اهل بيت اختار الله لنا الاخرة علي الدنيا، وان اهل بيتي سيلقون بلاء. وتشريدا وتطريدا، حتي يأتي قوم من اهل المشرق ومعهم رايات سود، يسألون الحق فلا يعطونه، فيقاتلون فينصرون فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه، حتي يدفعونها الي رجل من اهل بيتي فيملؤها قسطا کما ملئت جورا، فمن ادرک ذلک فليأتهم ولو حبوا علي الثلج .
.. وهذا والذي قبله لو صح، لم يکن فيه دليل علي ان المهدي الذي تولي من بني العباس هو المهدي الذي يخرج في آخر الزمان، بل هو مهدي من جملة المهديين، وعمر بن عبد العزيز کان مهديا، بل هو اولي باسم المهدي منه.
... فالمهدي في جانب الخير و الرشد کالدجال في جانب الشر والضلال، وکما ان بين يدي الدجال الاکبر صاحب الخوارق دجالين کذابين، فکذلک بين يدي المهدي الاکبر مهديون راشدون.
القول الثالث: انه رجل من اهل بيت النبي - صلي الله عليه وسلم - من ولد الحسن بن علي، يخرج في آخر الزمان وقد امتلأت الارض جورا وظلما فيملؤها قسطا وعدلا، واکثر الاحاديث علي هذا تدل.. وفي کونه من ولد الحسن سر لطيف، وهو ان الحسن - رض الله تعالي عنه - ترک الخلافة لله، فجعل الله من ولده من يقوم بالخلافة بالحق المتضمن للعدل الذي يملأ الارض، وهذه سنة الله في عباده، انه من ترک لاجله شيئا اعطاه الله او اعطي ذريته افضل منه.. الخ.. (المصدر ج 1 ص 289)