في البدء نتحدث عن الاحاديث الشريفة حول الامام المهدي ونعقبها بآراء طائفة من علماء السنة فيها.

ثم نتحدث عن ان الأئمة اثني عشر وان کلهم من قريش، او من أهل بيت الرسول. هذه النصوص التي تناقلها الرواة الي حد الاستفاضة، بل التواتر، ومن طرق شتي.

وفيما يلي نتلو هذه الأحاديث، ثم نعقبها بجملة اسانيد، سواء کانت في کتب السنة او الشيعة.

وبعد بيانها نتحدث عن فقه هذه الاحاديث ورد بعض الشبهات حولها. ثم نتحدث عن ولادة الامام المهدي وجملة حوادث وقعت عندها.

الامام المهدي (عليه السلام) في السنة:

لقد استفاضت الاحاديث النبوية الشريفة في کتب علماء السنة، حتي بلغت حدا جعل کبار العلماء يرون بان العقيدة بالامام المهدي من صميم الدين الاسلامي.

وفيما يلي نذکرجملة من النصوص، ونثبت في الهامش مصادرها المکثفة ثم نستعرض آراء فقهاء المسلمين السنة ومحدثيهم في تلک الأحاديث.

- ابشرکم بالمهدي يبعث في امتي علي اختلاف من الناس وزلازل، فيملأ الارض قسطا وعدلا کما ملئت جورا وظلما. يرض عنه ساکن السماء وساکن الأرض. يقسم المال صحاحا.

فقال له رجل ما صحاحا؟

قال: بالسوية بين الناس.

قال: ويملاء الله قلوب امة محمد - صلي الله عليه وآله - غني ويسعهم عدله، حتي يأمر مناديا فينادي فيقول: من له من مال حاجة، فما يقوم من الناس إلا رجل اتت السدان يعني الخازن فقل له ان المهدي يأمرک ان تعطيني مالا. فيقول له احث حتي اذا جعله في حجره وأحرزه ندم، فيقول: کنت اجشع امة محمد نفسا او عجز عني ما وسعهم؟ قال: فيرده فلا يقبل منه. فيقال له إنّا لا نأخذ شيئا اعطيناه. فيکون کذلک سبع سنين او ثمان سنين او تسع سنين ثم لاخير في العيش بعده، او قال ثم لا خير في الحياة بعده. [1] .

- وجاء في حديث آخر مأثور عن النبي - صلي الله عليه وآله -:

يکون في آخر الزمان، علي تظاهر العمر وانقطاع من الزمان، امام يکون اعطي الناس يجيئه الرجل فيحثو له في حجره، يهمه من يقبل عنه صدقة ذلک المال ما بينه وبين أهله، لما يصيب الناس من الخير [2] .

- وقال النبي - صلي الله عليه وآله -:

ان المهدي من عترتي، من أهل بيتي يخرج في آخر الزمان، ينزل الله من السماء قطرها. ويخرج له (من) الأرض بذرها، فيملأ الأرض عدلا وقسطا کما ملأها القوم ظلما وجورا . [3] .

- وجاء في حديث آخر عنه - صلي الله عليه وآله -:

لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلا من أهل بيتي يملؤها عدلا کما ملئت جورا . [4] .

- وقال النبي - صلي الله عليه وآله -:

فلو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلک اليوم حتي يأتيهم رجل من أهل بيتي، تکون الملائکة بين يديه ويظهر الاسلام . [5] .

- وجاء في حديث مأثور عن النبي - صلي الله عليه وآله -:

ويح هذه الامة من ملوک جبابرة، کيف يقتلون ويخيفون المطيعين إلا من اظهر طاعتهم. فالمؤمن التقي يصانعهم بلسانه ويفر منهم بقلبه، فاذا اراد الله عز وجل ان يعيد الاسلام عزيزا قصم کل جبار، وهو القادر علي ما يشاء ان يصلح امة بعد فسادها .

فقال - عليه السلام -: يا حذيفة لولم يبق من الدنيا إلا يوم واحد

لطول الله ذلک اليوم حتي يملک رجل من أهل بيتي يجري الملاحم علي يديه، ويظهر الاسلام، لا يخلف وعده وهو سريع الحساب . [6] .

- وجاء في حديث آخر عنه - صلي الله عليه وآله -:

سيکون من بعدي خلفاء، ومن بعد الخلفاء امراء، ومن بعد الأمراء ملوک، ومن بعد الملوک جبابرة، ثم يخرج رجل من اهل بيتي يملأ الارض عدلا کما ملئت جورا، ثم يؤثر القحطاني، فوالذي بعثني بالحق ماهو دونه . [7] .

- وجاء عن رسول الله - صلي الله عليه وآله - أنه قال:

کيف أنت يا عوف، إذا افترقت هذه الامة علي ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة وسائرهن في النار؟

قلت: ومتي ذلک يا رسول الله؟

قال: اذا کثرت الشرط، وملکت الاماء، وقعدت الحملان علي المنابر، واتخذ القرآن مزامير، وزخرفت المساجد ورفعت المنابر، واتخذ الفيء دولا، والزکاة مغرما، والامانة مغنما، وتفقه في الدين لغير الله، واطاع الرجل امرأته وعق أمه وأقصي أباه، ولعن آخر هذه الأمة أولها، وساد القبيلة فاسقهم، وکان زعيم القوم أرذلهم، وأکرم الرجل اتقاء شره، فيؤمئذ يکون ذلک، ويفزع الناس يومئذ الي الشام يعصمهم من عدوهم .

قلت: وهل يفتح الشام؟

قال: نعم وشيکا، ثم تقع الفتن بعد فتحها، ثم تجيء فتنة غبراء مظلمة، ثم يتبع الفتن بعضها بعضها، حتي يخرج رجل من أهل بيتي يقال له المهدي فإن أدرکته فاتبعه وکن من المهتدين . [8] .

ويبدو ان معني قعدت الحملان حکم الاطفال. کما جاء في المفردات.

- وجاء في حديث آخر عنه - صلي الله عليه وآله -:

لا يخرج المهدي حتي يکفر بالله جهرة . [9] .

اقوال علماء السنة في المهدي (عليه السلام)

کانت العقيدة بظهور المهدي في آخر الزمان من العقائد الشائعة بين المسلمين منذ العصر الأول. وذلک انطلاقا من العقيدة باحاديث الرسول - صلي الله عليه وآله - التي کشفت للامة حجب الغيب. وقد ظهرت حرکات مهدوية کثيرة في التاريخ الاسلامي منذ اواخر القرن الأول للهجرة، وحتي هذا القرن..

وکانت اکثر هذه الحرکات في البيئة السنية، وقد التفت حولها الجماهير السنية لقناعتها بهذه العقيدة الراسخة عندهم. وآخر هذه الحرکات کانت ظاهرة في الحرم المکي في السنة الاربعمأة بعد الألف للهجرة، حيث ادعي القائمون بها ان قائدهم هو المهدي، لان اسمه يواطئ اسم الرسول.

ولم يتشکک في عقيدة المهدي إلا بعض المتأثرين بالثقافة العلمانية کابن خلدون الذي حاول ان يؤسس نظرية نقدية للنصوص الدينية بعيدا عن الايمان بالغيب، والتسليم لحقائق الوحي. وقد اورد 28 حديثا في عقيدة المهدي وحاول تضعيف اسانيد بعضها، وکان واضحا ان تشکيکه کان قائما علي نظريته في الاجتماع من قيام الملک بالعصبية، ومحاولة نسبة هذه العقيدة بتلک العصبية.. ولکن اذا جعلنا معيار تقييم العقائد السياسية والحرکات الاجتماعية فلا تسلم حتي العقيدة بأصل الدين من هذا المعيار ذي البعد الواحد.

والواقع ان ابن خلدون الذي ابتلي بهذه الروح المرتابة المشککة، لم يکن شاذا بين کل الناقدين من امثاله المتأثرين بعلم الاجتماع، وهم وافکارهم اول ضحايا هذا المعيار. اذ مادامت الافکار ناشئة ظروف سياسية واجتماعية، فکيف يسلم ابن خلدون واراؤه اومارکس واراؤه او دور کايم واراؤه من التأثر بالواقع الاجتماعي الذي عايشوه؟

مثلا ابن خلدون يؤسس نظرية العصبية التي ثبت في علم الاجتماع مدي ضعفها واحاديتها، ثم يحاول نقد الاحاديث علي اساسها فيقول مثلا: فهذه جملة الاحاديث التي خرجها الائمة في شأن المهدي وخروجه في آخر الزمان، وهي کما رأيت لم يخلص منها من النقد إلا القليل والأقل منه. [10] .

ولم يعرف ابن خلدون ان سلامة سند حديث واحد تکفي لقبول عقيدة غيبية، ولا يضر ضعف سند غيره، لان مجرد الضعف لايدل علي کذب الحديث بل هو مؤيد. ارأيت لو اخبرک طفل ورجل عادي ورجل عالم واخر زاهد بخبر، فانه يزداد عندک رسوخا، بالرغم من ان خبر الطفل وحده لايکفي.

ومثل آخر للتشکيک جاء بمناسبة قيام الحرم المکي حيث کان باسم المهدي، فقام البعض بالتشکيک في اصل العقيدة في محاولة لسلب الشرعية من هذه العقيدة، فألف رئيس المحاکم الشرعية في قطر (الشيخ عبد الله) ألف کتاب سماه لا مهدي ينتظر بعد الرسول خير البشر .

وهکذا نجد البعض يرد عقيدة المهدي لزعمه انها تشکل خلفية نظرية ولاية الفقيه في السياسة، وربط الدين بالسياسة.

وهکذا نجد ان اکثر التشکيک في امر المهدي جاء بدوافع سياسية، ولم يکن قائما علي اسس علمية سليمة.

ولکن هذا التشکيک اني کان دافعه، اثار علماء المسلمين للقيام بالدفاع عن هذه العقيدة الاسلامية، وکان اول من کتب من علماء السنة في هذه العقيدة الحافظ نعيم بن حداد المروزي، حيث عنون کتابه باسم الفتن والملاحم وتوجد نسخة من الکتاب في المکتبة البريطانية حيث سجلت فيها بتاريخ 1924 م. کما توجد نسخ منها في مکتبات الهند وسوريا. والمؤلف هو من مشائخ علماء السنة، وقد توفي سنة 227.

وقد بلغت الکتب والرسائل التي ألفها علماء السنة في عقيدة المهدي زهاء خمسين کتابا ودراسة.

وسوف ننقل فيما يلي جملة من کلمات علماء السنة حول هذه العقيدة. [11] .