بازگشت

عقيدة جمهور الشيعة بعد وفاة الامام الحسن العسکري


قوله: اذا استثنينا شرذمة قليلة، ان اجماع الشيعة في القرن الثالث والقرن الرابع کان قائماً علي عدم الايمان بوجود (محمد بن الحسن العسکري).

أقول: هذه دعوي غير صحيحة والعکس هو الصحيح فإن القائلين بوجود وولادة ومهدوية محمد بن الحسن (عليه السلام) هم جمهور أصحاب الحسن العسکري وقد نقل هذه الحقيقة الاشعري السني (ت324) في کتابه مقالات الاسلاميين الذي انتهي من تأليفه سنة 297 هجرية وکذلک ابن حزم (ت548) في کتابه (الفصل في الملل والاهواء والنحل) وکلاهما من علماء السنة المعنيين بالفرق الاسلامية وکان الثاني ممن عُني بالردّ علي الشيعة هذا بالاضافة الي ما ذکره الشيخ ابو سهل النوبختي والشيخ الصدوق والشيخ المفيد.



[ صفحه 13]



نص الشبهة

قوله: انقسم الشيعة بعد وفاة الحسن العسکري الي أربعة عشرة فرقة... ولم يقل بوجود وولادة وإمامة ومهدوية (محمد بن الحسن) إلا فرقة واحدة (شرذمة قليلة) من تلک الفرق الاربعة عشر (ص234-235).

وقوله: وقد کان القول بوجود ولد (للحسن العسکري) قولا سريا باطنيا قال به بعض اصحاب الامام العسکري بعد وفاته. ولم يکن الامر اضحاً وبديهيا ومجمعاً عليه بين الشيعة في ذلک الوقت، حيث کان جو من الحيرة والغموض حول مسألة الخلف يلف الشيعة، ويعصف بهم بشدة.

وقوله: وقد کتب عدد من العلماء المعاصرين لتلک الفترة کتبا تناقش موضوع الحيرة وسبل الخروج منها، ومنهم الشيخ علي بن بابويه الصدوق الذي کتب کتابا اسماه (الامامة والتبصرة من الحيرة).

وقد امتدت هذه الحيرة الي منتصف القرن الرابع الهجري حيث اشار الشيخ محمد بن علي الصدوق في مقدمة کتابه (اکمال الدين) الي حالة الحيرة التي عصفت بالشيعة وقال (وجدت اکثر المختلفين الي من الشيعة قد حيرتهم الغيبة، ودخلت عليهم في امر القائم الشبهة)...



[ صفحه 14]



وقال محمد بن ابي زينب النعماني في کتابه (الغيبة) يصف حالة الحيرة التي عمت الشيعة في ذلک الوقت (ان الجمهور منهم يقول في (الخلف) اين هو؟ واين يکون واين يکون هذا؟ والي متي يغيب؟ وکم يعيش؟ هذا وله الان نيف وثمانون سنة؟ فمنهم من يذهب الي انه ميت ومنهم من ينکر ولادته ويجحد وجوده ويستهزئ بالمصدق به، ومنهم من يستبعد المدة ويستطيل الامد) يقول (أي حيرة اعظم من هذه الحيرة التي اخرجت من هذا الامر الخلق الکثير والجم الغفير؟ ولم يبق ممن کان فيه الا النزر اليسير، وذلک لشک الناس).

ان دعاوي الاجماع والتواتر والاستفاضة التي يدعيها البعض علي احاديث وجود وولادة ومهدوية الامام الثاني عشر (محمد بن الحسن العسکري) لم يکن لها وجود في ذلک الزمان.

من هنا يمکننا القول، اذا استثنينا شرذمة قليلة، ان اجماع الشيعة في القرن الثالث والقرن الرابع کان قائماً علي عدم الايمان بوجود (محمد بن الحسن العسکري)، وقد ذکر ذلک عامة مؤرخي الشيعة کالنوبختي والاشعري والکليني والنعماني والصدوق والمفيد والطوسي، الذي اطلقوا علي ذلک العصر اسم (عصر الحيرة). (234-235).

الرد علي الشبهة

أقول: هناک قضيتان خلط الاستاذ الکاتب في الحديث عنهما وذکر المصادر فيهما علي انهما قضية واحدة:

الاولي: قضية تفرق أصحاب الامام الحسن العسکري من بعد



[ صفحه 15]



وفاته الي أربع عشرة فرقة أحداها الفرقة الامامية. ومستنده في ذلک هو ما جاء في کتاب فرق الشيعة للنوبختي والمقالات والفرق للاشعري القمي.

الثانية: قضية الحيرة التي أصابت الشيعة بسبب انقطاع السفارة الخاصة وبدء الغيبة الکبري. وقد اشار اليها بعبارات صريحة، النعماني وعلي بن بابويه وابنه محمد بن علي بن بابويه والطوسي والشيخ المفيد، غير أن الاستاذ الکاتب لوي عنق هذه الکلمات زورا وبهتانا ليجعلها تصب في القضية الاولي تضليلا للقارئ وزيادة في التعتيم علي الحقيقة، وفيما يلي خلاصة عن هاتين القضيتين.

القضية الاولي:

قضية تفرق أصحاب الامام الحسن العسکري(عليه السلام)

أقول من المفيد جدا ان نستعرض ما جاء في کتاب (فرق الشيعة) للنوبختي وکتاب (المقالات والفرق) للاشعري القمي.

قال النوبختي في فرق الشيعة:

«ولد الحسن بن علي (عليه السلام) في شهر ربيع الاخر اثنتين وثلاثين ومأتين وتوفي بسر من رأي يوم الجمعة لثمان ليال خلون من شهر ربيع الاول سنة ستين ومأتين ودفن في داره البيت الذي دفن فيه ابوه وهو ابن ثمان وعشرين سنة وصلي عليه ابو عيسي بن المتوکل وکانت امامته خمس سنين وثمانية اشهر وخمسة ايام وتوفي ولم يُرَ له اثر ولم



[ صفحه 16]



يعرف له ولد ظاهر فاقتسم ما ظهر من ميراثه اخوه جعفر وامه وهي ام ولد يقال ها عسفان ثم سماها ابو الحسن حديثاً.

فافترق اصحابه بعده اربع عشرة فرقة

فرقة منها قالت: ان (الحسن بن علي) حي لم يمت وانما غاب وهو القائم ولا يجوز ان يموت ولا ولد له ظاهرا لان الارض لا تخلو من امام وقد ثبتت امامته والرواية قائمة ان للقائم غيبتين...

وقالت الفرقة الثانية: ان الحسن بن علي مات وعاش بعد موته وهو القائم المهدي. لانا روينا ان معني القائم هو ان يقوم من بعد الموت ويقوم ولا ولد له ولو کان لصح موته ولا رجوع لان الامامة کانت تثبت لخلفه...

وقالت الفرقة الثالثة: ان (الحسن بن علي) توفي والامام بعده اخوه (جعفر) واليه اوصي الحسن ومنه قبل الامامة وعنه صارت اليه...

وقالت الفرقة الرابعة: ان الامام بعد الحسن (جعفر) وان الامامة صارت اليه من قبل ابيه لا من قبل اخيه محمد ولا من قبل الحسن ولم يکن اماماً ولا الحسن ايضا...

واما الفرقة الخامسة: فانها رجعت الي القول بامامة (محمد بن علي) المتوفي في حياة ابيه وزعمت ان الحسن وجعفراً ادعيا ما لم يکن لهما...

وقالت الفرقة السابعة: بل ولد للحسن ولد بعده بثمانية اشهر...

وقالت الفرقة الثامنة: انه لا ولد للحسن اصلاً لانا قد امتحنا ذلک وطلبناه بکل وجه فلم نجده... ولکن هناک حبل قائم قد صح في سرية



[ صفحه 17]



له وستلد ذکراً اماما متي ما ولدت فانه لا يجوز ان يمضي الامام ولا خلف له فتبطل الامامة وتخلو الارض من الحجة.

وقالت الفرقة التاسعة: ان الحسن بن علي قد صحت وفاة ابيه وجده وسائر آبائه (عليهم السلام) فکما صحت وفاته بالخبر الذي لا يکذب مثله فکذلک صح انه لا امام بعد الحسن وذلک جائز في العقول والتعارف کما جاز ان تنقطع النبوة... والارض اليوم بلا حجة الا ان يشاء الله فيبعث القائم من آل محمد (صلي الله عليه وآله) فيحي الارض بعد موتها کما بعث محمداُ (صلي الله عليه وآله) علي حين فترة من الرسل...

وقالت الفرقة العاشرة: ان ابا جعفر محمد بن علي الميت في حياة ابيه کان الامام بوصية من ابيه اليه واشارته ودلالته ونصه علي اسمه وعينه. اوصي الي غلام لابيه صغير کان في خدمته يقال له (نفيس) وکان ثقة امينا عنده ودفع اليه الکتب والعلوم والسلاح وما تحتاج اليه الامة واوصاه اذا حدث بأبيه حدث الموت يؤدي ذلک کله الي اخيه جعفر.

وقالت الفرقة الحادية عشرة: لما سئلوا عن ذلک وقيل لهم ما تقولون في الامام اهو جعفر ام غيره قالوا لا ندري ما نقول في ذلک اهو من ولد الحسن ام من اخوته فقد اشتبه علينا الامر انا نقول ان الحسن بن علي کان اماماً وقد توفي وان الارض لا تخلوا من حجة ونتوقف ولا نقدم علي شيء حتي يصح لنا الامر ويتبين.

وقالت الفرقة الثانية عشرة: وهم (الامامية) ليس القول کما قال هؤلاء کلهم بل لله عز وجل في الارض حجة من ولد الحسن بن علي



[ صفحه 18]



وامر الله بالغ وهو وصي لابيه علي المنهاج الاول والسنن الماضية.

ولا تکون الامامة في اخوين بعد الحسن والحسين (عليهما السلام).

ولا يجوز ذلک ولا تکون الا في عقب الحسن بن علي الي ان ينقضي الخلق متصلا ذلک ما اتصلت امور الله تعالي.

ولو کان في الارض رجلان لکان احدهما الحجة ولو مات احدهما لکان الاخر الحجة ما دام امر الله ونهيه قائمين في خلقه.

ولا يجوز ان تکون الامامة في عقب من لم تثبت له امامة ولم تلزم العباد به حجة ممن مات في حياة ابيه ولا في ولده،...

وهذا الذي ذکرناه هو المأثور عن الصادقين الذي لا تدافع له بين هذه العصابة ولا شک فيه لصحة مخرجه وقوة اسبابه وجودة اسناده.

ولا يجوز ان تخلو الارض من حجة ولو خلت ساعة لساخت الارض ومن عليها ولا يجوز شيء من مقالات هذه الفرق کلها.

فنحن مستسلمون بالماضي وامامته مقرون بوفاته معترفون بأن له خلفاً قائماً من صلبه وان خلفه هو الامام من بعده حتي يظهر ويعلن امره کما ظهر وعلن امر من مضي قبله من آبائه ويأذن الله في ذلک، اذ الامر لله يفعل ما يشاء ويأمر بما يريد من ظهوره وخفائه کما قال امير المؤمنين (عليه السلام) (اللهم انک لا تخلي الارض من حجة لک علي خلقک ظاهرا معروفا او خائفا مغمورا کيلا تبطل حجتک وبيناتک).

وبذلک أُمِرنا، وبه جاءت الاخبار الصحيحة عن الائمة الماضين لانه ليس للعباد ان يبحثوا عن امور الله ويقضوا بلا علم لهم ويطلبوا آثار ما ستر عنهم ولا يجوز ذکر اسمه ولا السؤال عن مکانه حتي يؤمر



[ صفحه 19]



بذلک اذ هو (عليه السلام) مغمور خائف مستور بستر الله تعالي وليس علينا البحث عن امره بل البحث عن ذلک وطلبه محرم لا يحل ولا يجوز لان في اظهار ما ستر عنا وکشفه اباحة دمه ودمائنا وفي ستر ذلک والسکوت عنه حقنهما وصيانتهما ولا يجوز لنا ولا لاحد من المؤمنين ان يختاروا اماما برأي واختيار وانما يقيمه الله لنا ويختاره ويظهره اذا شاء لانه اعلم بتدبيره في خلقه واعرف بمصلحتهم والامام (عليه السلام) اعرف بنفسه وزمانه منا، وقد قال ابو عبد الله الصادق (عليه السلام) وهو ظاهر الامر معروف المکان لا ينکر نسبه ولا تخفي ولادته وذکره شايع مشهور في الخاص والعام من سماني باسمي فعليه لعنة الله، ولقد کان الرجل من شيعته يتلقاه فيحيد عنه وروي عنه ان رجلا من شيعته لقيه في الطريق فحاد عنه وترک السلام عليه فشکره علي ذلک وحمده وقال له لکن فلاناً لقيني فسلم علي ما احسن وذمه علي ذلک واقدم عليه بالمکروه... فکيف يجوز في زماننا هذا مع شدة الطلب وجور السلطان وقلة رعايته لحقوق امثالهم مع ما لقي (عليه السلام) من صالح بن وصيف وحبسه... وقد رويت اخبار کثيرة: (ان القائم تخفي علي الناس ولادته) و (يخمل ذکره ولا يعرف) الا انه لا يقوم حتي يظهر ويعرف انه امام ابن امام ووصي ابن وصي يؤتم به قبل ان يقوم ومع ذلک فانه لابد من ان يعلم امره ثقاته وثقات ابيه وان قلوا... فهذا سبيل الامامة والمنهاج الواضح اللاحب الذي لم تزل الشيعة الامامية الصحيحة التشيع عليه.

وقالت الفرقة الثالثة عشرة: مثل مقالة الفطحية الفقهاء منهم واهل الورع والعبادة مثل (عبد الله بن بکير بن اعين) ونظرائه فزعموا ان



[ صفحه 20]



(الحسن بن علي) توفي وانه کان الامام بعد ابيه وان (جعفر بن علي) الامام بعده... فهؤلاء (الفطحية الخلص) الذي يجيزون الامامة في اخوين اذا لم يکن للاکبر منهما خلف ولدا». [1] .

وقال الاشعري القمي في (المقالات والفرق):

(و لد الحسن بن علي في شهر ربيع الاخر سنة اثنتين وثلثين ومائتين، وتوفي بسر من رأي يوم الجعمعة لثمان ليال خلون من شهر ربيع الاخر سنة ستين ومائتين، ودفن في داره في البيت الذي دفن فيه ابوه، وهو ابن ثمان و عشرين سنة، وصلي عليه ابو عيسي بن المتوکل، وکانت امامته خمس سنين وثمانية اشهر وخمسة ايام، وتوفي ولم ير له خلف ولم يعرف له ولد ظاهر، فاقتسم ما ظهر من ميراثه اخوه جعفر وامه وهي ام ولد کان يقال لها عسفان ثم سماها ابوه (حديثا)، فافترق اصحابه من بعده خمس عشرة فرقة.

ففرقة منها وهي المعروفة بالامامية قالت: لله في ارضه بعد مضي الحسن بن علي حجة علي عباده وخليفة في بلاده، قائم بامره من ولد الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا، آمرٌ ناه مبلغ عن آبائه مودَع عن اسلافه ما استودعوه من علوم الله وکتبه واحکامه وفرائضه وسننه، عالم بما يحتاج اليه الخلق من امر دينهم ومصالح دنياهم خلف لابيه، ووصي له، قائم بالامر بعده، هاد للامة مهدي علي المنهاج الاول



[ صفحه 21]



والسنن الماضية من الائمة الجارية، فيمن مضي منهم القائمة فيمن بقي منهم، الي ان تقوم الساعة من وتيرة الاعقاب، ونظام الولادة، ولا ينتقل ولا يزول عن حالها، ولا يکون الامامة ولا يعود في اخوين بعد الحسن والحسين، ولا يجوز ذلک ولا يکون الا في عقب الحسن بن علي بن محمد الي فناء الخلق وانقطاع امر الله ونهيه ورفعه التکليف عن عباده، متصل ذلک ما اتصلت امور الله، ولو کان في الارض رجلان کان احدهما الحجة، ولو مات احدهما لکان الباقي منهما الحجة، ما اتصل امر الله ودام نهيه في عباده، وما کان تکليفه قائماً في خلقه.

و لا يجوز ان تکون الامامة في عقب من يموت في حياة ابيه، ولا في وصيّ له من اخ ولا غيره، اذا لم تثبت للميت في حياه ابيه في نفسه امامةولم يلزم العباد به حجة...

وذلک ان المأثور عن الائمة الصادقين مما لا دفع بين هذه العصابة من الشيعة الامامية، ولا شک فيه عندهم ولا ارتياب، ولم يزل اجماعهم عليه لصحة مخرج الاخبار المروية فيه وقوة اسبابها، وجودة اسانيدها وثقة ناقليها.

ان الامامة لا تعود في اخوين إلي قيام الساعة بعد حسن وحسين.

ولا يکون ذلک ولا يجوز ان تخلو الارض من حجة من عقب الامام الماضي قبله ولو خلت ساعة لساخت الارض ومن عليها.

فنحن متمسکون بامامة الحسن بن علي، مقرون بوفاته موقنون مؤمنون بأن له خلفا من صلبه، متدينون بذلک، وانه الامام من بعد ابيه الحسن بن علي، وانه في هذه الحالة مستتر خائف مغمور مأمور بذلک،



[ صفحه 22]



حتي يأذن الله عز وجل له فيظهر ويعلن امره، کظهور من مضي قبله من آبائه اذ الامر لله تبارک وتعالي يفعل ما يشاء ويأمر بما يريد من ظهور وخفاء ونطق وصموت... هذا مع القول المشهور من امير المؤمنين (ان الله لا يخلي الارض من حجة له علي خلقه ظاهراً معروفا او خافيا مغموراً لکي لا يبطل حجته وبيناته).

وبذلک جاءت الاخبار الصحيحة المشهورة عن الائمة (عليهم السلام)، وليس علي العباد ان يبحثوا عن امور الله ويقفوا اثر مالا علم لهم به ويطلبوا اظهار ما ستره الله عليهم وغيبه عنهم... ولا البحث عن اسمه وموضعه، ولا السؤال عن امره ومکانه حتي يؤمروا بذلک اذ هو (عليه السلام) غائب خائف مغمور مستور بستر الله... بل البحث عن امره وطلب مکانه والسؤال عن حاله وامره محرم لا يحل ولا يسع لان في طلب ذلک واظهار ما ستره الله عنا و کشفه واعلان امره والتنويه باسمه معصية لله، والعون علي سفک دمه (عليه السلام) ودماء شيعته وانتهاک حرمته، اعاذ الله من ذلک کل مؤمن ومؤمنة برحمته وفي ستر امره والسکوت عن ذکره... ولا يجوز لنا ولا لا حد من الخلق ان يختار اماماً برأيه... وانما اختيار الحجج والائمة الي الله عز وجل واقامتهم اليه فهو يقيمهم ويختارهم ويخفيهم واذا شاء اقامتهم فيظهرهم ويعلن امرهم اذا اراد، ويستره اذا شاء فلا يبديه، لانه تبارک وتعالي اعلم بتدبيره في خلقه واعرف بمصلحتهم والامام اعلم بامور نفسه وزمانه وحوادث امور الله منا، وقد قال ابو عبد الله جعفر بن محمد وهو ظاهر الامر معروف المکان مشهور الولادة والذکر لاينکر نسبه شائع اسمه وذکره امره في الخاص والعام من



[ صفحه 23]



سماني باسمي فعليه لعنة الله، وقد کان الرجل من اوليائه وشيعته يلقاه في الطريق فيحيد عنه ولا يسلم عليه تقية، فإذا لقيه ابو عبد الله شکره علي فعله وصوب له ما کان منه، وحمده عليه وذم من تعرف اليه وسلم عليه، واقدم عليه بالمکروه من الکلام... هذا کله لشدة التستر من الاعداء ولوجوب فرض استعمال التقية فکيف يجوز في زماننا هذا ترک استعمال ذلک مع شدة الطلب وضيق الامر وجور السلطان عليهم، وقلة رعايته لحقوق امثالهم ومع ما لقي في الماضي ابو الحسن من المتوکل وشدته عليه وما حل بابي محمد وهذه ا لعصابة من صالح بن وصيف لعنه الله وحبسه اياه، وامره بقتله وحبسه له ولاهل بيته، وطلب الشيعة وما نالهم منه من الاذي والتعنت، تسمية من لم يظهر له خبر ولم يعرف له اسم مشهور وخفيت ولادته.

وقد رويت الاخبار الکثيرة الصحيحة (ان القائم تخفي علي الناس ولادته) و (يخمل ذکره) و (لا يعرف اسمه) و (لا يعلم مکانه) (حتي يظهر) ويؤتم به قبل قيامه. ولا بد مع هذا الذي ذکرناه ووصفنا استتاره وخفاء من ان يعلم امره وثقاته وثقاة ابيه وان قلوا... فهذه سبيل الامامة وهذا المنهاج الواضح، والغرض الواجب اللازم الذي لم يزل عليه الاجماع من الشيعة الامامية المهتدية رحمة الله عليها، وعلي ذلک کان اجماعنا الي يوم مضي الحسن بن علي رضوان الله عليه.

وقالت الفرقة الثانية: ان الحسن بن علي حي لم يمت، وانما غاب وهو القائم. ولا يجوز ان يموت الامام ولا ولد له، ولا خلف معروفظاهروالارض لا تخلو من امام ولا حجة لله، ولا يلزم الخلق الا امامة



[ صفحه 24]



من ثبتت له الوصية والحسن بن علي فقد ثبتت وصيته بالامامة واشار ابوه اليه بالامامة ولا يحوز ان تخلو الارض ساعة من حجة وامام علي الخلق فهذه غيبة له وسيظهر حتي يعرف ظهوره ثم يغيبه غيبة اخري وهو القائم.

وقالت الفرقة الثالثة: ان الحسن بن علي مات وحي بعد موته و هو القائم...

وقالت الفرقة الرابعة: ان الحسن بن علي قد صحت وفاته کما صحت وفاة آبائه بتواطؤ الاخبار التي لا يجوز تکذيب مثلها، وکثرة المشاهدين لموته وتواتر ذلک عن الموالي له والعدو، وهذا ما لا يجب الارتياب فيه، وصح بمثل هذه الاسباب انه لاخلف له، فلما صح عندنا الوجهان ثبت انه لا امام بعد الحسن بن علي، وان الامامة انقطعت وذلک جائز في المعقول والقياس والتعارف، کما جاز ان تنقطع النبوة بعد محمد (صلي الله عليه وآله)... و هذه الفرقة لا توجب قيام القائم ولا خروج مهدي، وتذهب في ذلک الي بعض معاني البداء.

وقالت الفرقة الخامسة: ان الحسن بن علي قد مات وصح موته وانقطعت الامامة الي وقت يبعث الله فيه قائما من آل محمد ممن قد مضي، ان شاء بعث الحسن بن علي وان شاء بعث غيره من آبائه.

وقال الفرقة السادسة ان الحسن وجعفرا لم يکونا امامين فان الامام کان محمد الميت في حياة ابيه، وان اباهما لم يوص الي واحد منهما ولا اشار اليه بامامة، وانما ادعيا ما لم يکن لهما بحق،... وادعوا ان لمحمد بن علي خلفا ذکراً. وقال بعضهم انه حي لم يمت وان اباه غيبه وستره



[ صفحه 25]



خوفا عليه.

وقالت الفرقة السابعة: ان الحسن بن علي توفي ولا عقب له والامام بعده جعفر بن علي اخوه واليه اوصي الحسن ومنه قبل جعفر الوصية وعنه صارت اليه الامامة، وذهبوا في ذلک الي بعض مذاهب الفطحية في عبد الله وموسي ابني جعفر...

وقالت الفرقة الثامنة: ان الامام جعفر بن علي وان امامته افضت اليه من قبل ابيه علي بن محمد وان القول بامامة الحسن کان غلطاً وخطأ...

وقالت الفرقة التاسعة: بمثل مقال الفطحية الفقهاء منهم واهل النظر، ان الحسن بن علي توفي وهو امام بوصية ابيه اليه،... فالامام بعد الحسن بن علي جعفر اخوه لا يجوز غيره، اذ لا ولد للحسن معروف...

وقالت الفرقة العاشرة: ان الامام کان محمد بن علي باشارة ابيه اليه ونصبه له اماما ونصه علي اسمه وعينه... ثم بدا لله في قبضه اليه في حياة ابيه فاوصي محمد الي جعفر اخيه بأمر ابيه ووصاه ودفع الوصية والعلوم والسلاح الي غلام له يقال له نفيس کان في خدمة ابي الحسن، وکان عنده ثقة امينا ودفع اليه الکتب والوصية، وامره اذا حدث به حدثالموت، ان يکون ذلک عنده حتي يحدث علي ابيه ابي الحسن حدث الموت، فيدفع ذلک کله حينئذ الي اخيه جعفر.

وقالت الفرقة الحادية عشرة: ان الحسن بن علي قد توفي وهو امام وخلف ابنا بالغا يقال له محمد، وهو الامام من بعده وان الحسن بن



[ صفحه 26]



علي اشار اليه، ودل عليه وامره بالاستتار في حياته مخافة عليه، فهو مستتر خائف في تقية من عمه جعفر...

وقالت الفرقة الثانية عشرة: بمثل هذه المقالة في امامة الحسن بن علي وان له خلفاً ذکرا يقال له علي، وکذبوا القائلين بمحمد، وزعموا انه لا ولد للحسن غير علي، انه قد عرفه خاصة ابيه وشاهدوه، وهي فرقة قليلة بناحية سواد الکوفة.

وقالت الفرقة الثالثة عشرة: ان للحسن بن علي ولد ولد بعده بثمانية اشهر وانه مستتر لا يعرف اسمه ولا مکانه...

وقالت الفرقة الرابعة عشرة: لا ولد للحسن بن علي اصلا لانا تبحرنا ذلک بکل وجه وفتشنا عنه سرا وعلانية، وبحثنا عن خبره في حياة الحسن بکل سبب فلم نجده... ولکن هاهنا حبل قائم مشهور قد صح في سرية له وقد وقف علي ذلک السلطان والعامة، وصح عندهم ذلک وسيلد ذکرا اماما، واحتجوا بالخبر الذي روي عن جعفر ان القائم يخفي علي الناس حمله وولادته.

وقالت الفرقة الخامسة عشرة: نحن لا ندري ما نقول في ذلک وقد اشتبه علينا الامر فلسنا نعلم ان للحسن بن علي ولد ام لا، ام أن الامامة صحت لجعفر ام لمحمد، وقد کثر الاختلاف. الا انا نقول ان الحسن بن علي کان اماما مفترض الطاعة ثابت الامامة، وقد توفي (عليه السلام) وصحتوفاته، والارض لا تخلو من حجة فنحن نتوقف ولا نقدم علي القول بامامة احد بعده، اذ لم يصح عندنا ان له خلفاً وخفي علينا امره، حتي يصح لنا الامر ويتبين، ونتمسک بالاول کما امرنا، انه اذا هلک الامام ولم



[ صفحه 27]



يعرف الذي بعده فتمسکوا بالاول حتي يتبين لکم الاخر). [2] .

أقول ويتضح من القراءة السريعة:

ان النصين يتفقان علي مسألة تفرق أصحاب الحسن العسکري الي اربع عشرة فرقة وعدم ذکر حجم کل فرقة منها الامر الذي يجعل القارئ محقا أن يفترض ان هذه الفرق متکافئة عدديا، وبالتالي يحکم ببساطة ان نسبة الفرقة الامامية هي نسبة واحد من اربعة عشر. [3] .

وتزداد أهمية وخطورة النتيجة حين نعلم ان النوبختي والاشعري القمي هما من علماء الشيعة المعاصرين لفترة الغيبة الصغري فالاشعري القمي توفي سنة 301 هجرية والنوبختي توفي في حدود سنة 320 هجرية. والمسألة بهذه الحدود قد يکون القارئ البسيط فيها معذوراً، غير إنه إذا کان قارئا مثقفا له رأي فيما يقرأ أو کان باحثا يريد لبحثه ان يکتسب صفة العلمية والموضوعية أو کان مجددا يريد ان يواجه الملايين ليخطئها في ما لديها ويقدم لها معلومات جديدة ينبغي له القيام بعدة أمور قبل التصديق بالتصور الانف الذکر وهي:

1. عليه ان يفسر ظاهرة التشابه بين الکتابين وهل هما کتابان حقا ام هما کتاب واحد بعضهما اصل والاخر مهذب بشکل طفيف؟.

2. ان يقوم بتوثيق النسختين فهل المطبوع هو نسخة المؤلف او



[ صفحه 28]



نسخة عنها او نسخة متأخرة جدا لا يعرف الاصل الذي استنسخت عنه؟

3. أن يقوم بتوثيق النص فيقارن بين النسخة التي بين يديه والمنقول عن الاصل في کتب أخري في فترات أقدم من النسخة الخطية.

4. ان يبحث عن مصادر أخري في الموضوع نفسه فقد يجد ما يؤيد أو ما يعارض وعليه ان يعالج التعارض أو يرجح مصدرا علي آخر بمرجحات مقبولة علميا.

ومن المؤسف ان الاستاذ الکاتب لم يقم بواحدة من تلک الامور في هذا المورد الخطير وبقي في إطار نسختي النوبختي والاشعري ليقرر الحقيقة فيقول: (ان الفرقة الامامية هي شرذمة قليلة من بين اربع عشرة فرقة) ثم يتدرج في الحکم الي ما نقلناه عنه آنفا.

لقد نبهناه في الحلقة الاولي يوم کتبنا ردا علي ما نشره في نشرة الشوري الي قيام الباحثين ببحوث حول نسختي الاشعري والنوبختي وکونهما کتابا واحدا لمؤلف واحد هو النوبختي او الاشعري القمي. ومع ذلک لم يستفد من التنبيه ولم يتعرض لابحاث الباحثين سلباً أو إيحاباً وطبع کتابه وضمَّنه ما نشره في نشرته الشوري مکثراً من الاستشهاد في کتابه بعبارات فرق الشيعة للنوبختي والمقالات والفرق للاشعري القمي إذ جاء فيه مايقرب من (76) إحالة الي هذين المصدرين من أصل (627) إحالة الي مصادر أخري في القسم الاول والثاني من کتابه.



[ صفحه 29]



ما نقله الشيخ المفيد عن کتاب فرق الشيعة:

مضافا الي ذلک لم يقارن بين ما نقله الشيخ المفيد عن النوبختي في کتابه الفصول المختارة من انقسام اصحاب الحسن العسکري(عليه السلام) الي اربع عشرة فرقة والنص عند الشيخ المفيد کما يلي:

قال الشيخ المفيد ت413 في کتابه الفصول المختارة (ولما توفي أبو محمد الحسن بن علي بن محمد (عليه السلام) إفترق أصحابه بعده علي ما حکاه أبو محمد الحسن بن موسي النوبختي بأربع عشرة فرقة، فقال الجمهور منهم بإمامة القائم المنتظر (عليه السلام) وأثبتوا ولادته وصححوا النص عليه وقالوا هو سمي رسول الله (صلي الله عليه وآله) ومهدي الانام). [4] .

ويتضح من هذا النص ان نسخة النوبختي المطبوعة قد أصابها التحريف حين لم يذکر فيها عبارة (الجمهور منهم). [5] .



[ صفحه 30]



ما ذکره الشيخ ابو سهل النوبختي:

أقول: ويؤکد وقوع هذا التحريف في النسخة المطبوعة لکتاب فرق الشيعة للنوبختي ما ذکره الشيخ ابو سهل اسماعيل بن علي النوبختي [6] وهو خال الحسن بن علي النوبختي صاحب فرق الشيعة.

قال أبو سهل في کتابه (التنبيه في الامامة): ان الحسن(عليه السلام) خلف جماعة من ثقاته ممن يروي عنه الحلال والحرام ويؤدي کتب شيعته واموالهم ويخرجون الجوابات وکانوا بموضع من الستر والعدالة بتعديله اياهم في حياته، فلما مضي اجمعوا جميعاً علي انه قد خلَّف ولدا هو الامام وامروا الناس ان لا يسألوا عن اسمه وان يستروا ذلک من اعدائه، و طلبه السلطان اشد طلب ووکل بالدور والحبالي من جواري الحسن (عليه السلام). [7] .

أقول: ومن البعيد جداً ان يکون ابن الاخت وهو معني بالامر غير مطلع علي کتا ب خاله في الموضوع نفسه وهو شيخ متکلمي الشيعة في بغداد في وقته وإذا اطلع عليه وکان مخالفا له فمن البعيد ان لا يذکر رأيه.



[ صفحه 31]



ما ذکره الشيخ الصدوق:

وقد اشار الي هذه الحقيقة ايضا الشيخ الصدوق في کتابه اکمال الدين ص 45، قال: کل من سألنا من المخالفين عن القائم (عليه السلام)، لم يخل من ان يکون قائلاً بامامة الائمة الاحد عشر من آبائه (عليهم السلام) او غير قائل بامامتهم.

فان کان قائلا بامامتهم لزمه القول بامامة الامام الثاني عشر لنصوص آبائه الائمة (عليهم السلام) عليه باسمه ونسبه واجماع شيعتهم علي القول بامامته وانه القائم الذي يظهر بعد غيبة طويلة فيملا الارض قسطاً وعدلا کما ملئت جوراً وظلماً.

ما ذکره الذهبي:

مضافا الي ذلک فقد نص علي حقيقة: (ان المعتقدين بالمهدي بن الحسن العسکري هم جمهور أصحاب الامام الحسن العسکري وليس شرذمة) الذهبي في کتابه (سير اعلام النبلاء) وابن حزم الاندلسي في کتابه (الفصل) والاشعري السني في کتابه مقالات الاسلاميين.

قال الذهبي (ت748) في سير أعلام النبلاء ج 13: 119 - 122 نقل أبو محمد بن حزم أن الحسن (بن علي بن محمد) مات عن غير عقب. قال وثبت جمهور الرافضة علي أن للحسن ابنا أخفاه.



[ صفحه 32]



ما ذکره ابن حزم ت 548 هجرية:

وقال ابن حزم (484-548هجرية) في کتابه (الفصل في الملل) ج4: 77 (وقالت الروافض الامامة في علي وحده بالنص عليه ثم في الحسن ثم في الحسين وادعوا نصا آخر من النبي (صلي الله عليه وآله) عليهما بعد أبيهما ثم علي ابن الحسين لقول الله عز وجل (وأولوا الارحام بعضهم أولي ببعض في کتاب الله). قالوا فولد الحسين أحق من أخيه ثم محمد بن علي بن الحسين ثم جعفر بن علي ابن الحسين. وهذا مذهب جميع متکلميهم کهشام بن الحکم وهشام الجواليقي وداود الحواري وداود الرقي وعلي بن منصور وعلي بن هيثم وأبي علي السکاک تلميذ هشام بن الحکم ومحمد بن جعفر بن النعمان شيطان الطاق وأبي ملک الحضرمي وغيرهم.

ثم افترقت الرافضة بعد موت هؤلاء المذکورين وموت جعفر بن محمد فقالت طائفة بإمامة محمد بن إسماعيل بن جعفر. وقالت طائفة بإمامة ابنه محمد بن جعفر وهم قليلوقالت طائفة جعفر حي لم يمت. وقال جمهور الرافضة بإمامة ابنه موسي بن جعفر ثم علي ابن موسي ثم محمد بن علي بن موسي ثم علي بن محمد بن موسي ثم الحسن بن علي. ثم مات الحسن غير معقب فافترقوا فرقا وثبت جمهورهم علي أنه ولد للحسن بن علي ولد فأخفاه وقيل بل ولد له بعد موته من جارية له اسمها صقيل وهو الاشهر وقال بعضهم بل من جارية له اسمها نرجس وقال بعضهم من جارية له اسمها سوسن).



[ صفحه 33]



وقال في ج4: 138 (وقالت القطعية من الامامية الرافضة کلهم وهم جمهور الشيعة ومنهم المتکلمون والنظارون والعدد العظيم بان محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي ابن موسي بن جعفر بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب حي لم يمت ولا يموت حتي يخرج فيملاالارض عدلا کما ملئت جورا وهو عندهم المهدي المنتظر، وبقول طائفة منهم ان مولد هذا الذي لم يخلق قط في سنة ستين ومائتين سنة موت ابيه وقالت طائفة منهم بل بعد موت ابيه بمدة وقالت طائفة منهم بل في حياة ابيه... وکل هذا هوس ولم يعقب الحسن المذکور ذکراً ولا انثي فهذا اول نُوک [8] الشيعة ومفتاح عظيماتهم واخفها وان کانت مهلکة). [9] .

أقول: ذکر السيد هبة الدين الشهرستاني في مقدمة کتاب فرق الشيعة للنوبختي ان نسخة من فرق الشيعة للنوبختي کانت عند ابن حزم [10] وهو قرينة ثالثة علي ان النسخة المتداولة من کتاب فرق الشيعة



[ صفحه 34]



محرفة في هذا الموضع.

ما ذکر ه الاشعري السني في کتابه المؤلَّف سنة 297 هجرية:

أقول: وهناک من هو أقدم من ابن حزم ممن قرر حقيقة ان جمهور اصحاب الحسن العسکري کانوا يؤمنون بان الحسن العسکري له ولد هو الامام الثاني عشر وهو المهدي المنتظر، وهو مصدر مهم جدا لاينبغي لباحث أن يغفله وهو کتاب (مقالات الاسلاميين) لابي الحسن الاشعري السني (ت 324 هجرية) وقد انتهي من تأليفه سنة 297 هجرية (أي بعد خمس وثلاثين سنة من وفاة الحسن العسکري).

قال أبو الحسن الاشعري السني (فالفرقة الاولي منهم وهم القطعية وانما سموا قطعية لانهم قطعوا علي موت موسي بن جعفر بن محمد بن علي وهم جمهور الشيعة يزعمون ان النبي نص علي امامة علي بن أبي طالب واستخلفه بعده بعينه واسمه وان عليا نص علي امامة ابنه الحسن بن علي وان الحسن بن علي نص علي امامة اخيه الحسين بن علي وان الحسين بن علي نص علي امامة ابنه علي بن الحسين وان علي بن الحسين نص علي امامة ابنه محمد بن علي وان محمد بن علي نص علي امامة ابنه جعفر بن محمد وان جعفر بن محمد نص علي امامة ابنه موسي بن جعفر وان موسي بن جعفر نص علي امامة ابنه علي بن موسي وان علي بن موسي نص علي امامة ابنه محمد بن علي بن موسي وان محمد بن علي بن موسي نص علي امامة ابنه الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسي وهو الذي کان بسامرا وان الحسن بن



[ صفحه 35]



علي نص علي امامة ابنه محمد بن الحسن بن علي وهو الغائب المنتظر عندهم الذي يدعون انه يظهر فيملا الارض عدلا بعد ان ملئت ظلما وجورا).

ويتضح من ذلک کله في ضوء المصادر الشيعية والسنية القديمة: ان جمهور اصحاب الحسن العسکري وثُقاته وهم جمهور الشيعة آنذاک کانوا يقولون بالولد وکون ابيه الحسن 7 قد نص علي إمامته وانه المهدي الموعود طوال الغيبة الصغري (أي القرن الثالث الهجري والربع الاول من القرن الرابع الهجري).

القضية الثانية:

قضية الحيرة في بدء الغيبة الکبري

مما لا شک فيه ان قسما کبيرا من الشيعة عاشوا حيرة شاملة حين بلغهم خبرانقطاع النيابة الخاصة بعد وفاة النائب الرابع، حيث لا يوجد مرجع معين من الامام المهدي (عليه السلام) ينهض بأمورهم، مع کثرة الشبهات التي أثارها الزيدية والمعتزلة وغيرهم، وتصدي علماء الشيعة في تلک الفترة لرفع الحيرة التي نشأت بسبب ذلک وکتبوا کتبا خالدة منها: -

- کتاب (الغيبة) لمحمد بن ابراهيم النعماني (ألفه بين سنة 333 هجرية وسنة 342هجرية).

- و (الامامة والتبصرة من الحيرة) لعلي بن بابويه (ت 329)

- و (إکمال الدين و إ تمام النعمة في إثبات الغيبة وکشف الحيرة)



[ صفحه 36]



لمحمد بن علي بن بابويه (ت 386).

- و (الغيبة) للشيخ الطوسي (ت 460).

- وغيرها.

قال علي بن بابويه في الامامة والتبصرة ص 9: (رأيت کثيرا ممن صح عقده، وثبتت علي دين الله وطأته، وظهرت في الله خشيته، قد أحادته الغيبة، وطال عليه الامد حتي دخلته الوحشة،... فجمعت أخبارا تکشف الحيرة...)

وقال النعماني في کتاب الغيبة ص 20: (أما بعد فإنا رأينا طوائف من العصابة المنسوبة إلي التشيع المنتمية إلي نبيهامحمد وآله صلي الله عليهم - ممن يقول بالامامة التي جعلها الله برحمته دين الحق ولسان الصدق وزينا لمن دخل فيها ونجاة وجمالا لمن کان من أهلها وفاز بذمتها وتمسک بعقدتها ووفي لها بشروطها من المواظبة علي الصلوات وإيتاء الزکوات والمسابقة إلي الخيرات، واجتناب الفواحش والمنکرات، والتنزه عن سائر المحظورات، ومراقبة الله تقدس ذکره في الملا والخلوات، وتشغل القلوب وإتعاب الانفس والابدان في حيازة القربات - قد تفرقت کلمها، وتشعبت مذاهبها، واستهانت بفرائض الله عز وجل، وحنت إلي محارم الله تعالي، فطار بعضها علوا، وانخفض بعضهاتقصيرا، وشکوا جميعا إلا القليل في إمام زمانهم وولي أمرهم وحجة ربهم... للمحنة الواقعة بهذه الغيبة التي سبق من رسول الله (صلي الله عليه وآله) ذکرها، وتقدم من أمير المؤمنين (عليه السلام) خبرها، ونطق في المأثور من خطبه والمروي عنه من کلامه وحديثه بالتحذير من فتنتها، وحمل أهل العلم



[ صفحه 37]



والرواية عن الائمة من ولده: واحدا بعد واحد أخبارها حتي ما منهم أحد إلا وقد قدم القول فيها،... ووجدنا الرواية قد أتت عن الصادقين (عليهم السلام) بما أمروا به من وهب الله عزوجل له حظا من العلم وأوصله منه إلي ما لم يوصل إليه غيره من تبيين ما اشتبه علي إخوانهم في الدين، وإرشادهم في الحيرة إلي سواء السبيل، وإخراجهم عن منزلة الشک إلي نور اليقين. فقصدت القربة إلي الله عزوجل بذکر ما جاء عن الائمة الصادقين الطاهرين (عليهم السلام) من لدن أمير المؤمنين (عليه السلام) إلي آخر من روي عنه منهم في هذه الغيبة التي عمي عن حقيتها ونورها من أبعده الله عن العلم بها والهداية إلي ما اوتي عنهم (عليهم السلام) فيها ما يصحح لاهل الحق حقيقة ما رووه ودانوا به، وتؤکد حجتهم بوقوعها وبصدق ما آذنوا به منها.

وإذا تأمل من وهب الله تعالي له حسن الصورة وفتح مسامع قلبه، ومنحه جودة القريحة وأتحفه بالفهم وصحة الرواية بما جاء عن الهداة الطاهرين صلوات الله عليهم علي قديم الايام وحديثها من الروايات المتصلة فيها... عَلِمَ أن هذه الغيبة لو لم تکن ولم تحدث مع ذلک ومع ما روي علي مر الدهور فيها لکان مذهب الامامة باطلا [11] لکن الله تبارک وتعالي صدَّق إنذار الائمة (عليهم السلام) بها، وصحح قولهم فيها في عصر بعد عصر).

وقال محمد بن علي بن بابويه في کتابه (إکمال الدين و إ تمام



[ صفحه 38]



النعمة في إثبات الغيبة وکشف الحيرة) ص 2: إن الذي دعاني إلي تأليف کتابي هذا أني لما قضيت وطري من زيارة علي بن موسي الرضا صلوات الله عليه رجعت إلي نيسابور وأقمت بها، فوجدت أکثر المختلفين إليَّ من الشيعة قد حيرتهم الغيبة، ودخلت عليهم في أمر القائم (عليه السلام) الشبهة، وعدلوا عن طريق التسليم إلي الاراء والمقائيس، فجعلت أبذل مجهودي في إرشادهم إلي الحق وردهم إلي الصواب بالاخبار الواردة في ذلک عن النبي والائمة صلوات الله عليهم، حتي ورد إلينا من بخارا شيخ من أهل الفضل والعلم والنباهة ببلد قم، طال ما تمنيت لقاءه و اشتقت إلي مشاهدته لدينه وسديد رأيه واستقامة طريقته، وهو الشيخ نجم الدين أبوسعيد محمد بن الحسن بن محمد بن أحمد بن علي بن الصلت القمي... فبينا هو يحدثني ذات يوم إذ ذکر لي عن رجل قد لقيه ببخارا من کبار الفلاسفة والمنطقيين کلاما في القائم (عليه السلام) قد حيره وشککه في أمره لطول غيبته وانقطاع أخباره، فذکرت له فصولا في إثبات کونه (عليه السلام) ورويت له أخبارا في غيبته عن النبي و الائمة (عليهم السلام) سکنت إليها نفسه، وزال بها عن قلبه ما کان دخل عليه من الشک والارتياب والشبهة، وتلقي ما سمعه من الاثار الصحيحة بالسمع والطاعة والقبول والتسليم، وسألني أن أصنف (له) في هذا المعني کتابا،فأجبته إلي ملتمسه ووعدته جمع ما ابتغي إذا سهل الله لي العود إلي مستقري ووطني بالري.

فبينا أنا ذات ليلة أفکر فيما خلفت ورائي من أهل وولد وإخوان ونعمة إذ غلبني النوم فرأيت کأني بمکة أطوف حول بيت الله الحرام وأنا



[ صفحه 39]



في الشوط السابع عند الحجر الاسود أستلمه وأقبله، وأقول أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة فأري مولانا القائم صاحب الزمان - صلوات الله عليه - واقفا بباب الکعبة، فأدنو منه علي شغل قلب وتقسم فکر، فعلم (عليه السلام) ما في نفسي بتفرسه في وجهي، فسلمت عليه فرد علي السلام، ثم قال لي لم لا تصنف کتابا في الغيبة حتي تکفي ما قد همک؟ فقلت له يا ابن رسول الله قد صنفت في الغيبة أشياء، فقال (عليه السلام) ليس علي ذلک السبيل آمرک أن تصنف الان کتابا في الغيبة واذکر فيه غيبات الانبياء (عليهم السلام). ثم مضي صلوات الله عليه.

فانتبهت فزعا إلي الدعاء والبکاء والبث والشکوي إلي وقت طلوع الفجر، فلما أصبحت ابتدأت في تأليف هذا الکتاب ممتثلا لامر ولي الله وحجته، مستعينا بالله ومتوکلا عليه ومستغفرا من التقصير، وما توفيقي إلا بالله عليه توکلت وإليه أنيب).

أقول:

أن السر في هذه الحيرة هو انقضاء الجيل الذي شاهد الامام (عليه السلام) وتعامل معه حسيا ونشر أخباره بين الشيعة بشکل خاص، وکون الغيبة ظاهرة جديدة لم يسبق لها مثيل في المجتمع الاسلامي مع وجود شبهات وتساؤلات من الخصوم.

وقد وفق العلماء المذکورون ونظراؤهم رحمهم الله جميعا في الاجابة علي کل شبهة اثيرت حول الغيبة وما يرتبط بها حتي عادت الغيبة لدي الشيعة بمنزلة المشاهدة وصارت دليلا آخر علي صدق إمامة



[ صفحه 40]



أهل البيت (عليهم السلام) وآية من آياتهم کما أشار النعماني الي ذلک.

وفي ضوء ما بيناه يتضح:

ان قول الاستاذ الکاتب: اذا استثنينا شرذمة قليلة، ان اجماع الشيعة في القرن الثالث والقرن الرابع کان قائماً علي عدم الايمان بوجود (محمد بن الحسن العسکري) وقد ذکر ذلک عامة مؤرخي الشيعة کالنوبختي والاشعري والکليني والنعماني والصدوق والمفيد والطوسي، الذي اطلقوا علي ذلک العصر اسم (عصر الحيرة). (234-235)

لم يکن قد تحرّي فيه الامانة والدقة العلمية، ولا استوعب المصادرالاساسية في مثل هذه القضية الخطيرة.



[ صفحه 41]




پاورقي

[1] فرق الشيعة للنوبختي ص 108-112.

[2] المقالات والفرق للاشعري القمي: 101-115.

[3] ومع ان الحق لا يقاس بالکثرة العددية الا إن الکثرة هنا لها حساب خاص علينا ان نوليه أهمية ونتحقق منه.

[4] ثم ذکرالشيخ المفيد تلک الفرق وما نسب اليهامن قول وناقشه ثم عقب عليه بقوله: (وليس من هؤلاء الفرق التي ذکرناها فرقة موجودة في زماننا هذه وهو سنة ثلاث وسبعبن وثلاثمائة الا الامامية الاثنا عشرية القائلة بإمامة ابن الحسن المسمي باسم رسول الله (صلي الله عليه وآله) القاطعة علي حياته وبقائه الي وقت قيامه بالسيف حسبما شرحناه فما تقدم عنهم وهم أکثر فرق الشيعة عددا وعلماء ومتکلمون ونظار وصالحون وعباد ومتفقهة وأصحاب حديث وأدباء وشعراء، وهم وجه الامامية ورؤساء جماعتهم والمعتمد عليهم في الديانة ومن سواهم منقرضون ولا يعلم أحد من جملة الاربع عشرة فرقة التي قدمنا ذکرها ظاهرا بمقالة ولا موجودا علي هذا الوصف من ديانته وإنما الحاصل منهم حکاية عمن سلف وأراجيف بوجود قوم منهم لا تثبت).

[5] نبهنا الي وقوع التحريف في نسخة فرق الشيعة بالمقارنة بين نصها ونص الشيخ المفيد عن النوبختي أخونا الحجة الشيخ عبد الله الدشتي جزاه الله خير الجزاء.

[6] کان وجها من وجوه علماء الشيعة سنة305 وحضر وفاة السفيرالثاني ووصيته الي الحسين بن روح، وکان يترقب قسم من الشيعة ان يکون هو النائب بعد وفاة السفير الثاني لوجاهته وشدة اتصاله واختصاصه به وستأتي جملة أخري من ترجمته.

[7] أنظر إکمال الدين للشيخ الصدوق ص 93.

[8] النُّوک بالضم الحُمق، والانْوک: الاحمق.

[9] اقول: لئن لم يثق ابن حزم ونظراؤه بنقل جمهور الشيعة ان امامهم الحسن العسکري قد ولد له ولد نص عليه بالامامة. فقد وثق بقولهم آخرون من علماء السنة وأثبتوا أن للحسن العسکري خَلَف سماه محمدا ولقبه المهدي ومن هؤلاء: سبط بن الجوزي الحنبلي ت645 في کتابه تذکرة الخواص / 363، ومحمد بن طلحة الشافعي ت 652 في مطالب السؤول 2: 79 وابن الصباغ المالکي في الفصول المهمة / 287 وابن طولون ت953 في کتابه الائمة الاثني عشر وغيرهم وقد عد المرجع المعاصر الشيخ الصافي في کتابه منتخب الاثر خمسا وستين عالما من علماء السنة ممن ذکر ذلک (انظر هامش ص 322فما بعدها).

[10] فرق الشيعة للنوبختي، مقدمة السيد هبة الدين الشهرستاني / زي.

[11] مراده ان خبر الغيبة متواتر عن الائمة (عليهم السلام) فإذا لم تقع فإن معني ذلک تخلف الاخبار عن الواقع وبالتالي يؤدي الي هدم التصديق المطلق بالاخبار الثابتة عن الائمة (عليهم السلام).