ارهاصات الفجر
«1»
هلال شوال ما يزال مبتسماً فقد اشرق زمن الحرّية، وانتهي الي أمد ليل الطاغية الطويل..
الخليفة الجديد يتخذ قرارات تنم عن ارادة في أن يسود الخير والسلام ربوع البلاد..
ولکن لعنة غامضة ما تزال تطارد الشاب الذي أقدم علي اغتيال والده في تلک الليلة الخريفية من سنة 861م.
عمّت الفرحة انحاء البلاد وکان أکثر الناس فرحاً العلويون الذين ابتهجوا بالسياسة الجديدة..
فقد الغيت الاجراءات التعسفية کما اطلقت جميع أموالهم المجمّدة وافرج عن السجناء الذين اعتقلوا لتهم واهية، أو بسبب زيارة مرقدي الامام علي في النجف ونجله سبط النبي صلي الله عليه و آله و سلم الامام الحسين في کربلاء.
وخلال فترة وجيزة تم بناء مرقد الامام الحسين الذي ظل طوال عقد من السنين ارضاً زراعية وتکربها وتجوسها ثيران الحراثة کل عام.
[ صفحه 14]
احدث سقوط الطاغية دوّياً کبيراً هزّ المجتمع الاسلامي وکانت سامراء التي هي مرکز الزلزال في طليعة المدن التي هزّها الحادث.
علي أن الدفء الذي غمر الارض بعد شتاء قارس لم يدم طويلاً فلقد اسفر المشهد الجديد عن وجود قوي تريد کسب المزيد من الثراء والنفوذ والسلطان.
فقد وجد «محمد المنتصر» نفسه محاصراً في قصره بسامراء..
کل ما استطاع فعله حتي الا´ن أنه أمر باخلاء العاصمة الجديدة «المتوکلية» بل وهدم جميع منشآتها ونقل مواد البناء الي سامراء فالمتوکلية مشروع فاشل ولد ميتا لان مشروع النهر الذي يعدّ شريان حياتها کان فاشلاً فتحققت نبوءة الرجل المبارک «علي بن محمد».
نحن، الا´ن في نهايات عام 247ه مطلع العام الميلادي الجديد 862 م.. وزعماء الحرکة الانقلابية من ضباط الحرس والجيش الاتراک قد بلغوا ذروة نفوذهم ويريدون الا´ن تحقيق اکبر ما يمکن من التسلّط «وصيف» «بغا الشرابي» «أوتامش» و «باغر»، وقد ظهرت شخصية انتهازية ظهور النباتات المتسلقة تلک هي شخصية رئيس الوزراء الجديد «احمد بن الخصيب»، وقد بدا واضحاً أنه قد کسب ثقة الاتراک.
[ صفحه 15]
المشهد الا´ن داخل القصر.. خليفة شاب في الخامسة والعشرين من العمر، يمتاز برجاحة عقل وحسن تدبير انه يفکّر بانقاذ الخلافة من براثن النفوذ الترکي المتسلّط.. واستعادة المجد العباسي..
أربعة ضباط اتراک يضمر کل منهم للا´خر الکيد ويحاول افتراس صاحبه قبل أن يفترسه، فيما ظهر ابن الخصيب حرباء تتلّون حسب الظروف وأفعي تنفث سمّها وحقدها في کل اتجاه.
أما بغا الکبير فقد کان يخطو خطواته الاخيرة نحو القبر بعد أن ذرّف علي التسعين.. لقد اکتفي بمساندة الاتراک وتأييد الحرکة الانقلابية فقط.. ما دام ابنه بغا الصغير المعروف بالشرابي أحد قادتها ومنفذيها.
شعر المنتصر أنه ارتکب خطأ فادحاً بتعيينه أحمد بن الخصيب رئيساً للوزراء، خاصّة بعد أن تناهت اليه حادثة مؤلمة [1] أثارت استياء الناس.
کان المنتصر قد کسب شعبية ومحبوبية بين الناس بسبب سياسته المعتدلة وتخفيفه من محنة العلويين ولکن ثمة أشياء کانت تلقي ظلالها علي وجه المنتصر أنه في کل الاحوال قاتل أبيه، وقاتل الاب لکن يکون طيباً في نظر الناس مهما تفاني في طيبته! ان سياسة رئيس الوزراء ونفوذ الزعامات الترکية قد اصبح واقعاً مريراً يحسّ بوطأته الشعب، وکان المنتصر يدرک ذلک جيداً،
[ صفحه 16]
ولذا اجتاحته مشاعر الندم المريرة منذ بدء العام الهجري الجديد الذي أطلّ مع ربيع سنة 862ه.
واضحي قصر «المحدث» بؤرة للمؤامرات والدسائس من جديد، وما أثار مخاوف الاتراک ان المنتصر قد اصبح کئيباً يعاني من موجات حزن تنتابه بين فترة وأخري.
کان قمر محرّم الحرام بدراً بهياً، ولم تفلح نسائم آذار المنعشة في أن تدخل البهجة علي النفس المعذّبة... «المنتصر» يعيش احزانه وحيداً تحاصره مشاعر الندم.. ما الذي فعله؟!.. ان کل شيء کان يحلم في تحقيقه يتحطّم علي صخرة التعسف الترکي البغيض.. هؤلاء القتلة الذين مزّقوا أبي إرباً ارباً فعلوا ذلک لکي تصبح الخلافة العوبة بايديهم..ها أنا اصبح دمية في أيديهم.. واجتاحته موجة من الغضب فغمغم ولکن باصرار:
ـ سوف أمزّقهم جميعاً.. فتلني الله ان لم اقتلهم وافرّق جمعهم! [2] .
لکنه يشعر باليأس.. اليأس من الاصلاح وکيف يمکنه مقاومة العاصفة المجنونة..
ان هؤلاء الاجلاف قد استعذبوا التسلّط.. سيوفهم في أيديهم.. والخناجر؛ واسهل ما عندهم ذبح الانسان من الوريد الي الوريد.. الذين يعرفون «المنتصر» يعرفون مأساة الذي اکتشف أنه لم يحصد سوي الريح..
[ صفحه 17]
في المساء امتطي المنتصر حصانه والهبه بالسياط فانطلق به نحو الافق البعيد لکأنه يريد الهرب لا يدري الي أين؟! وعندما عاد الي القصر کان يتصبب عرقاً [3] فألقي بنفسه في إيوان کانت تهب خلاله نسائم باردة.
القصر يکاد يکون مهجوراً ذلک المساء.. ولم يکن أحد يستطيع الاقتراب من المنتصر هيبة له.. انه يفضل أن يکون وحيداً مع احزانه وعذاباته..
لم يغف المنتصر طويلاً حتي هبّ من نومه مرعوباً.. يبکي.. تطارده اشباح مخيفة..
ونهض من مکانه يدور في أروقة القصر لکأنه يبحث عن شيء وعندما وقعت عيناه علي أحد موظفي القصر قال له بحزن:
ـ اين ذلک البساط؟ [4] .
وأدرک أيوب قصد الخليفة:
ـ عليه آثار دماء فاحشة.. وقد عزمت أن لا أفرشه من ليلة الحادثة.
قال المنتصر:
ـ لم لا تغسله وتطويه؟
ـ اخشي أن يشيع الخبر عندما نفرشه؟
قال المنتصر بمراراة:
ـ وهل تظن ان الحادثة بقيت سرّاً.. ان الامر اشهر من ذلک..
[ صفحه 18]
«2»
تنفس العلويون الصعداء.. في الحجاز.. والعراق.. ولاول مرّة ومنذ اکثر من ربع قرن زالت عنهم هواجس الخوف والتشرّد، وذاقوا حلاوة الامن والحرّية.. وفي هذه الفترة الوجيزة تحسنت اوضاعهم المعيشية، وشدّ بعضهم الرحال الي العاصمة سامراء.. خاصّة بعد إعادة «فدک» تلک الارض الزراعية الخصيبة وکانت «حکيمة» شقيقة الامام علي الهادي في طليعة الوافدين وقد جإت مصطحبة معها ابن الامام الاکبر محمد الذي يکني بأبي جعفر وله من العمر ثمانية عشر عاماً.
وتمکنت السيدة حکيمة من شراء بيت قريب من بيت شقيقها الحبيب.. وبدا للکثير منهم أن الزمن يبتسم لابناء علي بعد عبوس طويل.. ولکن الي حين.
فلقد بدا واضحاً أن القادة الاتراک يمسکون بقبضات فولاذية علي مقاليد الحکم، وسکنت حمّي النفوذ وشهوة الحکم نفوسهم.
فقد تستحيل همسة في البلاط الي هاجس مخيف، وکان المنتصر يدرک سوء الاوضاع فاقدم علي خطوة جريئة، عندما
[ صفحه 19]
وصلته انباء مؤکدة عن تحرکات عسکرية بقيادة الامبراطور تيفوئيل تستهدف اجتياح مدن مصر الساحلية..
ولذا استدعي وصيف قائلاً له:
ـ ان طاغية الروم يهدد حدودنا بغزو وشيک.. وليس هناک من يستطيع صدّه إلاّ أنا أو أنت فما رأيک.. فامّا أن تتوجه أنت أو أنا!!
قال وصيف:
ـ بل أنا!
وهکذا بدأت الاستعداد علي قدم وساق في تجهيز حملة عسکرية لصد الغزو الرومي القادم.
وقد ورد في وثيقة الحملة إجراء اثار هواجس «وصيف» وهو ضرورة مرابطة وصيف في الجبهة الشمالية مدّة أربع سنين وستکون عودته بتصريح من الخليفة نفسه. [5] .
وقد لقيت هذه الخطوة ترحيباً من قبل ابن الخصيب بسبب عداء شخصي مع وصيف. [6] .
ولکن حالة المنتصر النفسية فيما يبدو کانت تتدهور نحو الاسوأ.. واستحالت لياليه الي کوابيس.
وکان دائم النظر الي السجّادة التي شهدت مصرع أبيه يتأمل في بقع الدماء التي لم تفلح المياه في ازالتها تماماً..
وما ضاعف فجيعته صور ونقوش بالفارسية أثارت اهتمامه وفي إحدي دوائر السجّادة الفارسية فارس متوّج تحيطه کتابة
[ صفحه 20]
فارسية فسأل عن معناها..
قطب المترجم حاجبيه واعتصم بالصمت.. ولکن المنتصر اصرّ علي ترجمتها فقال المترجم:
ـ الکتابة تقول: أنا شيرويه بن کسري بن هرمز.. قتلت أبي فلم اتمتع بالملک إلاّ ستة اشهر.
واجتاحت المنتصر موجة من الحزن المرير، فجلس عند الصورة فيما غادر الجميع المکان..
أثارت هذه التصرّفات هواجس الاتراک، فقد بنتقم المنتصر لابيه وکان ابن الخصيب يزيد من مخاوفهم من وجود «المعتز» و «المؤيد» فهناک ميثاق رسمي يقضي بانتقال الخلافة الي المعتز في حالة موت المنتصر!
وفي مطلع صفر عاد وصيف الي سامراء بذريعة واهية وبدأ التخطيط لدفع المنتصر الي خلع المعتز والمؤيد من ولاية العهد.
في البداية قاوم المنتصر هذه الضغوط ولکنه شعر أن رفضه لذلک سيؤدي الي تفکير الاتراک باغتيال أخويه سيما وأن الظروف السياسية السائدة مواتية.
القي القبض علي الاميرين «المعتز» و «المؤيد» ليلاً ونقلا الي حجرة في القصر..
تساءل المعتز بعدما أغلقت عليهما الباب:
[ صفحه 21]
ـ لم تراه أحضرنا؟!
قال المؤيد الذي أدرک ما يجري:
ـ يا شقي للخلع.
ـ لا أظنه يفعل ذلک!
ـ يا شقي هو نعم.. ولکن هؤلاء الاتراک!
في الاثناء فتحت الباب ليدخل مبعوث رسمي من قبل البلاط ومعه کاتب لضبط وتدوين ميثاق التنازل عن ولاية العهد.
بادر المؤيد للموافقة فوراً:
ـ السمع والطاعة.
ولکن المعتز قال:
ـ لن أفعل ذلک!
لکزه المؤيد قائلاً:
ـ انه القتل اذا لم تفعل!
قال المعتز مخاطباً:
ـ ابلغه بذلک.
اشار المبعوث الرسمي الي جلاوزته، فانقضوا علي المعتز وجرّه ليوضع في حجرة أخري..
سمع المؤيد بکاءً ـ يأتي من الحجرة التي أودع فيها أخوه فصاح بالشرطة:
ـ ماذا تفعلون يا کلاب؟! دعوني اکلّمه.
[ صفحه 22]
وجاءت الموافقة علي اللقاء، فدخل المؤيد علي أخيه وربت علي کتفه فکفّ عن البکاء.. قال المؤيد:
ـ يا جاهل لماذا تقتل نفسک.. اتظنّهم لا يفعلون ذلک وقد قتلوا اباک وهو هو...
ـ وماذا تريدني أفعل؟! اخلع نفسي وقد انتشر ذلک في الا´فاق؟!
ـ الخلع أفضل من القتل.
سکت لحظات ثم استطرد قائلاً:
ـ اذا کان الله قد کتب لک أن تکون خليفة فستکون نصيبک.
استسلم المعتز.
تم ضبط محضر في تنازل الاميرين اللذين أمرا بتسليم وثيقة التنازل الي الخليفة في حضور القادة الاتراک.
قال المؤيد:
ـ نجدّد ثيابنا؟
قال الموظف المسؤول:
ـ ولم لا.. ولکن هنا.. سوف نحضر ما تطلبان من ثياب!
تم اللقاء في جوّ متوتراً نسبياً، سلّم الاميران علي الخليفةالذي رحب بأخويه..
تساءل المنتصر:
ـ هذا کتابکما؟!
[ صفحه 23]
سکت المعتز فقال المؤيد مستدرکاً الوضع:
ـ نعم يا أميرالمؤمنين.
والتفت الي أخيه قائلاً:
تکلّم:
غمغم المعتز:
ـ نعم يا أمير المؤمنين.. کتابي وتوقيعي:
قال المنتصر بشجاعة:
ـ اتظنان انني خلعتکما طمعاً في أعيش حتي يکبر ولدي؟!
لا والله.. ولکن هؤلاء..
وأشار الي الاتراک مستأنفاً:
ـ الحّو عليّ في خلعکما.. فخفت أن لم أفعل أن يعترضکما بعضهم بحديدة فيأتي عليکما..
وأدرک الاخوان أن المنتصر لا يعرف الخداع ولذا بادرا الي تقبيل يديه لکنه ضمّهما الي صدره بحبّ.
وقام رئيس الوزراء الذي کان يبتسم بارتياح بتحرير [7] وثيقة التنازل لتعميمها علي جميع ولايات الدولة الاسلامية المترامية الاطراف.
[ صفحه 24]
«3»
سيطرت حمّي الهواجس علي القصر حيث يقيم الخليفة الذي مضت علي حکمه خمسة أشهر، وما زالت روحه المعذّبة مثقلة بمشاعر الاثم.. وبدأت لقاءات الاتراک تتخذ طابع التوجس من اجراءات الخليفة الذي قد ينقض عليهم في لحظة ما..
ومن يري القائدين «وصيف» و «بغا الشرابي» لابدّ وأن يدرک انهما ما يزالان يحکمان بقبضة حديدية علي مصير البلاد، کما أنه سيکتشف من لقاءاتهما المستمرة أنهما بَدَءا يتوجسان من «المنتصر» الذي لا يمکن السيرطة عليه.
وکان يثير خوفهما أنه لا يمکن اغتياله فلقد کان «مهيباً» شجاعاً، فطناً متحرّزاً [8] ولذا بدأوا يفکرون بوسائل أخري. [9] .
الرواق الذي اتخذه المنتصر مجلساً له کان مقفراً فقد انطلق الخليفة المعذب ينهب ميدان الخيل بحصانه امعاناً في الفرار.. کان بغا ووصيف يتمشيان خلال أروقة القصر عندما صادفهما موظف في القصر يعمل کاتباً في ديوان جيش الشاکرية. [10] .
قال الموظف وکان يتقن الفارسية:
[ صفحه 25]
ـ ألم يجد الفرّاش بساطاً غير هذا ليفرشه تحت أميرالمؤمنين؟
قال وصيف:
ـ لماذا؟!
ـ فيه صورة شيروية قاتل أبيه «أبرويز»
وتبادل القائدان نظرات ذات معني، قال بغا بعدها:
ـ يجب أن يحرق حالاً!
لفّ البساط بسرعة وقبل أن يعود المنتصر ليحرق في حضرة القائدين، وکانا ينظران الي وهج النار والي الذهب قد بدأ يسيل برّاقاً تحت السنة النار والدخان. [11] .
عاد «المنتصر» من رحلته اليومية منهکاً ولفت نظره وهو يلج الرواق وجود بساط جديد..
فاستدعي الفرّاش قائلاً:
ـ أريد أن تفرش نفس البساط:
قال الفرّاش:
ـ ومن أين آتي به؟!
قال المنتصر:
ـ وماذا حصل له؟
ـ ان وصيفاً وبغا أمراني باءحراقه.
سکت المنتصر وانطوي علي جراح لا تندمل.
[ صفحه 26]
وبدا واضحاً خلال تلک الفترة العاصفة ان بغا الشرابي أو بغا الصغير هو الحاکم الحقيقي بالرغم من استبسال المنتصر في استعادة قدرة الحکم..
وکانت الامور تجري وفقاً لاهواء القادة الاتراک الذين کانوا يلاحقون شخصيات العهد البائد..
وکان بعض الاشخاص يختفون في ظروف غامضة و لا يعرف أحد عن مصيرهم حتي «محبوبة» جارية المتوکل الاثيرة لم تسلم من التصفيات فقد استدعيت للغناء فرفضت فاجبرت علي ذلک لکنها غنّت بلحن حزين وذکرت ليلة اغتيال سيّدها، فأصدر وصيف أمراً بسجنها.
وانقطعت اخبارها من ذلک الوقت! [12] .
وفي تلک المدينة التي نسي أهلها الله کان الامام الهادي ينظر الي الافق البعيد ويري حمرة الشفق الملتهب.. ويري سبحاً داکنة قادمة.. سوف تغمر الظلمات الارض.. وقوافل البشر الحائرة وقد تاهت بها السبل.. وفيما کانت أصوات الغناء والموسيقي تتسرّب من نوافذ القصور.. کانت تمتمات الدعاء تتعالي من منزل في «درب الحصا» حيث يقطن الامام منذ خمسة عشر عاماً.
عاد کافور الخادم متعباً وقد دفعته نفحات الهواء البارد في تلک الليلة التي اشتد فيها هبوب الرياح الشمالية، الي أن يدسّ نفسه في الفراش..
[ صفحه 27]
يتوجب عليه في هذا الوقت أن يأتي بسطل من الماء من السرداب واعداد الوضوء لسيّده الذي يتهيأ عادة في مثل هذا الوقت لاداء صلاة الليل..
لکن دفء الفراش وأمنه عقوبة السيّد کانا يدفعانه الي تناسي مهمته الاخيرة..
لم يکن قد أغمض عينيه عندما تناهت اليه خطي تتجه الي حجرته..
قال الامام بلهجة فيها عتب.
ـ ألا تعرف رسمي؟.. أنني لا اتطهّر اءلاّ بماء بارد فلم سخنت لي ماءً؟!
فوجيء کافور وقال بدهشة:
ـ ولکن يا سيدي لم آت بالماء أصلاً!!
نظر الامام عبر الباب المشرعة الي السماء وقال:
ـ الحمد لله.. والله ما ترکنا رخصة ولا رددنا منحة..
الحمد لله الذي جعلنا من أهل طاعته ووفقنا للعون علي طاعته.
وامتلأت نفس کافور اجلالاً لهذا الانسان الطاهر الذي عبدالله وحده فأکرمه الله بماء دافيء تحمله الملائکة! [13] .
مضت ساعة من الليل وتناهت طرقات متواليات علي باب المنزل الغارق في سکينة الليل..
[ صفحه 28]
کان الطارق «يونس النقاش».. يرتجف ولکن ليس بسبب البرد افسح کافور الخادم ليدخل المنزل.. لابد وأن الامر جدّ خطير!
قال يونس وهو يرتجف:
ـ يا سيدي أوصيک بأهلي خيراً!
قال الامام:
ـ وما الخبر؟
ـ عزمت علي الرحيل.
مبتسماً قال الامام:
ـ ولم يا يونس؟
ـ وجّه بغا الصغير اليّ بفصّ ثمين لا تعرف له قيمة وطلب مني أن انقّشه فانکسر نصفين.. والموعد غداً وهو من تعرف ياسيدي!! اءما ألف سوط أو القتل.
قال الامام مهدّئاً:
ـ امض الي منزلک الي غدٍ فما يکون اءلاّ خيراً.
ـ وماذا أقول لرسوله؟!
ـ اسمع ما يخبرک به، فلن يکون اءلاّ خيراً.
ابتسامة الامام وعيناه اللتان تتألقان بنور شفاف بعثت الدفء في قلب الرجل الخائف الذي انقلب الي أهله.. انه يعرف الامام يعرفه من سنين طويلة.. رجل مبارک کلمّا التقاه في الطريق.. يتفتح في قلبه الامل في الحياة.. ما تزال الدنيا في خير..
[ صفحه 29]
وما يزال هناک قلب ينبض بحب الناس جميعاً.
وفي صباح اليوم التالي.
کان يونس منطلق الوجه قال لکافور وقد استفسره عمّا حصل:
ـ جاءني الرسول يقول: يا سيدي.. الجواري اختصمن، فهل يمکنک أن تجعله نصفين ونضاعف لک الاجرة؟
ـ وبماذا اجبته؟
ـ قلت له: أمهلني حتي أتأمل کيف أعمله. [14] .
وضحکا معاً، وکان ينبوع يتدفق حبّاً للاءمام.
[ صفحه 30]
«4»
الجواسيس المبثوثون في القصر وخارجه وهم يعملون لحساب القائد «وصيف» کّونوا صورة مخيفة عن «المنتصر».. هناک خطط مبيّته للخليفة تستهدف تمزيق الاتراک في أول فرصة، وما زاد هذه المخاوف أن المنتصر ربّما تحدّث ذلک علناً وربّما تفجّر غضبه المخزون في نظرة شزراء يلقيها کلّما رأي قائداً ترکياً مرموقاً. [15] .
ولذا کان الاتراک قد بدأوا يفکّرون في اغتيال المنتصر والفتک به قبل أن يفتک بهم.. ولکن کيف؟!
سؤال صعب جوابه علي الاتراک فالمنتصر من اليقظة والشجاعة ما يصعب فيه اغتياله ولکن هناک نقطة ضعف يمکن استغلالها ان المنتصر يعيش حالة مدمّرة من الندم واليأس ولم يکن ينظر الي المستقبل بأمل، لکن برکان الغضب الذي انفجر في تلک الليلة العاصفة خمد فجأة استحال الي رماد تذروه الرياح.. أنه يعاني حالة مريرة من الندم وهذا ما جعل القادة الاتراک يتوجسون منه.. لکنه لم يفکر في تکوين حرس خاص وکانت سياسته المالية
[ صفحه 31]
المتزنة وابتعاده عن مطاردة مناؤيه من رجال العهد البائد وعدم امتلاکه لشبکة من الجواسيس سوف يسهل من عملية اغتياله بطريقة ما!
صحيح أن الناس بدأوا يميلون اليه ويحبّونه ولکن ما فائدة هذا الحب مادام الناس لا يملکون سلاحاً للدفاع عنه ولا يمکنهم حراسته أيضاً.. ان القوّة الضاربة ما تزال في ايدي الاتراک.. قوّات الحرس والجيش ما تزال في قبضة القادة الاتراک.. وکلّهم مقتنعون بضرورة التخلص من المنتصر.. باستثناء بغا الکبير فهو الوحيد الذي يعارض ذلک.. لان الخليفة القويّ يساعد في اقرار النظام ومنع الفوضي..
ولکن «وصيفاً» و «بغا الصغير» کانا يفکران بطريقة أخري.. ان وجود خليفة ضعيف سوف يضمن للاتراک استمرار نفوذهم.. من أجل هذا کان يترقّبان أول فرصة سانحة..
وما دام کل شيء يباع و يشتري، والذهب ما يزال يخطف العقول والابصار فلا وجود لشيء مستحيل!
کان المنتصر قد عاد من رحلته اليومية مکدوداً تماماً وبدا أنه قد أمعن في الفرار في الفيافي شرق سامراء وکعادته عندما تجتاحه موجة من الحزن المرير أوي الي عزلته، والقي بنفسه علي وسائد خضراء اللون مشوبه بنقوش حمراء.
کانت نسائم نيسان تدور خلال أروقة القصر وستائر حريرية
[ صفحه 32]
شفافة تميل مع النسيم الربيعي المفعم برائحة الورد.. ومع ذلک فقد کان المنتصر يتصبب عرقاً لکأنه يعاني من رؤيا تعذّبه. [16] .
شاء القدر أن يستيقظ المنتصر وهو يلتهب من الحمّي مما استدعي الاتصال ب «الطيفوري» الطبيب لاجراء فحوصاته.. اشتعلت في رؤوس الاتراک حمّي التآمر..
استقبل القادة الاتراک الطبيب قبل أن يدخل علي المنتصر وکانت نظراتهم تحرّضه بشکل واضح، فأطرق برأسه ومضي.. أجري الطيفوري بعض الفحوصات السريرية، ونصح المريض باءجراء عملية فصاد للدم، وتم الاتفاق علي أن يجري ذلک بعد العشاء..
عندما عاد الطيفوري الي المنزل وجد من ينتظر عودته، کان الرجل الترکي الذي يرتدي حلّة من الديباج الاصفر ساکتاً.. واکتفي بان قدّم ثلاثين الف دينار.. [17] انه اکبر مبلغ يراه الطبيب في حياته يستطيع أن يحيا بقية عمره في دعة من العيش.. يکفي أن يبضع المريض بمشراط مسموم.. [18] لم يصمد الطبيب أمام بريق الذهب، وضجّت نفسه بالوساوس فيما خفت صوت العقل الذي اغتاله بريق الدينار الذهبي..
تمت الجراحة وقد بذل الطيفوري جهد الابالسة في اخفاء مشاعره أمام نظرات المنتصر الثاقبة..
وعندما غادر القصر کان الطريق الي منزله تغمره ظلمة
[ صفحه 33]
کثيفة وشعر وهو في منتصف الطريق أن هناک من يطارد خطواته..
لم يشعر المنتصر بأي تحسّن، وعندما تناول کمثري [19] شعر بألم شديد في معدته..
أمّه تنظر اليه بحزن.. تبکي بصمت شباب ابنها.. لم يکن محظوظاً في الدنيا حتي أبيه کان يتآمر عليه.. وفي مثل هذا العالم المليء بالذئاب لا يعيش اءلاّ من يکون ذئباً..
قال المنتصر بأسي:
ـ يا أماه ذهبت مني الدنيا والا´خرة.. عاجلت أبي فعوجلت! [20] .
کفکفت الام دمعة ثکلي.
ـ لقد کنت بي بارّاً ومع الناس طيباً.. ومع نفسک صادقاً کل الناس يموتون وقليلون الذين يواجهون الموت بشجاعة.
أغمض المنتصر عينيه وغط في اغفاءة عميقة فانسحبت امه بهدوء بعد أن طبعت علي جبينه قبلة أودعتها کل أمومتها..
في اليوم التالي طلب رؤية ابنه الصغير «عبدالوهاب» فقبّله وتمتم بکلمات خافته أن يحميه الله من شرور الذئاب البشرية التي تعوي في قصره..
وفي مساء يوم السبت الرابع من شوّال سنة 248ه کان المنتصر يودّع الحياة..
أطلّ الهلال متألقاً في سماء حزيران الصافية الشاب المسجّي ينظر بعينين فيهما أمل وهو يودّع الدنيا الي عالم آخر..
[ صفحه 34]
وراح يغمغم بشعر نبع من قلبه الکسير:
فما فرحت نفسي بدنيا أخذتها
ولکن الي الربّ الکريم أصير [21] .
واغمض عينيه ليغفو بسلام..
وبدأت الاستعدادات لمواراته الثري حسب المراسم العباسية في دفن الخلفاء سرّاً.. ولکن والدته أصرّت علي أعلان قبره ليکون أول خليفة عرف قبره. [22] .
وتم دفنه في الجوسق الخاقاني [23] حيث فتح عينيه علي الدنيا فکان أول خليفة عباسي ولد في سامراء وتوفي فيها.
[ صفحه 35]
«5»
کشفت وفاة الخليفة المنتصر عن واقع الخلافة العباسية ومدي تغلغل الاتراک في أجهزة الحکم وسيطرتهم علي البلاط العباسي الذي اضحي العوبة بين الضباط الاتراک.
لم يکن المنتصر قد دفن بعد حتي انفجر النزاع بين الاتراک الذين اجتمعوا في القصر الهاروني لاختيار الخليفة الجديد.
وفي يوم الاحد تم تحليف عشرات القادة الاتراک والزنوج وهم عماد الجيش والحرس بقبول الاتفاق الذي سيسفر عن اجتماع کل من بغا الکبير، بغا الصغير، ووصيف، أو تامش أحمد بن الخصيب، أما باغر الضابط الترکي الذي قاد عملية اغتيال المتوکل فقد حرم من حضور الاجتماع فأجج ذلک في صدره مشاعر الحسد والحقد والکراهية خاصّة لوصيف فانصرف الي تعزيز نفوذه بين الاتراک، وتحريضهم علي وصيف الذي لا يري سوي مصالحه الخاصّة والانانية!
کانت فکرة بغا الکبير اختيار خليفة قوي يهابه جميع القادة لان اختيار خليفة ضعيف سيؤدي تطاحن الاتراک فيما بينهم من
[ صفحه 36]
أجل النفوذ والسيطرة والاستحواذ علي مقاليد الحکم ولکن أحمد بن الخصيب اقنع الجميع بأن مبايعة أحد أبناء المتوکل يعني نهاية النفوذ الترکي فقد يفکر أحدهم بالانتقام منهم ثأراً للخليفة المقتول..
وهکذا تم الاتفاق علي اختيار أحمد بن محمد بن المعتصم.
فالمعتصم هو الذي أسس مجدهم وجعلهم سلاطين في هذه الدولة الکبري، وهو وليّ نعمتهم.
لم تکن للخليفة الجديد من ميزة سوي أنه العوبة بيد الاتراک، وفي مراسم عاديّة منح لقب «المستعين بالله» وحدثت حرکة مضادّة في سامراء يقودها بعض رجال العهد البائد وترمي الي فرض خلافة المعتز وتعرض موکب الخلافة الي هجوم زمر من المرتزقة والغوغاء، [24] واستمرت الاشتباکات ثلاث ساعات وأعيد الخليفة الي القصر الهاروني وخلال القلاقل سقط أحد قصور الخلافة في أيدي الناس فنهبت خزانة الدولة، وسطا الکثيرون علي مشاجب السلاح وکسرت أبواب السجن الکبير.
ولکن الاتراک سيطروا علي القلاقل باعلانهم عن توزيع المرتبات في مراسم البيعة العامّة.
ولم تلبث قوات الجيش والحرس أن فرضت سيطرتها علي الاوضاع.. ولکن الاجواء کان يسودها التوتر..
وظهر المستعين خليفة مغلوبا علي أمره يحفّه أحمد بن
[ صفحه 37]
الخصيب رئيس الوزراء ومجموعة من الضباط الاتراک في طليعتهم أوتامش، وصيف، وبغا الصغير في حين غيّب باغر الترکي الذي انطوي علي احقاده وکراهيته للجميع منتظراً فرصة مواتية للانقضاض علي خصومه واثقاً من تأييد قطاعات کبيرة من الجنود الاتراک بزعامة «باکيباک» القائد الترکي الجريء.
قام الحکم الجديد باءجراءات احترازية منها القاء القبض علي الاميرين المخلوعين المعتز والمؤيد فأودعا تحت الاقامة الجبرية في قصر الجوسق الخاقاني ووضعت عليما حراسة مشدّدة، ثم ارغما علي بيع جميع ممتلکاتهما من أرض زراعية وبساتين مقابل أثمان زهيدة.
اما أحمد بن الخصيب فما انفک يحرّض علي مضايقة الامام الهادي وتشديد المراقبة علي منزله بل واجباره علي التنازل عن داره وبيعها للدولة! [25] .
وبعث أحمد بن الخصيب في تلک الفترة رسالة الي محمد بن فرج يطلب منه الحضور الي سامراء والافادة من خدماته، کان محمد بن فرج قد اطلق سراحه، من السجن ولکنه لم يسترد ممتلکاته التي جمّدت في عهد المتوکل منذ سنة 432ه.
وکتب محمد بن فرج بدوره رسالة الي الامام الهادي يستشيره بقبول اقتراح رئيس الوزراء فجاءه الجواب:
[ صفحه 38]
ـ «أخرج، فاءنّ فيه فرجک ان شاء الله». [26] .
وعندما وصل محمد بن فرج سامراء حاول استراداد أملاکه المحجورة وعندما صدر القرار باءعادتها اليه کان قد توفي. [27] .
وسقط بغا الکبير في فراش المرض وذهب اليه المستعين لعيادته، ثم توفي في اليوم التالي وتحققت مخاوفه من وجود خليفة ضعيف، فقد استحال القادة الاتراک الي ذئاب شرسة يأکل بعضها بعضاً..
حضر احمد بن الخصيب الي منزل الامام الهادي وهدّده اذا لم يتنازل عن الدار وتسليمها اليه..
وکان ابن الخصيب لا يجرؤ علي ذلک في عهد المنتصر وفي حياة بغا الکبير الذي عرف عنه احترامه للعلويين منذ الرؤيا التي رآها قبل اکثر من ربع قرن. [28] .
وفي العهد الجديد بدأ العلويون بالفرار مرّة أخري.. وبدأ فصل جديد من مسلسل التشرّد المرير.. وفي غمرة الاحداث غادر «علي بن محمد» وکان موظفاً في بلاط المنتصر.. غادر سامراء مولّياً شطره صوب البحرين فالاحساء فالبصرة.. وليشعل بعد خمسة أعوام ثورة الزنوج في منطقة الاهوار جنوبي العراق. [29] .
بلغ من نفوذ ابن الخصيب حدّاً جعله متغطرساً في تصرفاته ووصلت به الوقاحة الي أن يتهدد الامام ويطلب منه تسليم منزله اليه..
[ صفحه 39]
کان ابن الخصيب ووفقاً لتقارير الجواسيس علي اطلاع علي حجم الاموال التي ترد منزل الامام خاصّة في عهد المنتصر، وکان يعرف جيداً أن الامام يقوم بصرف الحقوق علي الفقراء والمساکين الذين تضاعفت اعدادهم بسبب الفوضي وغياب الاستقرار والنهب.
کما أن انتشار الفکر الامامي بدأ يهدد مرکز الحکم في العاصمة بعد أن اصبح الامام الشخصية التي تحظي بالاجلال واحترام الناس جميعاً.
قام رئيس الوزراء بزيارة رسمية الي منزل الامام، الذي خرج لاستقباله فقال ابن الخصيب:
ـ سر جعلت فداک!
فأجابه الامام بکلمات تزخر بالرموز:
ـ «أنت المتقدّم». [30] .
وبعد أن استقرّ به الجلوس، وأجال نظره في المنزل، تأججت أعماقه الخاوية بالاحقاد والاطماع ولم يتمالک نفسه أن قال:
ـ لابدّ من اءخلائها وتسليمها اليّ!
نظر الامام اليه بسکينة ووقار.. ان هذا المخلوق التافه يري قدرته في، منصبه الخطير مستنداً الي قدرة الاتراک غافلاً عن قدرة الله المطلقة.. قال الامام وقد تجلت أنوار الايمان في عينيه:
[ صفحه 40]
ـ لاقعدن لک من الله مقعداً لا تبقي لک معه باقية.
وشاء القدر أن يسدّد ضربتة بغتة لم تمرّ سوي أربعة أيام فقط حتي أقيل من منصبه اءذ رأي القائد أوتامش أن يفرض نفسه رئيساً للوزراء معتمداً علي قابليات کاتبه «شجاع بن القاسم». [31] .
أما احمد بن الخصيب فقد صودرت جميع ممتلکاته وممتلکات أولاده ونفي الي جزيرة کريت. [32] .
واصبح أوتامش الحاکم الفعلي للبلاد فيما عين «شاهک» الخادم مسؤولاً عامّاً لادارة شؤون القصر بما في ذلک الخزانة العامّة للبلاد.
اسفرت شخصية أوتامش عن ذئب أغبر [33] يفتک بکل من يقف في طريقه فهو وراء تعيين «شاهک» الخادم في مناصبه الجديدة التي تمکنه من الاستحواذ علي خزانة الدولة..
ودخلت علي شبکة النهب والدة المستعين، أما الخليفة فقد انهمک في الاستمتاع بلذائذه الرخصية تارکاً تدبير الامور للوزير الذي تکفل تربية ابن الخليفة والاستحواذ علي مخصصاته المالية الضخمة..
ولم يقف وصيف وبغا مکتوفي الايدي، فقاما بتحريض بعض قطعات الجيش من المتضرّرين، فحوصر الجوسق الخاقاني حيث يقيم أوتامش وکاتبه.
[ صفحه 41]
في البداية حاول رئيس الوزراء الفرار من القصر ولکنه اخفق، فاستجار بالخليفة الذي رفض ذلک.. حوصر القصر ثلاثة أيام ثم اقتحم في يوم السبت وعثر عليه مختبئاً في قبو وتم اعدامه مع کاتبه وصودرت جميع ممتلکاته. [34] .
وفي يوم الخميس الثالث من جمادي الاولي سنة 249ه 14 حزيران 863 م تحرکت قطعات عسکرية من الزنوج المغاربة ورابطت عند الجسر ثم تفرقت في اليوم التالي.
وفي 16 تموز من الذي يصادف يوم الجمعة 25 جمادي الاولي اشتعلت البروق في سماء مثقلة بغيوم مشحونة وهطلت الامطار بغزارة طوال اليوم؛ ثم سکنت الطبيعة بعد اصفرار الشمس قبيل الغروب. [35] .
وفي غمرة الفوضي والفساد اشتعلت ثورة علوية کبري بقيادة يحيي بن عمر من ذرّية زيد الشهيد بشعارها المتألق «الرضا من آل محمد» وکانت الکوفة مخزن الثوار علي مدار الزمن مرکز الثورة، وسرعان ما امتد لهيبها الي بغداد بعد أن تعاطف أهل السنة مع الثائر العلوي الذي بدأ اصلاحاته باطلاق السجناء في الکوفة.
واصبحت الثورة أملاً بالخلاص من ليل العباسيين الطويل..
ولکن غياب الخبرة العسکرية وفنون الحرب النظامية قد حسم الصراع لصالح العباسيين بالرغم من الانتصارات الباهرة التي أحرزها الثوار.
[ صفحه 42]
وکان دخول رأس يحيي علي رمح طويل مدينة سامراء يوم حداد عام [36] فيما عمّ الاستياء مدينة بغداد، وکانت الکوفة تغلي غضباً.
[ صفحه 43]
«6»
تصدّعت الجبهة الترکية واستشرت حمّي الاطماع والتآمر واستحال الضباط الاتراک الي ذئاب يتربص أحدها بالا´خر.
وفي الخفاء کان هناک صراع مرير يجري بين مساعدي الاتراک من اليهود والنصاري للحصول علي المزيد من الاسلاب وظهر باغر کذئب أغبر لا يتورع عن الفتک بکل من يقف في طريقه، وشاء القدر أن تصطدم المصالح والمنافع الشخصية بين «بغا الشرابي» و «باغر» وکانت نقطة الاصطدام في الکوفة. فقد دسّ وکيل باغر اليهودي علي ابن مارما النصراني وتآمر عليه فزجّه في السجن، وفرّ ابن مارما فيما بعد متجهاً صوب سامراء، وکان دليل بن يعقوب يعمل کاتباً لبغا فاستغلّ نفوذ بغا في منع باغر من الانتقام من ابن مارما.
وکان باغر ضابطاً يعمل تحت امرة بغا، ولکن الاخير کان يخشي باغر؛ ويحاول ارضاءه.
وبدأت الحوادث بالانفجار عندما جاء باغر سکران ليدخل علي بغا وهو في الحمام وهو يتهدد «دليل بن يعقوب» بالقتل، قال بغا مدارياً الضابط الشرس:
[ صفحه 44]
ـ لو أردت أن تقتل ابني فارس ما منعتک فکيف امنعک من قتل دليل؟!
ـ اءذن دعني اقتله!
ـ ان شؤون الخلافة بيده.. دعني أولاً أعيّن شخصاً آخر يقوم بعمله.
قال باغر بلغة ترکية وهو يصرّ علي أسنانه:
ـ لابدّ من قتله!
سکت بغا ولم يعلق علي ما قاله باغر الذي انصرف وهو يترنح سکراناً أوعز بغا الي کاتبه دليل اءلاّ يغادر منزله فقد يتعرّض للاغتيال، کما قام بتعيين شخص آخر ليوهم باغر بعزل دليل عن مسؤولياته.. وحاول أن يصلح العلاقات بين باغر ودليل.. ولکن باغر ما انفک يتّهدد دليل بالقتل.
قرر باغر أن يکون له مقرّ في البلاط ويکون ضابطاً ثابتاً في قصر الخلافة، ووافق المستعين علي مضض خشية من أن يقوم باغر باغتياله..
وتصاعدت حمّي التآمر عندما طلب المستعين من وصيف ترقية باغر ليکون المسؤول عن ادارة شؤون البلاط وأن يکون له دور «ايتاخ» في عهد المعتصم.
وشعر دليل بالخطر فحرّض بغا علي التدخل لان السماح بذلک يعني نهاية «بغا».
[ صفحه 45]
وعلي وجه السرعة قام بغا بزيارة مفاجئة للقصر، وندّد بموقف وصيف الذي أبدا استعداده للوقوف الي جانب بغا، واتفق القائدان سرّاً علي اغتيال «باغر» في أول فرصة.
انتشرت شائعات حول نيّة القصر بترقية باغر الي رتبة أمير، وستضاف الي قوّاته قطعات أخري من الجيش.
ولکن باغر شعر بان هناک من يتآمر ضده في الظلام فاجتمع سرّاً بأنصاره وکان بعضهم قد اشترک في عملية اغتيال المتوکل فعاهدوه علي الوفاء له، واستقرّ رأيهم علي القيام بحرکة انقلابية تسقط فيها رؤوس کثيرة في طليعتها رأس الخليفة ورأس وصيف وبغا ثم تعيين خليفة آخر من أولاد المعتصم أو الواثق يحکمون باسمه!
وتسرّبت الاخبار الي المستعين عن طريق زوجة باغر المطلّقة والتي باحت بذلک الي المستعين!
وشعر الخليفة الضعيف بالرعب فاجتمع بالقائدين وصيف وبغا الذي وصلته الانباء عن طريق آخر.
واسفر الاجتماع عن تعيين موعد لاغتيال «باغر» في قصر «بغا» بسبب تردد باغر علي القصر کجزء من واجبه کضابط ما يزال يخدم تحت اءمرة «بغا»!
وسقط باغر في الفخ فاعتقل وسجن في الحمام.
[ صفحه 46]
وطارت الاخبار المثيرة الي جنوده الذين هبّوا لنجدته وحدثت الفوضي في سامراء بسبب عنف التحرک في الکرخ وحرکة الجنود المتذمّرين الي الجانب الايمن من النهر.
وقام الجنود باحتلال ونهب بعض قصور الخلافة وحوصر قصر الجوسق الخاقاني.
ولتحطيم هيبة الجنود المشاغبين أمر وصيف بقتل باغر.
وکان المستعين قد لجأ الي قصر وصيف المطلّ علي الشاطيء.
وتضعضعت معنويات الجنود الذين رأوا بأعينهم رأس باغر الضابط العملاق، لکنهم اصرّوا علي المرابطة مطلقين صيحات بالترکية تتهدد الجميع.
قرّر وصيف وبغا اصطحاب الخليفة والهروب الي بغداد فاستقلّوا «حرّاقة» راسية في النهر وانحدروا الي بغداد.
سيطر الجنود الثائرون علي سامراء، ونهبت بعض القصور وقطعوا کافة الاتصالات مع بغداد.
وظهر «بايکباک» و«کلباتکين» و «ارناتجور» قادة للحرکة العسکرية الجديدة.
وعندما اطل عام 251ه کان الوضع ينذر بوقوع کارثة، خاصّة عندما حاول المستعين تعبئة قوّات من الزنوج المغاربة ضد الاتراک المتمرّدين؛ أدرک القادة الاتراک في سامراء أن مصيرهم سيکون
[ صفحه 47]
مجهولاً، ولذا قرروا ارسال وفد برئاسة القائد «بايکباک» لتقديم اعتذار للخليفة واقناعه بالعودة الي العاصمة وکادت المفاوضات تسفر عن نتيجة مرضية ولکن «بايکباک» تلقي صفعة بسبب تعدّيه اصول اللياقة في مخاطبة مقام الخليفة، فعاد الي سامراء وهو يضمر الانتقام من الجميع.
دخلت الاوضاع مأزقاً خطيراً باقدام الاتراک علي رفع الاقامة الجبرية عن المعتز واعلانه خليفة بدل المستعين الذي أعلنوا عن خلعه!
وفي هذه الفترة العصيبة ظهر رجال عهد المتوکل لتعزيز موقع المعتز الذي يمثل امتداداً لسياسة أبيه، وبدأت في سامراء تعبئة جيش کبير للزحف علي بغداد التي بدأت هي الاخري تستعد للمقاومة باقامة خطوط دفاعية واستحکامات کلّفت الخزانة مبالغ طائلة.
قام المعتز بمصادرة ممتلکات اقرباء المستعين لتعزيز ميزانية الحرب، ووقف اليهود الي جانبه بزعامة «الديزج» الذي عيّن قائداً للشرطة!
کما عُيّن أحمد بن اسرائيل رئيسا للوزراء لادارة شؤون البلاط والخلافة واصبحت فکرة الزحف لا حتلال بغداد وشيکة التنفيذ.
[ صفحه 48]
«7»
لجأ المستعين الي قصر محمد بن عبدالله بن طاهر حاکم بغداد وشرق ايران واصبحت دفّة الامور في يد الحاکم الذي کان يعيش شکلاً من التردد بين مناصرة الخليفة الهارب أو الوقوف الي جانب المعتز ابن المتوکّل الذي تربط اسرته معه صداقة قديمة..
وعملياً کان ابن طاهر يقود حرکة الدفاع فاتخذ الي جانب بناء خطوط بغداد الدفاعية اجراءات لعرقلة الزحف القادم من الشمال.
تم تدمير جميع القناطر علي کل الانهر المحيطة ببغداد وفتح الانهار لاغراق الاراضي التي تقع في تقدم الاتراک اذا ما راموا الزحف من جهة «الانبار».
اما بغداد فقد باتت محصّنة بسورها الکبير الذي امتد من «الشماسية» شمال بغداد الي «سوق الثلاثاء» الي دجلة ومنها الي «بساتين زبيدة»، کما استکمل حفر الخنادق علي امتداد السور الطويل واصبحت المجانيق الصغيرة والکبيرة جاهزة لاطلاق حممها الملتهبة، اضافة الي عشرات العوارض المجهزة بمسامير طويلة.
[ صفحه 49]
وکان المنجنيق الذي يدعي ب «الغضبان» رابضاً أمام باب کبيرة معلّقة.
کما عبأ ابن طاهر عياريّ بغداد وهم عشرات الالوف ورصد لهم مکافآت ومرتبات مغرية اضافة الي استخدام مئات المرتزقة.
وهکذا سيطرت أجواء الحرب علي الحياة في بغداد وبدأ ارتفاع الاسعار في المواد الغذائية.
وفي مطلع «صفر» 251ه زحفت قوات الاتراک بقيادة أبو أحمد بن المتوکل العامة فيما کان «کلباتکين» القائد الميداني الذي يصمم وينفذ خطط المعارک القادمة.
وخلال الزحف دُمّرت القري الواقعة في الطريق واستولي الاتراک علي جميع المحاصيل الزراعية.
وفي السابع من «صفر» نقل الجواسيس نبأ وصول القوّات الزاحفة المنطقة المتاخمة للشماسية في أطراف بغداد.
کما أفادت تقارير أخري عن وجود خطة لاحراق الاسواق في جانبي بغداد، فتمّ کشطها جميعاً.
وفي يوم الثلاثاء 10 صفر قام ابن طاهر القائد العام لقوات الدفاع عن بغداد بحرکة لاستعراض قوّاته أمام الاتراک لارهابهم مصطحباً معه مجموعة من الفقهاء والقضاة لا يفادهم الي أبي احمد والتفاوض معه حول تفادي وقوع الحرب مقابل اعلان
[ صفحه 50]
«المعتز» وليّا للعهد ولم تجدِ هذه الخطوة شيئاً، فيما قام الاتراک المرابطون قرب الشماسية باستفزازات لتفجير الوضع ولکن ابن طاهر اصرّ علي عدم الردّ.
وتقدّم بعض الفرسان الاتراک صوب الباب ووجهوا زخة من السهام اکتفي قائد الحامية بالردّ عليها بقذيفة منجنيق قتلت أحدهم فانسحب الباقون.
وفي نفس اليوم وصلت تعزيزات من عدّة مئات من المرتزقة بغداد للاشتراک في حرب الدفاع.
وصعّد الاتراک في اليوم التالي الموقف بتکثيف هجماتهم علي باب الشماسية وبات واضحاً أن المعارک الرئيسية سوف تشتعل في هذه المنطقة فارسلت تعزيزات اضافة مؤلفة من الفرسان والمشاة.
وفي أول اشتباک عنيف سقط عشرات الجرحي والقتلي في صفوف الفريقين.
وقامت کتائب من الاتراک بمحاولة لاقتحام بغداد من باب خراسان في الجانب الشرقي فاخفقوا.
ولم يحدث في نهر دجلة أي اشتباک يذکر.
وفي «قطربل» تقدم الزنوج بقيادة ربلة المغربي الذي کان يقود قوّات من «الفراغنة» أيضاً واتخذت القوات المتقدمة مواقعها قريباً من الدفاعات، وحدث تراشق عنيف بالسهام.
[ صفحه 51]
وقامت القوّات المدافعة بغارة ليلية جريئة فاکتسحت المناطق المحتلة ورمي الجنود الفارّون انفسهم في دجلة لعبور النهر الي معسکر أبي أحمد في الجانب الشرقي، ولکن «التيارات» المشحونة بالمقاتلين قطعت عليهم الطريق فتم أسرهم فيما غرق الباقون.
وقد أدّي هذا النصر الساحق الي أن يغيّر الاتراک الزاحفون خططهم وعندما وصلت انباء هذه الهزيمة الي سامراء انتعشت آمال الناس وحدثت حرکة شعبية مضادة لخلافة المعتز. [37] .
وکان سير المعارک والاشتباکات يسير لغير صالح الاتراک. وفي غمرة الحرب الاهلية وتدهور الاوضاع الاقتصادية اندلعت سلسلة من الثورات العلوية، في «اردبيل» و «الري» وثورة في مکة وفي الکوفة وفي قزوين وزنجان.
تبادل المتحاربون النصر والهزيمة وکانت أمطار آذار تخفف من حدّة الاشتباکات التي حصدت عشرات الارواح من السکان. وظهر عبيدالله بن يحيي وزير المتوکل في بغداد بشکل محيّر وليلعب دوراً في تمزيق جبهة بغداد بعد أن اقنع ابن طاهر بالتخلّي عن المستعين مؤکداً له أن الاخير يتآمر عليه بل أنه طلب من وصيف وبغا اغتياله والقضاء عليه.
وقد کان لهذه الخطوة اضافة الي تدهور الاوضاع الاقتصادية وغلاء الاسعار وتذمّر السکان من الحصار أثراً کبيراً في تحرّط ابن
[ صفحه 52]
طاهر وضغطه علي المستعين للتنازل عن الخلافة وقد حصل ذلک بعد انشقاق بغا ولجوئه الي المعتز.
وفي شهر ذي الحجة 251ه شتاء عام 866م وقّع المستعين وثيقة التنازل مقابل ضمان سلامته وأفراد اسرته وسلّم حلّة الخلافة ليغادر بغداد منفيّاً الي مدينة واسط العراقية.
وأطلّ عام 252ه فيما کانت رياح کانون الباردة تلفح الوجوه ورعود الثورات تدوّي في کل الا´فاق، وبدا تمثال الفارس حائراً لايدري أين يشير برمحه الطويل؟! [38] .
وتصاعدت في هذه الفترة المتفجرّة وتيرة الاغتيالات، التي تحدث لاقل الشکوک.
وظهرت «قبيحة» أم المعتز کذئبة مجنونة تريد الانتقام من الجميع ولم يکن المعتزّ الذي ناهز التاسعة عشرة من عمره سوي أداة طيعة في يدها وأيدي القادة الاتراک الذين أثروا ثراء فاحشاً في الحرب الاهلية.
ولعب الجواسيس دوراً في انتشار الرعب، وانعدام الثقة.
وکانت أم المعتز تدير شخصياً شبکة مرعبة من الجواسيس وفي ضوء التقارير الصحيحة والکاذبة تسقط الرؤوس ويموت الناس في ظروف غامضة.
کان المعتز قد زجّ بأخويه في السجن «المؤيد» و «طلحة» الذي قاد الزحف علي بغداد وحصل علي لقب «الموفق».
[ صفحه 53]
استدعي المعتز «بغا الشرابي» حول معلومات تفيد بعزم الاتراک علي اطلاق سراح المؤيد من السجن.. ولکن بغا الشرابي نفي ذلک بشدّة مؤکداً ان الاتراک يکنون احترامهم فقط لقائد الحملة علي بغداد!
في مدينة «بلد» توفي أحد ابناء الامام الهادي في ظروف غامضة، وکان «محمد» الذي يبلغ من العمر اءحدي وعشرين سنة قد غادر سامراء مفضلاً العودة الي المدينة المنورة. [39] .
وقد هزّت الحادثة الاسرة الطاهرة، فلقد کان ذلک الشاب النبيل محطّ الا´مال؛ [40] خاصّة الذين عرفوه وعرفوا اخلاقه الکريمة.
وسرعان ما توفي المؤيد في سجنة ورتّب محضر رسمي في أن الوفاة کانت طبيعية!
کانت «قبيحة» تصرّ علي تصفية «المستعين» المخلوع، فصدرت أوامر شخصية من المعتز الي «أحمد بن طولون» حاکم «واسط» باغتياله الذي رفض ذلک، لکنه وافق فيما بعد علي ترحيله الي سامراء.
وفي «سامراء» تم تسليمه الي «سعيد الحاجب».
ولم يمهله سعيد وقتاً فأهوي عليه بالسيف ليتدحرج رأسه قرب النهر.
کان المعتز يلعب الشطرنج عندما جاءوا اليه برأس ابن عمّه فلم يلتفت اليه وقال وهو يشير الي رف.
[ صفحه 54]
ضعوه هناک حتي انتهي من «الدست». [41] .
واکتفي بنظرة عابرة ثم أشار الي حرسه بأخذه.
وصدر «عفو رسمي» عن وصيف وبغا بعد مساع قام بها اسماعيل ابن «قبيحة» وشقيق المعتز وضغوط الاتراک. [42] .
وتم تنصيب اسماعيل ولياً للعهد. [43] .
کما توفي «زرافة» أحد المؤيدين لحرکة المنتصر بعد نجاحها. [44] .
وبدا واضحاً أن هناک حرباً خفية للسيطرة علي البلاط.
وارتفعت حمّي الاغتيال وسيطر جوّ المؤامرات علي سامراء.
وفي غمرة هذه الاجواء کان کان منزل الامام يخضع لمراقبة خانقة ومع ذلک فقد تدفق الناس الي منزله لتقديم التعازي في ولده الشاب محمد.
کان المنزل يغصّ بعشرات المعزّين، وقد بدا «أبو الحسن» حزيناً وهو جالس علي کرسي يتقبل العزاء.. وجهه الاسمر تغمره هيبة النبوّات وجاء ابنه الحسن فوقف عن يمين والده..
التفت اليه الوالد بحنوّ قائلاً:
ـ يا بني أحدثْ لله شکراً فقد أحدث فيک أمراً. [45] .
قال الحسن بخشوع:
ـ الحمد لله رب العالمين.. واياه أسال تمام نعمه لنا منک..
واءنا لله واءنا اليه راجعون. [46] .
[ صفحه 55]
وکان أبو هاشم يصغي الي همسات البعض يتحدثون عن توقعاتهم في ان الشاب سيکون هو الامام بعد رحيل والده.
واشتعلت في ذهن أبي هاشم قصة قديمة عندما توفي «اسماعيل» في زمن والده «الصادق» وظن بعض الشيعة أنه الامام بعد والده فانکروا امامة موسي الکاظم بل وانکروا حتي وفاة «اسماعيل» فظهرت فرقة «الاسماعيلة» منذ ذلک الوقت.. آه ما اشبه قصة الحسن مع أخيه محمد، قال الامام الهادي کما لو أنه قرأ ما يموج في قلب صاحبه:
ـ نعم يا أبا هاشم هو کما حدّثتک نفسک واءن کره المبطلون..
وسکت لحظات نظر خلالها الي ابنه الحسن عن يمينه ثمقال:
ـ أبو محمد ابني الخلف من بعدي.. عنده ما يحتاج اليه ومعه آلة الامامة والحمد لله رب العالمين.
واعتصم بصمت الانبياء ثم تمتم لکأنه ينظر الي الزمن القادم:
ـ کيف لکم بالخلف بعد الخلف؟!
تساءل أبو هاشم:
ـ ولم جعلني الله فداک؟!
قال الامام مبشّراً:
[ صفحه 56]
ـ لانکم لا ترون شخصه ولا يحلّ لکم ذکر اسمه.
ـ فکيف نذکره؟!
ـ قولوا: الحجة من آل محمد! [47] .
[ صفحه 57]
«8»
البلاط الا´ن في أخريات عام 252ه تسيّره قدرة غامضة مؤلفة من أم المعتز زوجة المتوکل والمرأة الاکثر ثراءً في سامراء يعاونها الوزير النصراني ابن اسرائيل وغلام المتوکل النصراني وکان الشخص الوحيد الذي يرافق المتوکل واستطاع الفرار عشية اغتيال الضباط الاتراک للخليفة، وهاهو الا´ن يصبح من ابرز الشخصيات في بلاط المعتز!
وکانت سياسة المعتز تصفية أعداء والده المتوکل ايا کانت اتجاهاتهم ولذا قام بترقية الضباط المغاربة ليکونوا عماد حرسه الخاص ويفرض بذلک سطوته فکان لوليد المغربي حصّة الاسد واصبح قائدا عسکرياً مرموقاً في تلک الفترة العاصفة.
واجتاحت بغداد وسامراء حملة اعتقالات واسعة طالت عشرات العلويين أو ممّن تشم فيهم رائحة الولاء لاهل البيت وکان في طليعة من اعتقل أبوهاشم الجعفري بأوامر شخصية من المعتز بذريعة ان البلاط يفکّر في ارساله الي «طبرستان» للتفاوض [48] مع الثائر العلوي «الحسن بن زيد» وتهدئة القلاقل هناک فنقل
مخفوراً الي سامراء في تلک الفترة.
[ صفحه 58]
وبدت خزانة الدولة بسبب الفوضي عاجزة عن سدّ نفقات الاتراک والمغاربة الذين قدرت ميزانيتهم ب 000/000/ 200 دينار سنوياً وهو ما يساوي ايراد الدولة في عامين! [49] .
ولذا توقف صرف المرتبات الي بعض القطعات العسکرية التي تضم المغاربة والاتراک المنضوين تحت قيادة بايکباک الذي کان مستاءً من عودة وصيف وبغا وتسنمها مواقع قيادية کبيرة.
وفي 26 شوال اندلعت حرکة عسکرية سادتها مظاهر الشغب وکانت تطالب بدفع مرتبات اربعة أشهر.
وقد استدعت الاوضاع ان يتوجه «بغا الشرابي» و «وصيف» و«سيما» بأنفسهم للسيطرة علي الموقف..
وعد بغا المشاغبين بأنه سوف يفاتح الخليفة شخصياً وغادر المکان فوراً فيما أقدم «وصيف» علي خطوة حمقاء اءذ قذفهم بحفنة من التراب صائحاً:
ـ خذوا تراباً بدل المال!
وقد فجرّت هذه الخطوة الموقف اءذ هاجم بعضهم وصيفاً وسدّد له ضربتين وطعنه آخر بسکين ولکن أحد القادة المرافقين له انقذه ونقل الي منزل قريب.
وشعر المشاغبون بالخطر عندما تأخر بغا في العودة ولذا هاجموا المنزل وانهالوا بالطبرزينات علي وصيف حتي الموت ثم
[ صفحه 59]
احتزوا رأسه، واندفع الغوغاء الي نهب قصوره في سامراء وفي تلک اللحظات المصيرية ظهر ابنه «صالح» فقاد حرکة جريئة وسيطر علي الاوضاع بنجاح مما اضطر «الخليفة» الي منحه جميع امتيازات والده.
وفي ذي القعدة أقدم صالح علي خطبة ابنة بغا بعد أن وجد القائدان نفسيهما بحاجة الي ترتيب جبهتهما ضد الخليفة وأنصاره من المغاربة والاتراک بقيادة بايکباک.
وهکذا سيطر جوّ محموم من التآمر والقي الرعب ضلاله الرهيبة وانعدمت الثقة بين الناس.. وکانت رائحة الشائعات تزکم الانوف.. وفي ذلک الزمن الرديء سُمع الامام الهادي يقول:
ـ «اءذا کان زمان العدل فيه أغلب من الجور، فحرام أن يُظنّ بأحدٍ سوءً حتي يُعلم ذلک منه، واذا کان زمان الجور أغلب فيه من العدل، فليس لاحد أن يظن بأحدٍ خيراً ما لم يعلم ذلک منه..». [50] .
کان قد مضي شطر من الليل عندما کان «کافور» الخادم يجوس ازقة سامراء متجهاً صوب منزل بشر بن سليمان النخاس الذي اکتسب سمعة طيبة في تجارة الرقيق، فهو يتاجر بشراء العبيد والجواري ولکن وفق مباديء اخلاقية دقيقة ولا يتورّط في صفقات يمکن أن تکون مشبوهة..
لقد تدنست تجارة الرقيق وغلب عليها الحرام.. الثورات والقلاقل الداخلية وبطش وقسوة الحاکمين وعدم تورّعهم من بيع
[ صفحه 60]
السبايا المسلمات [51] جعل من تجارة الرقيق سوقاً دنسة.. ومع ذلک فلا يعدم المرء أن يعثر بين النخاسين من يترفع عن ارتکاب الحرام ويتاجر بالمسلمات اللائي غارت القوّات الحکومية علي منازلهن في المناطق المتوترة هنا وهناک.
مضي شطر من الليل ورياح کانون تجوس سامراء الابواب موصدة وعواء ذئاب بعيد يتناهي خلال الريح الباردة سرعان ما يضيع بين سنابک حصان يمرق علي عجل..
عندما جاء بشر لم يکن ليدرک بعد ماذا يريد الامام منه، ولکنّه خمّن أن الامر يتعلّق بالرقيق علي کلّ حال.
اتخذ بشر النخاس مجلسه قبال الامام وراح يتأمل بخشوع الوجه الاسمر والعينين اللتين تکادان تختصران العالم!
آه ما أنبل هذا الانسان.. انه لا يعرف رجلاً يعامل عبيده وجواريه هذه المعاملة لکأنهم أولاده وبناته.. أي قلب ينطوي عليه صدر هذا الرجل المبارک؟!
ان من يراه لن يصدّق أنه لم يبلغ الاربعين بعد! ولکن الشيب اشتعل في رأسه فهو يبدو في الستين!
أية أهوال أحالت هذا الشاب الي شيخ وهو لم يناهز الاربعين سنة؟!.. انه يحدّث أخته الجالسة وراء الستر بصوت فيه عذوبة الينابيع..
ابتسم الامام لضيفه وقال بود:
[ صفحه 61]
ـ يا مبشر: انک من ولد الانصار.. وهذه الموالاة لم تزل فيکم يرثها خلفٌ عن سلف، وانتم ثقاتنا أهل البيت.. وانّي مزکّيک ومشرّفک بفضيلة تسبق بها سائر الشيعة.. بسرّ اطلعک عليه.. وانفذک في ابتياع أمة!
ونشر الامام في ضوء القنديل قرطاساً وراح يسطر بلغة رومية وحروف رومية رسالة.. ولصق الامام الرسالة وختمها.. ثم أخرج «شنتقة» [52] صفراء فيها 220 ديناراً وسلّمها الي بشر النخاس قائلاً:
ـ خذها وتوجه الي بغداد الي معبر الصراة.. وانتظر قدوم زوارق السبايا فاءذا برزن الجواري فستحدق بهن طوائف المبتاعين من وکلاء قوّاد بني العباس وشراذم من فتيان العراق، فاءذا رأيت ذلک، فأشرف من البعد علي المسمّي عمر بن يزيد النخاس عامّة نهارک.. الي أن تبرز الي المبتاعين جارية رومية ترتدي حريرتين صفيقتين تمتنع من السفور ولمس المعترض، والانقياد لمن يحاول لمسها ويشغل نظره بتأمّل مکاشفها من وراء الستر الرقيق..
في الصباح الباکر کان بشر يتجه صوب شارع الخليج حيث ترسو السفن القادمة من بغداد أو التي تنتظر مسافرين يتجهون اليها..
رائحة المياه الغرينيه تملا صدره، وکانت الشمس قد اشرقت فوق ذري النخيل علي امتداد جبهة النهر..
[ صفحه 62]
القي الملاح نظرة فربما يأتي مسافر آخر ولکن المرسي کان خالياً الاّ من بعض صيادي السمک وانسابت السفينة الشراعية يحملها التيّار المائي برفق تساعده نسائم الصباح التي تهب من الشمال.. في الضحي اجتازت السفينة معبر «الشماسية» ولاحت بعض جذوع النخيل المحترقة في الحرب الاهلية قبل اکثر من عام، وما تزال آثار الحرب واضحة في الضفاف.. بقايا السور الطويل الذي صمد بوجه الاتراک، وبعض الدور المهدّمة.
رست السفينة قرب نهر الصراة، وغادرها بشر متجهاً نحو المعبر واتخذ مکانه في مکان تغمره شمس الضحي الدافئة..
علي مقربة من المعبر ينهض سوق الرقيق، وقد تشکل وفق متطلبات هذه التجارة.. دکّة ينادي عليها النخاس ومکان تعرض فيه الفتيات من وراء ستر شفاف.. أما اءذا کان الرقيق غلماناً فيقفون قرب النخاس..
وصلت الزوارق وترجّلت منها فتيات يرتدين اشکالاً مختلفة من الثياب.. وبدأ سوق الرقيق يضج بالحرکة والحياة..
وبدأ أحد النخاسين باطلاق أول نداءات هذه التجارة البشرية:
ـ حسناء تجيد الطهي وشيئاً من الغناء وتحفظ أخباراً مليحة..
قال رجل تبدو عليه الخبرة:
ـ وکم عمرها؟
[ صفحه 63]
ـ عشرون سنة.
ـ لتبرز حتي نراها.
صاح النخاس:
ـ خيزران!
نهضت فتاة عليها ملامح سکان أرمينيا.
حضر رجال آخرون يرتدون بزّات رسمية تدلّ علي أنهم موظفون في الدولة أو وکلاء لبني العباس.. کما تحلّق بعض الشبان يمتعون النظر في وجوه الفتيات الجميلات.
وقف بشر قرب دکّة عمر بن يزيد النخاس.. يراقب عن کثب ما يجري.. کان النخاس قد باع جاريتين حتي الا´ن وينادي علي الثالثة وکانت هناک فتاة رابعة تختبيء وراءها وعندما بيعت الثالثة بقيت فتاة في الرابعة أو الخامسة عشر من عمرها.. نادي النخاس بغلظة:
ـ عمرها أربعة عشر سنة رومية تحسن العربية کادت الفتاة تذوب حياءً وهي تحاول الاختباء تحت ثيابها الفضفاضة.
صاح شاب:
ـ لکننا لا نري شيئاً!!
وعلق آخر:
ـ نعم دعنا نراها أولاً:
أزاح النحاس الستر جانباً وأراد أن يمسک بردنها لکنها جذبته وصاحت وبلسان رومي.
[ صفحه 64]
وآراد أحدهم أن يجذب نقابها فانکفأت الي الوراء وقد اشتعل غضب الکرامة في عينيها.
قال رجل:
ـ کيف تريدنا ابتياعها هکذا؟!
انهال النخاس عليها بسوط کالافعي فصرخت الفتاة بألم وحزن.. آه ما أسوأ أن يباع الانسان ويشري في السوق کالحيوان؟!
هتف رجل تبدو عليها سيماء الصلاح:
ـ انني اشتريها بثلاثمئة دينار.. فقد زادني العفاف فيها رغبة.
قالت الفتاة بلغة عربية فيها لهجة رومية:
ـ لو برزت في زيّ سليمان بن داود وعلي مثل سرير مُلکه ما بدت لي فيک رغبة.. فأشفق علي مالک.
صاح النخاس:
ـ وماذا أفعل أنا؟ ولابدّ من بيعک؟
قالت الفتاة:
ـ ولم العجلة؟ انني لن اختار الاّ من يسکن اليه قلبي واطمئن الي وفائه وأمانته.
وأراد النخاس أن يصفعها ولکنه تراجع في اللحظة الاخيرة..
انفض الناس وانصرفوا الي غيره.. وفي هذه اللحظة تقدّم بشر وحيّا النخاس بأدب قائلاً:
[ صفحه 65]
ـ ان معي کتاباً ملصقاً لبعض الاشراف، کتبه بلغة رومية وخطّ رومي، ووصف فيه کرمه ووفاءه ونبله وسخاءه، فناولها لتتأمل منه أخلاق صاحبه، فاءن مالت اءليه ورضيت فأنا وکيله في ابتياعها منک..
هزّ النخاس رأسه موافقاً وتقدّم بشر الي الفتاة التي کانت ترتدي زيّا رومانياً اضفت عليه حشمة النصاري حياءً وستراً..
فضت الفتاة الرسالة المختومة وراحت تتأمل کلماتها وقد تألق وجهها بالفرح..
وامتلات عيناها بالدموع قالت بصوت تهدّج بعاطفة نبيلة:
ـ بعني من صاحب هذا الکتاب!
التفت النخاس الي بشر:
ـ لن أرضي بأقل من ثلاثمئة دينار.
هتف بشر:
ـ هذا ثمن باهض!!
ـ لقد سمعت بنفسک الرجل الذي دفع هذا المبلغ.
ـ هذا صحيح ولکن أنا أيضاً يا صاحبي اعمل في الرقيق.. ان ثمنها مرتفع.
ـ لن ابيعها بأقل من ثلاثمئة.
هتفت الفتاة:
ـ سوف أقتل نفسي اذا امتنعت!
[ صفحه 66]
وقال بشر:
ـ ان معي هذه «الشنتقة» وهي لصاحب الکتاب.
ـ کم فيها:
ـ مئتان وعشرون ديناراً.
ـ هاتها.
ـ علي برکة الله.
وسجل الرجلان وثيقة البيع، وانصرف بشر الي حجرة کان يأوي اليها کلما قدم الي بغداد.. وکانت الفتاة تتبعه کحمل وديع وقد غمرتها سکينة المؤمنين..
في الحجرة وريثما يحين موعد العودة الي سامراء، أخرجت الفتاة الرسالة لتقرأها مرّة أخري.. ولثمتها ثم وضعتها علي عينيها واستنشقت نفساً طويلاً لکأنها تريد أن تملا صدرها بشذي الکلمات..
ولم يتحمل بشر اکثر مما يري!! هل هو حقيقة أم حلم کل ما يراه؟!
ربما يستطيع أن يدرک تصرفات الامام فهو رجل مبارک آتاه الله الحکمة وورث علوم جدّه محمد صلي الله عليه و آله و سلم ولن ينسي أبداً کيف تنبأ بهلاک المتوکل ذلک الطاغية الارعن.. تنبأ بسقوطه في وقت کان الناس يرهبون حتي اسمه.. ولکن ما يراه لا يجد له تفسيراً فتاة رومية تقبّل کتاباً لا تعرف صاحبه!! قال بشر وقد اتسعت عيناه دهشة:
[ صفحه 67]
ـ أتلثمين کتاباً لا تعرفين صاحبه؟!!
لاذت الفتاة بالصمت، ثم قالت:
ـ أعرف أنک أمين، وأن من أرسلک قد استودعک سرّاً لم يطلعه علي أحد.. أعرني سمعک وفرّغ لي قلبک، لاستودعک سرّاً لم اطلعه علي أحد..
أنا «مليکا» بنت بنت يشوعا بن قيصر وأمي من ولد الحواريين تنتسب الي وصي المسيح شمعون.. وراحت الاميرة الرومية تروي قصتها وقد اشتعلت المشاهد المثيرة في ذاکراتها الغضّة. [53] .
[ صفحه 68]
«9»
في المرکب الشراعي بدأت المناظر تنساب الي الوراء والنخيل علي امتداد جبهة النهر بدا کرموش حورية، وبالرغم من بقايا آثار الحرب الاهلية، اءلاّ أن دجلة في ذلک الاصيل بدا موحياً يبتسم بأمل.. و«نرجس» تلک الفتاة الطاهرة ما برحت مأخوذة بشمس الاصيل التي أثارت في ذاکرتها الغضة مشاهد لا تنسي..
مشاهد سوف تبقي متألقة مدي العمر.. مشاهد حبيبة الي روحها.. کم تعذبت طوال الشهور الماضية؟ لقد قاست الکثير.. کانت الغيوم تعبر سماء دجلة.. غيوم بيضاء ناصعة ظهرت بعد تلک الليلة المطيرة.. ذکّرتها الغيوم بحلّة العرس.. آه کم هو مقيت الزواج من انسان تافه.. ذلک الامير الذي لا يعرف من الحياة سوي ظاهرها البراق.. ان ذکراتها تشتعل بالمشاهد المثيرة:
«کان القصر المهيب يجع بالحرکة وباحة القصر تشهد بناء عجيب.. منصة عالية حيث يجثم عرش مرصع من الجواهر واعمدة من خشب يحسبها المرء رخاماً، ومدرج خشبي أنيق تنهض علي جانبيه الصلبان..
[ صفحه 69]
ووصل الامير المغرور ليرتقي المدرّج الي حيث العرش..
اما هي فقد کانت تعيش مشاعر الفجيعة.. سوف تقضي العمر الي جانب انسان تافه أحمق..
في البداية رفضت، ولکن هناک تقاليد تحکم القصر.. الاميرات للامراء اتجهت الي الکنيسة توسلت بالعذراء.. بکت..
هل هناک من طريق للخلاص؟ ماذا بوسعها أن تفعل؟ هل تحدث معجزة تنقذها من هذا الجحيم..
عندما وجدت نفسها في الطريق الي المنصّة وقد احتف عشرات الاساقفة والامراء والجنود کانت قد استسلمت لقدرها.. وفي تلک اللحظات حدثت المعجزة.. اهتزّت الارض وتساقطت الاعمدة الخشبية وانهار العرش ومعه الامير المذعور الذي فقد وعيه..
حدث کل شيء في لحظات.. وعندما سکنت الارض ظهرت علي وجوه الاساقفة ملامح تشاؤم وعطّلوا مراسم عقد القران.. مثل طائر حبيس عادت «مليکا» الي مخدعها ورمت بعيداً حلّة العرس وارتدت ثوباً اکثر حشمة ووقاراً، ثوباً يشبه مسوح السيدة العذراء وانطلقت صوب الکنيسة لتسجد أمام الصليب وتمثال مريم.. شکرت من کل قلبها الربّ وصلت بخشوع وبکت فرحاً.. ودعت الربّ أن تکون زوجة لانسان طاهر.. انسان لم يتدنّس قلبه بوساوس الارض!
[ صفحه 70]
ـ يا الهي هل هو حلم ما أراه أم يقظة؟! في باحة القصر هوت المنصّة والعرش نهض عرش من نور.. السيد المسيح جالس علي العرش ويدخل رجل مهيب.. رجل يرتدي ثياباً عربية شعره يشبه تموجات بحيرة رائقة.. سوالفه تتلالا.. وابتسامة تشرق وجهه المضيء.. وينهض السيد المسيح فيعانقه وادرکت أنه «أحمد» الذي بشّر به انجيل «برنابا»..
قال أحمد: يا روح الله جئتک خاطباً من وصيّک شمعون فتاته مليکا لابني هذا!
وأومأ الي فتي أسمر.. عيناه نجلاوان تتألقان بالصفاء لکأنهما نافذتان تطلاّ ن علي عالم من نور..
شمعون يبتسم، والحواريون..
عندما انتبهت وجدت نفسها بين أيدي الراهبان وکان جبينها يلتهب من الحمّي..
آه أنها لا تستطيع أن تبوح لاحد بما رأته.. عزفت روحها عن الطعام.. نحل جسمها.. وکانت روحها تشتد سطوعاً وعجز الطبّ عن فعل شيء..
وجاء جدّها فجلس عند الاميرة التي ما تزال تخبو کشمعة في نهايات ليل طويل قال لها بحنّو: هل تشتهين شيئاً قالت الفتاة: يا جدّي أري أبواب الفرج علي مغلقة.. فلو کشفت العذاب عن أسري المسلمين.. وفککت عنهم الاغلال.. لرجوت أن يهب المسيح وأمّه لي الشفاء.
[ صفحه 71]
قال الجدّ، وقد تمثلت في ذکراته محنة الاسري يوم أعدم منهم اثنا عشر ألف أسير بأوامر من تيدورا:
ـ أعدک بذلک يا عزيزتي!
شاعت البهجة في قلب مليکا.. وتماسکت لتتناول قدراً يسيراً من الطعام..
مرّت ثلاث ليال ومليکا اعماقها تضطرم تحت تأثير الرؤيا.. ما تزال صورة الفتي العربي الاسمر تتألق في ذکراتها.. لکأنها رأته حقيقة لا في عالم الخيال.. والاحلام.
قبيل الغروب وقد غابت الشمس خلف ذري الاشجار ظهرت العذراء مريم.. لم تکن وحدها کانت معها سيّدة وجهها يزهو نوراً علي رأسها اکليل من اثني عشر کوکباً، وقد اشرقت فوق رأسها شمس بهية وقمر منير [54] تحفها حوريات الجنة قالت مريم: هذه سيّدة نساء العالمين.. فاطيما.. أم زوجک.. مليکا تهبّ ترمي بنفسها في احضان السيّدة الکريمة.. آه أنه لا يزورني.
قالت السيّدة: لانک لم تدخلي دينه..
ـ وماذا أفعل يا سيّدة النساء؟
تشهدين بأن الله واحد لا ءله اءلاّ هو وتصدقين رسالة أحمد الذي بشّر به المسيح.
عندما استيقظت من النوم کان اسم أحمد علي شفتيها..
[ صفحه 72]
جففت حبّات عرق انبجست فوق جبينها الملتهب.. ما تزال مليکا محمومة.. تستغرقها الرؤيا العجيبة لقد تعلمت العربية منذ صباها.. منذ أن شهدت مذبحة الاسري المسلمين الذين رفضوا اعتناق النصرانية واختاروا الموت. [55] .
لقد اتقنت العربية لکنها لم تتحدث بها الي أحد.. الرؤيا العجيبة.. تحيّر ذهنها.. تجعل قلبها فارغاً، والوجه الاسمر.. ذلک الفتي العربي من أين جاء؟! وهل ستلتقيه في عالم الحقيقة؟ أم سيبقي کل شيء رهن الخيال؟!
السفينة تشق أمواج دجلة صوب الشمال، وتيّار الذکريات المشتعلة کبروق سماوية ما يزال يستغرق وعي مليکا التي اختارت اسماً جديداً تختبيء وراءه قصّتها العجيبة..
في کل ليلة کانت تري ذلک الفتي الاسمر صدّقت أنها زوجته وکانت روحها الظامئة تشتاق الي رؤيته..
عيناه الواسعتان تختصران العالم..
عندما سمعت ذات يوم أن القصر يفکّر بارسال جيش ومهاجمة ديار الاسلام تحفّزت کل خليّة في کيانها، أن روحها تضطرم.. سوف تلتحق بالجيش بحجة التمريض وتنضم الي الوصائف اللائي يقمن بهذه الخدمة..
لم تضع وقتها.. لکأنها مستسلمة لقدرٍ عجيب.. شيء لا يمکن وقوعه الاّ في عالم الخيال أو عالم آخر مجهول!
[ صفحه 73]
تنکّرت في زيّ الخدم.. وغادرت القصر لتختفي الي الابد.. سوف يبحثون عنها.. في کل مکان دون جدوي سوف يبقي سرّها مکنوناً وقد تستحيل الي قدّيسة في المستقبل!
قدرها أن ترافق طلائع الجيش الرومي [56] ثم يفعل الله بعد ذلک ما يشاء..
وعلي الحدود وقعت اشتباکات محدودة هزمت فيها طلائع الروم ووقعت مليکا في أسر المسلمين فکانت في سهم شيخ مسلم سألها عن اسمها فقالت علي الفور:
ـ نرجس.
قال الشيخ:
ـ اسم الجواري.
وعندما وصلت بغداد طالعها عن بعد تمثال الفارس الذي يتربع فوق قبة قصر الذهب في قلب بغداد.. بيده رمح طويل يشير به الي جهة الشرق..
مليکا في بغداد جارية في سوق الرقيق.. سرّها مکنون کلؤلؤة في صدفة في اعماق بحيرة تغفو بسلام.. حکايتها حکاية عجيبة أغرب من الاساطير..
کم انتابتها الهواجس طوال الايام الماضية کيف تستلم للرؤيا وهل يسلم المرء نفسه للاحلام؟ ولکن تلک الرؤيا ليست اضغاث أحلام.. اءنها اکثر اشراقاً من کثير من الوقائع لقد استغرقت شعورها وسيطرت علي مشاعرها.
[ صفحه 74]
ووجدت نفسها تسير نحو قدر ينتظرها في مکان ما وفي لحظة ما.. ولکن عندما وقعت عيناها علي الرسالة المکتوبة بلغتها أدرکت أن القدر قد اختارها، ورسم مصيرها وما عليها سوي التسليم..
وعادت مليکا الي نفسها عندما اقتربت السفينة من مشارف «سامراء» من بعيد طالعها ذلک البناء الحلزوني وحدست في نفسها أنه منارة مسجد کبير.
رست السفينة مرسي «الخليج» وانتقل المسافرون الي الشاطيء حيث المدرجات التي تؤدي الي شارع الخليج..
[ صفحه 75]
«10»
التوتر يسود سامراء، وقد بدا واضحاً أن الطغمة التي کانت متنفذة في زمن المتوکل قد عادت الي الحکم کأشرس ما تکون کما أن تعيين ابن أبي الشوارب رئيسا لسلطة القضاء [57] قد جاء ليعکس سياسة الدولة ازاء العلويين فابن أبي الشوارب معروف بولائه الاموي!
وفي هذه الفترة تم القاء القبض علي کثير من العلويين کما اخمدت ثوراتهم بقسوة ووحشية ورحّل کثير من زعاماتهم الي سامرّاء لوضعهم تحت رقابة مشدّدة أو توقيفهم [58] وکان منزل الامام الهادي يخضع هو الا´خر للرقابة حتي أن بعض وکلائه يتظاهرون بحرف وأعمال تغطية لدورهم في تعزيز الاتصال بين الامام وقواعده الشعبية. [59] .
و کان لکثرة الاضطرابات والقلاقل في أنحاء الدولة وفساد الطغمة الحاکمة ونهبها لاموال الامة قد جعل من سامراء علي فوهة برکان سرعان ما يثور ويحيل کل شيء الي خرائب وحمامات دم..
[ صفحه 76]
وکان الصراع بين القادة الاتراک علي أشدّه، وبدا بغا الشرابي يحاول المستحيل لاقناع المعتز بالرحيل الي بغداد لکن دون جدوي [60] فانصرف الي التنسيق مع صالح بن وصيف للقيام بحرکة عسکرية والاطاحة بالمعتز [61] والقضاء علي قوّات الحرس من المغاربة.
وقبيل الغروب وصل بشر النخاس «درب الحصا» حيث يوجد منزل الامام وکانت الجارية الرومية تتبعه وعيناها تشرقان بالامل.
احتفي الامام الهادي بالفتاة التي وصلت علي قدر.. کان المنزل تغمره سکينة الغروب الحسن قد أوي الي السرداب کعادته يعبدالله، وجعفر [62] لم يعد الي المنزل بعد.. التفت الامام الي کافور قائلاً:
ـ أدعُ لي اختي حکيمة.
کانت حکيمة قد تحدثت مع شقيقها حول زواج الحسن الذي جاوز العشرين ولم يتخذ زوجة له، ولاسباب مستورة بحجب الغيب في المديات البعيدة فضل الامام الهادي أن يقرن ابنه بفتاة تتحمّل هموم المصير.. تنجب له الصبي الموعود الذي بشّرت به الرسالات ويحقق أحلام الانبياء يعيد للحياة الانسانية کرامتها وللارض خضرتها والربيع..
وصبي کهذا ينبغي أن تکون والدته سيّدة لا يعرفها أحد
[ صفحه 77]
قادمة من صقع بعيد.. فيها خصال من «يوکابد» أم موسي ومن مريم ابنة عمران.. لان الوليد سيحمل غضب موسي، ومعجزات المسيح عيسي بن مريم..
من أجل هذا اختار القدر الالهي «مليکا» لتشدّ الرحال وتخوض الاهوال لتصل علي قدر منزلاً في درب الحصا.. هاهي جالسة في حضرة الرجل الذي بلغ الاربعين من عمره وقد اشتعل رأسه شيبا.. لشدّما يشبه فتي الاحلام. [63] .
وصلت حکيمة متلهفة لرؤية الفتاة وعندما سمعت شقيقها يقول مشيراً اليها:
ـ هاهي!
حتي هبّت لاعتناقها آه أنها فتاة کاملة..
انحنت مليکا وقبلت يد السيّدة المبارکة..
وطوال الوقت کانت حکيمة لا تنفک تنظر الي الفتاة.. ذات الوجه المضيء وقد تورّد الحياء فوق وجنتيها..
قال الامام مخاطباً الفتاة:
ـ کيف أراک الله عزّ الاسلام وذلّ النصرانية؟ [64] .
قالت الفتاة بأدب:
ـ کيف أصف لک يا بن رسول الله ما أنت أعلم به مني.
قال الامام وهو يغمرها بحنانه:
ـ أريد أن اکرمک.. فأيّما احبّ اليک: عشرة آلاف درهم؟ أم بشري لک بشرف الابد؟
[ صفحه 78]
ـ بل البشري يا سيدي!
قال الامام وهو يبشر بميلاد الطفل الموعود:
ـ فابشري بولد يملک الدنيا شرقاً وغرباً.. ويملا الارض قسطاً وعدلاً کما ملئت ظلماً وجوراً.
قالت الفتاة وقد غمرتها روح مهيمنة:
ـ ممّن؟
ـ قال الامام بلغة رومية:
ـ ممّن خطبک رسول الله له.
توهجت في أعماقها مشاهد ذلک اليوم عندما انهارت الصلبان والاعمدة.. ويوم رأت المسيح يعانق النبي العربي.. وليلة رأت مريم ومعها سيدة متسربلة بالشمس والقمر، وعلي رأسها اکليل مرصع بکواکب درّية..
لاذت بالصمت وبدت في جلستها الهادئة حورية قادمة من جنّة ما..
قال الامام مخاطباً اخته:
ـ يا بنت رسول الله خذيها الي منزلک.. وعلّميها الفرائض والسنن.
کانت الغيوم تحجب الشمس ولکنها ما تزال تبعث بدفئها ونورها الشفاف يغمر الارض..
[ صفحه 79]
ونهضت حکيمة مصطحبة معها الفتاة الکريمة التي ستدعي بعدّة اسماء.. فهي «ريحانه» و«سوسن» و«نرجس» وحديثة.. اما اسمها الحقيقي «مليکا» فسيبقي مستوراً مع جذورها وسرّها المکنون..
اءنها في الظاهر جارية لا فرق بينها وبين «ماريا» و «نسيم» [65] ولکنها في الحقيقة «سيدة الاماء». [66] .
وانتقلت مليکا الي منزل امرأة صالحة هي ابنة اءمام واخت اءمام وعمّة اءمام وسيقدّر لها ذات يوم أن تشهد ميلاد المعجزة.
وتدور الايام.. وسامراء غارقة في المؤامرات وقد استيقظ الشيطان.. ذرّ قرنيه وراح يعربد في کل مکان..
وفيما کانت الاشياء تهتز بعنف تحت سنابک خيل الاتراک کانت هناک نقطة مغمورة بالسلام..
في منزل هاديء بدرب الحصا..
هناک انسان ينظر الي الافق البعيدة الي قوافل قادمة من المستقبل.. من أجل هذا راح يبشر باءطلالة الفجر الخالد.. سيولد الطفل.. سيولد الفارس الاخضر سيولد الذي ينقذ الانسانية المعذبة..
سيولد بشارة الرسالات القديمة.. ومن يصلّي خلفه عيسي بن مريم.. سيولد الذي يصارع التنين.. [67] .
[ صفحه 80]
سيولد بشارة الرسول والکوکب الدرّي.. [68] والذي بشرّ بميلاده علي صوت العدالة والانسانية وحفيد علي الهادي الذي بدأ يخطط لبزوغ الامل الاخير والشمس المستورة وراء حجب الغيوم..
[ صفحه 81]
«11»
مضت أربعة فصول وأطل عام 254ه واطل معه عام ميلادي جديد بعد ليلة خريفية طويلة.. [69] .
رياح کانون الثاني تجمد السواقي وتحيل بساتين الرمّان وعرائش الکروم الي أعواد يابسة..
کل شيء ينذر بوقوع حوادت مثيرة.. کان المعتز ومن ورائه والدته يقود حملة رهيبة لتصفية جميع خصومه ومناوئيه وارتفعت حمّي التآمر.. قام أولاً بابعاد أخيه طلحة قائد الحملة علي بغداد.. ثم غير منفاه من البصرة الي بغداد.. وقد يعيده الي سامراء ليضعه تحت مراقبة صارمة..
بايکباک ما يزال في مخبئه في مکان ما في کرخ سامراء.. المعتز يحاول الاجتماع به لتوجيه ضربة الي بغا الشرابي وصالح بن وصيف بعد أن ثبت أنهما يتآمران للاطاحة به وانتخاب خليفة آخر يخضع لنفوذهما..
افادت تقارير الجواسيس بان صالح بن وصيف وبغا الشرابي مشغولين بحفلة زفاف ابنة الشرابي الي صالح.. [70] .
[ صفحه 82]
انتهز المعتز الفرصة، وعبر الي الکرخ مع أرکان حکومته وفصائل من قوّات الحرس الخاص..
ووصلت الانباء بغا الشرابي فغادر سامراء مع خسمئة من جنوده الي تل عکبراء ونصبت له خيمة علي شاطيء دجلة فيما ظل جنوده في العراء تلفحهم رياح شتائية قارسة البرد.
وفي الاثناء کان المعتز قد وصل قصر الجوسق مع قطعات عسکرية بقيادة بايکباک لحرسة القصر الخليفة من هجوم محتمل..
لم تکن الامور تسير في صالح بغا الشرابي الذي تناهت اليه شکوي جنوده من البرد وانفراده في خيمة يتدفأ بها.. وما لبث أن جاء «ساتکين» الضابط الترکي ينقل اليه شکوي الجنود من وجودهم في العراء بلا طائل.. فکر بغا في التسلل واللجوء الي منزل صالح بن وصيف فقال:
ـ دعني الليلة.. يجب أن افکر في الامر..
وعندما انتصف الليل.. تسلل بغا دون سلاح مصطحباً خادميه فاستقل زورقاً انحدر به الي المدينة..
وشاء القدر أن يکتشف حرس الجسر، الزورق الذي اقترب من الشاطيء..
وهناک تم توقيفه فاضطر الي الاعلان عن هوّيته فقال قائد الدورية وهو زنجي:
[ صفحه 83]
ـ ان لدينا أوامر بمنع التجول في هذه الساعة من الليل.
قال بغا:
ـ اما أن تذهب الي منزل صالح بن وصيف.. أو تهذب الي منزلي.
ووعده بمکافأة.. ولکن و«ليد المغربي» اصدر أمراً بتوقيفه وغادر المکان علي وجه السرعة متجهاً الي القصر.. وسرعان ما اجتمع بالخليفة الذي کان ينام بسلاحه تحسباً من هجوم الاتراک.
هتف المعتز وهو يسمع الخبر المثير:
ـ ويلک جئني برأسه!
وفي بستان علي الشاطيء تم قتل بغا الشرابي، وصلب رأسه فوق الجسر، واحرقت جثته.. وطورد ابناؤه في بغداد وزجّ باصدقائه في سجن المطبق وفي زنزانات «قصر الذهب» وصودرت جميع أموالهم، واحتفل البلاط بهذه المناسبة ومنح القاتل جائزة کبري [71] وبدا ان المعتز سوف يبسط سيطرته علي الوضع في البلاد لولا القلاقل في ايران فثورة «الحسن بن زيد» ما تزال يستعر أوراها في غابات ايران، ثم ظهر «يعقوب الصفّار» في اقليم «سجستان» [72] ليزحف باتجاه کرمان. [73] .
وکانت هواجس المعتز تتضاعف ازاء العلويين، ففي مصر ثورة کبيرة يقودها ابراهيم بن محمد بن يحيي المعروف بابن
[ صفحه 84]
الصوفي.. وفي شمال ايران ثورة اخطر من تلک، وانعکست هواجسه علي سياسته تجاه العلويين في بغداد والکوفة وسامراء.. في بغداد احتجز کثيرون وسجن بعضهم ورحل آخرون الي سامراء ليلقوا في زنزنات خاصة في قصور الخلافة، وفي الکوفة کانت السياسة اشدّ بطشاً واشدّ تنکيلاً اتخذت شکل الحصار الاقتصادي وافقار العلويين حتي الموت، أو الاغتيال. [74] .
وکان المعتز يبحث عن ذريعة لتصفية الامام الهادي الذي اضطر الي ملازمة منزله، وامتناعه عن لقاء الناس، وکان يقضي معظم وقته في السرداب حيث تترقرق السکينة في جنبات ذلک المکان الهاديء تحت الارض؛ مفضلاً الاتصال بالناس عبر وکلائه خاصّة عثمان بن سعيد العمري الذيي حظي بثقة مطلقة، واشتهر بتجارة الزيت اءمعاناً في تغطية دوره البالغ الحساسية [75] وقد حاز من الثقة ما جعل تصريحاته تمثل مواقف الامام وتصريحاته.
وتأزمت الاوضاع بشکل ينذر بالخطر بعد الهجوم الوحشي الذي تعرّضت له مدينة «قم» [76] ومقتل عشرات الابرياء من سکانها بحجة تأييدهم لثورة الحسن بن زيد الطالبي...
وفي ذلک الجوّ المشحون بالخطر قام بعض صنائع الحکم بدسّ السم بطريقة ما الي الامام.. [77] ولزم الامام الفراش بعد أن ظهرت عليه أعراض مرض ما.. وتدهورت صحة الامام بشکل مفاجيء في جمادي الا´خرة 254ه حزيران سنة 868م.
[ صفحه 85]
وزاره الطبيب ابن طيفور فنصحه باجتناب شرب الماء ولکن الامام فنّد رأيه قائلاً:
ـ وما بأس بالماء، وهو يدير الطعام في المعدة، ويسکّن الغضب ويزيد في اللبّ ويطفي المرار. [78] .
وعاده في مرضه ابو دعامة اسماعيل بن علي أحد قضاة العامّة.
وعندما نهض لينصرف خاطبه الامام بودّ:
ـ يا أبا دعامة قد وجب عليّ حقّک.. ألا احدّثک بحديث تسرّ به؟
قال الرجل بأدب جمّ:
ـ ما أحوجني الي ذلک يا بن رسول الله!
قال الامام وهو يضيء في قلبه قنديلاً من الکلمات المقدّسة:
ـ حدّثني أبي محمد بن علي، قال: حدثني أبي علي بن موسي قال: حدّثني أبي موسي بن جعفر قال: حدّثني أبي جعفر بن محمد قال: حدثني أبي علي بن الحسين قال: حدثني أبي علي بن أبي طالب قال: قال لي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: يا علي اکتب! فقلت: ما اکتب؟ قال: اکتب: «بسم الله الرحمن الرحيم.. الايمان ما وقر في القلوب وصدّقته الاعمال، والاسلام ما جري علي اللسان وحلّت به المناکحة».
[ صفحه 86]
واهتز وجدان الرجل لجمال الحديث وسلسلة سنده المضيئة فقال:
ـ يا بن رسول الله والله ما أدري ايّهما احسن؟ الحديث أم الاسناد؟
قال الامام وهو يکشف عن سرّ الکنز الذي لا ينفد:
ـ اءنها لصحيفة بخط علي بن أبي طالب، واملاء رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم نتوارثها صاغر عن کابر.. [79] .
کان الحسن لا يکاد يفارق والده الذي تحسنت صحته قليلاً فطلب من ابنه أن يتفقد عمّته حکيمة ويقوم بزيارتها وينفذ الابن أمر والده، فکان علي موعد مع القدر..
علي مدي شهور کانت «مليکا» التي اصبح اسمها نرجس وفي بعض الاحيان کانت تنادي ب «سوسن» تمضي حياة طيبة في ظلال امرأة صالحة تعلّمها شريعة الله وثقافة الاسلام الطاهرة.. فکانت تنمو کما تنمو اللا´لي المتألقة في احضان أصداف دافئة.
[ صفحه 87]
«12»
عندما وقعت عيناه عليها في منزل عمّته تسمّر في مکانه، ينظر اليها، وهي ايضاً توهجت في ذاکرتها احلام مضيئة عن النبي العربي الاسمر بوجهه البهي.. هاهي تراه واقفاً أمامها ينظر اليها فتطرق حياءً فيما کان قلبها يخفق بحب طاهر نبيل.
قالت العمّة المبارکة [80] لابن أخيها:
ـ لعلّک هويتها!
قال الحسن عن نظرته الهوي الهابط:
ـ لا ياعمّة.. ولکنّي اتعجّب.
قالت العمّة:
ـ ولم العجب؟!
قال الفتي الاسمر:
ـ لان هذه الفتاة سوف تنجب ولداً کريماً علي الله عز وجل.. يملا الله به الارض عدلاً وقسطاً کما ملئت ظلماً وجوراً.
قالت العمّة وهي تعرف أن ابن اخيها سيکون سيّداً:
ـ أفأرسلها اليک يا سيّدي؟
قال الحسن بعد أن أطرق تأدّباً:
[ صفحه 88]
ـ حتي يأذن لي أبي!
ابتهج قلب حکيمة فرحاً سوف تزفّ لابن اخيها فتاة طاهرة نبيلة وسيکون هذا الزواج المبارک سبباً في ظهور أمل الانسانية.. والانسان الذي سينقذ المعذبين والمقهورين والذي سيغسل الارض من کل الشرور فيعمّ الخير والمحبّة والسلام..
ما اءن دخلت حکيمة علي اخيها حتي بادرها قائلاً:
ـ يا حکيمة ابعثي نرجس الي ابني أبي محمد.
قالت الاخت بسعادة:
ـ يا سيدي من أجل هذا قصدتک.. اردت أن استأذنک في ذلک:
قال الامام وقد تألقت عيناه فرحاً:
ـ يا مبارکة.. ان الله تبارک وتعالي اراد أن يشرکک في الاجر ويجعل لک في الخير نصيباً.
لم تضع حکيمة لحظة من الوقت اءذ سرعان ما عادت أدراجها وقلبها يبتهج سعادة.. لقد أرادها الله أن تکون ممّن يحقق أهداف السماء في مسيرة الجهاد الطويل..
وقامت حکيمة بتزيين العروس في حجرة انتخبتها لتکون عشاً دافئاً لاسرة طاهرة.. اسرة سيکون لها مجد رفيع، وبدت نرجس بحلّة العرس البيضاء حورية هبطت من العالم العلوي لتقترن بفتي علوي هو فتي أحلامها الوردية..
[ صفحه 89]
کان فضاء المنزل يفوح بالعبير، ونسائم نديّة تهب من شطآن دجلة وسماء حزيران تزخر بالنجوم.. وقامت العمّة لتقدّم الي ابن اخيها عروسه الطاهرة.. لتتحقق مشيئة الذي يجمع القلوب الطاهرة..
ومرّت أيام کان القمر يتضاءل فيها ليذوب في المحاق عندما انتکست صحة الامام الهادي.. وخلال تلک المدّة لم ينفک يعلن لکل من يزوره من اصحابه ومحبيه اءمامة ابنه الحسن ويبشّرهم بان المهدي قد أطلّ زمانه.. انه الخلف بعد الخلف.. الذي لن يراه أحد الاّ من وفّق الله.. وخلال ذلک سوف يتيه اتباعه کأغنام غاب راعيها.. ولکن الله لن يترکهم في حيرتهم اذ ينهض رجال عميقو الايمان ينقذون «ضعاف عباد الله من شباک ابليس». [81] .
عاشت «مليکا» أسعد أيام حياتها في ظلال فتي کريم تضيء وجهه أنوار النبوّات کان يخاطبها بأسماء جميلة.. نرجس.. سوسن حديثة.. صقيل.. ريحانة.. اسماء ورود الربيع.. هل کان يبشر فصل جديد فصل الدفء والنور والربيع؟ من يدري هل کان يطلب منها أن تکون ربيعاً للبرعم الطاهر الذي سيظهر من أکمام الزمن؟ آه يا مليکا يا من جئت علي قدر لتلتقي فتي ساقه القدر أيضاً الي هذه البقعة من دنيا الله.. مدينة غارقة في الظلمات فاختارها الله لتشهد ميلاد الکوکب الدرّي. [82] .
[ صفحه 90]
وينتقل الحسن مع زوجته الي منزل والده [83] الذي ابتهج برؤية وارثه مع تلک الفتاة التي انتخبتها السماء لتلد الصبي المنتظر اءنها سيّدة عظيمة جديرة بحمل الامانة «وستحيط بها المخاطر».. [84] .
وانتشر خبر تدهور حالة الامام الصحية في سامراء وبغداد والکوفة..
وبدأ العائدون يأتون من کل حدب وصوب، وخلال تلک المدّة زارته شخصيات رفيعة مسؤولة في الدولة..
ساءت حالة الامام الصحية وکان السم ينتشر في عروق الامام وبات جسده خائراً تماماً، وسادت حالة من الوجوم والترقب مدينة سامراء..
وأطل يوم الاثنين 25 جمادي الا´خرة حزيران وکان البلاط يترقب أخبار الامام.. خاصّة عصابة الاربعة «قبيحة» أم الخليفة، رئيس الوزراء ابن اسرائيل ووزير البلاط النصراني أبو نوح والوزير الحسن بن مخلّد الذي اعتنق الاسلام لسبب ما..
أما المعتز الذي بلغ من العمر ثلاثة وعشرين سنة فقد کان منصرفاً الي لذائذه ويحاول المحافظة علي عرشه بأي ثمن..
وضعت قوّات الحرس علي أهبة الاستعداد تحسباً للطواريء واستدعي من بغداد طلحة بن المتوکل..
[ صفحه 91]
کان «درب الحصا» في ذلک الضحي غارقاً في حزن مرير، وباب منزل الامام مشرعاً، وقد تجمهر عشرات الناس قرب الباب بعد أن ضاق المنزل بهم..
کان الخبر قد تسّرب الي بعض اصدقاء الامام، ثم سرعان ما انتشر وقد تلقي أهالي المدينة الخبر بأسي ووجوم وبکي بعضهم.. بکي السلام الراحل.. والرجل المبارک الذي حلّ بين ظهرانيهم منذ عشرين سنة.. قضاها في خدمة الاسلام ومساعدة المنکوبين ونشر العلم الالهي..
کمنارة مسجد مضيء کان الامام.. روحانياً شفافاً في زمن تکاثفت فيه المادّة والطين.. زاهداً في زمن استعرت فيه حمّي الحرص.. تغمره السکينة في قلب العاصفة.. عاصفة الشرّ..
أحبّه الناس جميعاً الشيعي والسنّي.. المسلم والنصراني..
المنزل يغصّ بالجماهير وکان الشيعة اکثر الناس فجيعة.. الدموع تجري بصمت کسماء مثقلة بمطر خريفي.. وهواجس الحيرة تملا القلوب عن الامام الذي سينهض بالامانة.. والخوف يمنع الجميع عن السؤال، فهناک عيون زجاجية مبثوثة.. عيون جواسيس منحوتة من الصخر.. انوفهم کأنوف الکلاب.. وقلوبهم کُتَلٌ من رصاص..
جثمان الامام مسجّي وابنه الحسن يصلّي، ومناحة في حجرة مجاورة ارتدت سامراء ثوب الحزن والحداد، فقد تعطّلت الاسواق والمحالّ التجارية لقد رحل الرجل المبارک.
[ صفحه 92]
حضرت شخصيات رفيعة المستوي للمشارکة في العزاء وموکب التشييع وفي طليعتهم قائد الزحف علي بغداد ابّان الحرب الاهلية طلحة بن المتوکل الذي يعدّ من ابرز السياسيين العباسيين والذي أُحضر من بغداد ليمثل الخليفة في تقديم التعازي..
استحال المنزل الي سوق بسبب ضجة الاحاديث المتبادلة.. ومرّ وقت قصير عندما ظهر خادم بيده رقعة مطوية فنادي علي خادم آخر:
ـ يا رياش خذ هذه الرقعة وامض بها الي دار أمير المؤمنين، وقل هذه رقعة الحسن بن علي..
وتطلّع الناس الي الباب الذي اغلق توّاً.. وبعد لحظات فتح الباب ليظهر کافور الخادم ثم ظهر شاب في العشرين من عمره هيئته تنمّ عن فجيعة.. کان حاسراً مکشوف الرأس يرتدي رداءً ناصع البياض قد شُقّ جزءٌ منه تعبيراً عن المصاب الجلل وفغر البعض أفواههم.. انه يشبه الامام الراحل تماماً.. بل أنه هو.. لقد کان صورة طبق الاصل لعلي الهادي!!
اتجه الشاب الي طلحة بن المتوکل الذي عرف باسم «الموفق».. ونهض الجميع وهبّ «الموفق» لمعانقة الحسن الذي هتف قائلاً:
[ صفحه 93]
ـ مرحباً بابن العم.. [85] .
واتخذ أبو محمد الحسن مجلسه بين بابي الرواق.. وساد الصمت المنزل وکان الجميع مأخوذين بالوجه الاسمر الذي لايخطيء في ملامحه وجه الاب الراحل.. [86] ولم يعد يُسمع أحدٌ ينبس ببنت شفة اءلاّ السعلة والعطسة.. [87] وکان جعفر [88] ينظر الي اخيه نظرة فيها حسد وخرج النعش الطاهر للتشييع والصلاة عليه في المسجد الجامع..
وفيما کان النعش يخترق الرواق کحمامة شهيدة، ظهرت فتاة تهتف بفجيعة:
ـ ماذا لقينا من يوم لاثنين.. قديماً وحديثاً؟! [89] .
وشعر الامام بالاسي فقال لمن حوله:
ـ ألا يوجد من يردّ هذه الجاهلة؟
وبادر بعضهم فردّ الفتاة الي حجرة النساء، فيما غادر النعش المنزل تحمله أکف وسواعد وقلوب المؤمنين..
ضاق شارع «أبي أحمد» وهو أطول شوارع سامراء وأعرضها بالجماهير..
شمس حزيران تغمر باشعتها الموکب الطويل، وفقدت قوّات الشرطة السيطرة علي الموقف بعد أن اندفعت الجماهير وکل يريد أن يمسّ بيده النعش الطاهر قبل أن يواري الثري.
اليوم هو يوم 25 جمادي الا´خرة من سنة 254، وقد بلغ
[ صفحه 94]
الازدحام في الشارع الطويل أوجه فتقرّر الصلاة علي الجثمان في الشارع حتي يسع کثرة الناس، وشعر «الموفق» بالخطر فقد يتحوّل هذا الموکب الجرّار الي حرکة مضادة للحکم القائم فأسرع في انهاء مراسم الصلاة وُحمل النعش مرّة أخري ليدفن في منزله حسبما ورد في الوصيّة..
انتهت مراسم الصلاة التي أجريت بسرعة وأثارات اءستياء الناس الذين لم يجدوا الوقت الکافي في اءجراء مراسم التشييع کما ينبغي.. وکان واضحاً أن هناک توجساً مما قد يؤدي اليه هذا التجمع الذي لم تشهده سامراء منذ تأسيسها وحتي الا´ن..
بلغ من شدّة الزحام أن ضغط الناس الامام الحسن ودفعته الامواج البشرية الي جانب الطريق.. فصادف دکّة مرشوشة بالمياه فأستأذن البقال في أن يجلس. وحيّا البقال الامام بأدب وکان بعض الذين يمرّون يستوقفهم الوجه الاسمر لفتي تتألق في عينيه أنوار النبوّات.. وتحلّق بعض الناس حوله ينظرون الي شابّ قد ذرّف علي العشرين وقد اشتعل الشيب في ذقنه أية فجيعة هدّت هذا الفتي؟ وأية هموم يحملها وينوء بحملها؟! قليلون جدّاً يدرکون محنة هذا الانسان الذي نهض بالامامة..
لم تمرّ سوي دقائق حتي جاء شاب بهي الوجه يقود بغلة شهباء فعرض علي الامام الرکوب.
وفي ظهيرة ذلک اليوم ووري الثري رجل عاش في سامراء
[ صفحه 95]
عشرين سنة امضاها عملاً وجهاداً ومقاومة.. فکان مثالاً في کل شؤون الحياة.
عاش في زمن مرير.. زمن عاصف الاحداث لکنه حافظ علي استقامته وظل هو هو ثابتاً کالجبل قوّياً کالاعصار هادئاً کحمائم السلام طاهراً کقطرات الندي متألقاً کقمر بهي..
وعمّ الحزن مساحات شاسعة من الوطن الاسلامي المسلمون جميعاً بمختلف مذاهبهم افتقدوه.. وفجعت شيعته برحيله حتي النصاري حزنوا من أجله لقد کان رجل مبارکاً عاش للناس جميعاً فحزنوا عليه جميعاً.
وبرحيله انتهي فصل تاريخي ليبدأ فصل جديد.. وتدور رحي الايام..
[ صفحه 99]
پاورقي
[1] رکب أحمد بن الخطيب ذات يوم فتظلّم اليه متظلّم بقصّة فأخرج «ابن الخطيب»رجله من الرکاب فزجّ بها في صدر المتظلمّ فقتله فتحدّث الناس بذلک وقالبعض شعراء الزمان مخاطباً الخليفة:
اشکله عن رکل الرجال فإن ترد
مالاً فعند وزيرک الاموال
.
[2] مروج الذهب: 4/ 146 ط. بيروت لبنان مؤسسة الاعلمي.
[3] المصدر السابق: 4/ 145.
[4] البساط الذي کان مسرحاً لاغتيال المتوکل في منتصف الليل.
[5] الطبري: 7/ 408.
[6] المصدر السابق: 7 /405.
[7] الطبري: 7/ 413.
[8] تاريخ الخلفاء / 357.
[9] المصدر السابق.
[10] مروج الذهب: 4/ 142 والشاکرية مفردة تعود الي جذر فارسي فيما يبدو ولعلأصلها «شاگردية» لانها تعني الاجير، والخادم وقد اطلقت في بغداد علي الجنودالمرتزقة الذين يقاتلون في مقابل أجور محددة..
[11] المصدر السابق: 4/ 143.
[12] المصدر نفسه: 4/ 149.
[13] البحار: 50/ 126.
[14] المصدر السابق: 5/ 125.
[15] مروج الذهب: 4/ 146 ط. مؤسسة الاعلمي بيروت 1991م.
[16] الطبري: 7/ 414.
[17] تاريخ الخلفاء: 357.
[18] مروج الذهب: 4/ 146.
[19] تاريخ الخلفاء: 357.
[20] المصدر السابق.
[21] الطبري: 7/ 415.
[22] المصدر السابق: 7/ 417.
[23] موسوعة العتبات المقدسة سامراء: 12/ 95.
[24] قوات من «الشاکرية» الطبري: 7/ 418.
[25] البحار: 13/ 132.
[26] الکافي: 1/ 500.
[27] المصدر السابق وکان الامام الهادي قد کتب اليه بشأنها: «سوف تردّ اليک ومايضرک الاّ تردّ عليک» المصدر السابق.
[28] کان بغا لا يرتدي درعاً في القتال وعندما عُذل في ذلک قال: «رأيت في نوميالنبي صلي الله عليه و آله و سلم ومعه جماعة من اصحابه فقال لي: يا بغا! أحسنت اءلي في رجل منأمتي فدعا لک بدعوات استجيبت له فيک.. قال: فقلت: يا رسول الله ومن ذلکالرجل؟ قال: الذي خلّصته من السباع؛ فقلت يا رسول الله سل ربّک أن يطيلعمري.. فرفع يديه نحو السماء وقال: اللهم أطل عمره، وأتم أجله فقلت يارسول الله خمس وتسعون سنة، فقال رجل کان بين يديه: ويوقّي من الا´فات..
فقلت للرجل: من أنت؟ قال: أنا علي بن أبي طالب فاستيقظت من نومي وأنااقول: علي بن أبي طالب».
مروج الذهب: 4/ 174.
[29] تاريخ ابن الوردي المجلد الاول / 350.
[30] الکافي: 1/ 501.
[31] المصدر السابق، مروج الذهب: 4/ 156.
[32] الطبري: 7/ 420.
[33] نوع من الذئاب يعيش في صحاري آسيا الصغري.
[34] الطبري: 7/ 424.
[35] المصدر السابق.
[36] يحيي بن عمر بن يحيي بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين السبط بن علي بنأبي طالب.. أبو الحسين، أمّه فاطمة بنت الحسين بن عبدالله من حفيدات جعفر بن أبي طالب..
ثائر من أباة أهل البيت:، اشعل ثورته في عهد الطاغية العباسي المتوکل سنة235ه واتجه الي خراسان فردّه عبدالله بن طاهر الي بغداد، وتعرّض للتعذيبوزج في سجن المطبق الرهيب.. ثم أفرج عنه فيما بعد فاتجه الي الکوفة فيعهد «المستعين» واستطاع بعد أن حشد جهد المعارضة من السيطرة عليالمدينة فأطلق من فيها من السجناء، ورفع شعاره في البيعة الي الرضا من آلمحمد، فبايعه الناس وطرد نوّاب الخليفة، وعسکر في الفوجة، واشتبک معالجيش العباسي وانزل به هزيمة ساحقة.
وتدارکت اجهزة الدولة الخطر بارسال تعزيزات عسکرية هائلة وجرت قربالکوفة معارک ضارية لم تصمد فيها قوّات الثورة وهوي الثائر من فوق فرسهشهيداً فقطع رأسه وارسل الي المستعين.
کان حسن السيرة متديناً، يتمتع بساعدين مفتولين حتي انه اذا سخط علي أحدعبيده لوي حول عنقه طوقاً من الحديد فلا يحلّه غيره.
رثاه کثير من الشعراء من بينهم الشاعر ابن الرومي.
الطبري / حوادث سنة (235، 250) ه، مروج الذهب: 4/ 160.
[37] الطبري: 7/ 458.
[38] اشيع عن تمثال الفارس الذي يتربع فوق القبة الخضراء في قصر الذهب انهحيثما يشير برمحه فان هناک ثورة ما.
[39] الامام الهادي من المهد الي اللحد: 137.
[40] حياة الامام الحسن العسکري: 25.
[41] الطبري: 7/ 5.
[42] مروج الذهب: 4/ 190.
[43] المصدر السابق.
[44] المصدر نفسه.
[45] اثبات الوصية ط انصاريان ايران: 245.
[46] المصدر السابق.
[47] المصدر نفسه.
[48] الطبري: 7/ 511 ـ 512.
[49] المصدر السابق: 7/ 478.
[50] المصدر نفسه: 7/ 514.
[51] حياة الامام الهادي دراسة وتحليل: 163.
شهد مطلع النصف الثاني من القرن الثالث الهجري سلسلة من الثوراتوالقلاقل الداخلية.. کانت ثورة الزنوج في جنوب العراق اکثرها عنفا وأطولهازمناً اذ استمرت 15 سنة (255 ـ 270ه).
[52] محفظة نقود.
[53] يمکن دراسة المدونات الشيعية في کتاب الغيبة للشيخ الطوسي واکمال الدين، للشيخ الصدوق ودراسة الحقبة الزمنية التي اکتنفت حوادث مصرعالامبراطور ميخائيل الثالث ونهاية حکم الاسرة العمورية.
[54] سفر الرؤيا: 12/ 1، 5، الکتاب المقدس ط سنة 1983 بالاستناد الي عقيدة المسيح الدجال سعد أيوب: 100.
[55] الطبري: 7/ 376.
[56] وقعت بين (249 ـ 253) ه اشتباکات حدودية بين الروم والدولة الاسلامية راجعتاريخ «الطبري» حوادث الاعوام المذکورة وکذا تاريخ «ابن الاثير».
[57] الطبري: 7/ 512.
[58] المصدر السابق.
[59] کان السفير الاول للامام المهدي يعمل في تجارة الزيت واشتهر باسم السمّان.
الامام المهدي من المهد الي الظهور: 197.
[60] الطبري: 7/ 518.
[61] المصدر السابق: 519.
[62] جعفر المعروف بالکذاب ظهرت عليه دلالات الانحراف في حياة والده، خاصّةفي علاقاته مع موظفي البلاط وصداقته لبعض الشبّان النزقين.
[63] کان الامام الحسن العسکري شديد الشبه بوالده / اثبات الوصية: 243.
[64] بالرغم من تفاقم القلاقل الداخلية في الدولة الاسلامية فقد ظلّت موازين الفويفي الصراع مع الروم في صالح الاسلام، وکانت غارات الروم عادة ما تُمنيبالفشل والتنازل عن المزيد من الاراضي.
[65] فتاتان تعيشان في منزل الامام الهادي.
[66] الامام المهدي من المهد الي الظهور: 118.
[67] سفر الرؤيا: 12/ 13.
[68] کنز العمال: ج7، فرائد السمطين: ج2، بحار الانوار: 51/ 71.
[69] يصادف 1 محرم الحرام 254ه 1 کانون الثاني سنة 868 احداث التاريخالاسلامي: 2/ 129.
[70] ابن الاثير: 7/ 186 ـ 187.
[71] الطبري: 7/ 519.
[72] افغانستان في العصر الحاضر.
[73] مدينة تقع شرق ايران.
[74] مروج الذهب: 4/ 194.
[75] تاريخ الغيبة الصغري: 391.
[76] الغيبة للشيخ الطوسي: 215.
[77] ابن الاثير: 7/ 189، الطبري: 7/ 519.
[78] مروج الذهب: 4/ 86، دلائل الامامة للطبري: 216.
[79] الکافي / کتاب الاطعمة والاشربة.
[80] مروج الذهب: 4/ 184.
[81] الغيبة الصغري محمد الصدر: 259.
[82] حياة الامام علي الهادي دراسة وتحليل: 151.
[83] الحاوي للسيوطي: 2/ 223.
[84] تاريخ الغيبة الصغري: 132، کمال الدين: 2/ 427.
[85] لقب طلحة ب «الموفق» بعد نجاحه في ترکيع المستعين واجباره علي التنازل عنالخلافة / مروج الذهب.
[86] اثبات الوصية ط انصاريان: 243.
[87] المصدر السابق.
[88] جعفر الکذاب وکان مع الاسف طائشاً سبب الکثير من المتاعب لاخيه.
[89] يعتقد البعض بأن محنة أهل البيت: بدأت بعد وفاة النبي صلي الله عليه و آله و سلم واجتماع السقيفة الذي أسفر عن أقصاء الامام علي عن الخلافة وقد حصل ذلک يومالاثنين کما هو معروف.