بين الشوري و الديمقراطية
يعتبر مبدأ الشوري في الإسلام أصلاً أصيلاً في النظام الديني، فإذا کنا فيما مضي من الزمان نختار أئمتنا المراجع عن طريق الانتخاب العفوي، فإنّ عصرنا الراهن يؤکد الحاجة الماسة إلي استبدال تلکم الطريقة بطريقة أخري، وعبر صناديق الاقتراع مثلاً. فالقيادة الدينية لها ارتباط مباشر بمن لـه علاقة بالدين، وبالتالي فإن الإنسان المؤمن معنيٌ بالدرجة الأولي بمن يقوده وبمن يمثل هذا الدين فقهاً وعدالة وقدوةً.
وهذا يعني أن هذا المنحي سينتهي في الخاتمة الي تحويل المجتمع المسلم الي مجتمع إلهي بعد أن کانت قيادته إلهية، وهذا الواقع نفسه يجب أن يشمل طبيعة النخبة في المجتمع أو ما يطلق عليه بالحرکات الإسلامية السياسية، حيث لابد لها من قيادة مرجعية ميدانية تأخذ بزمام أمورها نحو العدل وسلوک الخير، لتتحاشي -بقيادتها تلک- احتمال الوقوع في الأخطاء والمطبات السياسية المحرّمة..
ولکنّ الديمقراطية -کما هو معروف- تأخذ مشروعيتها من الرأي العام وانتخاب الأکثرية، دون الأخذ بعين الاعتبار الوجهة الدينية والأخلاقية. ورغم ذلک فإننا لم نجد نظاماً ديمقراطياً مطلقاً في مکان ما من العالم فضلاً عن تطبيقاتها الفاشلة.
إنني اعتقد أنّ ما فصّلناه من طبيعة النظام السياسي الإسلامي يکاد لا يخفي علي عاقل، ولکن الأسف الشديد يغمر وجودنا حينما تختلط الثقافات وينهار البعض أمام ما يبهرهم من تطور مدني وصناعي حاصل في بلاد الغرب، فتضيع حقيقة الدين السمح واليسير عليهم، فيرفعون رايات الإبهام والإشکال علي شخصية العلماء والمراجع، رغم أن هؤلاء لم يدّعوا في يوم من الأيام أن لهم مکانة الأئمة المعصومين، وإني لعلي حيرة من أمر بعض الناس الذين يرفضون حاکمية وولاية الفقيه، فهل يرغبون بولاية المنافقين؟ وما هو البديل الذي يرونه مناسباً؟ فإن کانوا يريدون النظام، فالنظام لا يقوده سوي العلمـاء بحـلال الله وحرامـه، فهذا الشرط يتضمن باقي شروط الشخصية القيادية الطبيعية.
إن القـرآن الکريم يؤکـد قائلا: « مَا کَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْکِتَابَ وَالْحُکْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ کُونُوا عِبَاداً لِي مِن دُونِ اللّهِ وَلَکِن کُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا کُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْکِتَابَ وَبِمَا کُنْتُمْ تَدْرُسُونَ». فالحکمة في القيادة هي دعوة القائد للناس أن يکونوا ربانيين، لا أن يدعوهم لعبادته، إذ العبادة لله تعالي وحده.