بازگشت

تسلسل نظام الولاية


لقد خُلق الإنسان مدنياً بطبعه؛ أي أنّه يميل تلقائياً إلي أقرانه، ولا يمکن أن ينتظم هذا الميل دون وجود نظام وحکم يأخذان بيد هذا الإنسان المدني إلي مدارج الرقي والتقدم، ولا يمکن أن يؤدي هذا النظام وهذا الحکم وظيفته بالصورة المطلوبة والمرجّوة دون أن يکون رمز هذا الحکم إنساناً صالحاً وأصلحاً من بين أقرانه، ولا يکون الإنسان أصلحاً ما لم يکن أقرباً إلي خالقه، وکيف يحکم من يحکم وهو لمّا يولد بعد؟!

ولقد أجمع المسلمون علي وجود اثني عشر خليفة لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، ولکنهم اختلفوا في الرأي علي اسمائهم، فرأي الشيعة أنهم علي بن ابي طالب والحسن والحسين وتسعة من ذرية الحسين عليهم الصلاة والسلام، ورأي غير الشيعة أنّ خلافة رسول الله تختص بمن بايعهم الناس وانتخبوهم من قبل، ولکنهم أجمعوا أيضاً علي أنّ الإمام المهدي سيظهر في عهد من العهود ليملأ الأرض عدلاً کما ملئت بالجور من قبل، ولکنهم اختلفوا أيضاً بخصوص تحقق ولادته، فقالت الامامية بأنّه قد ولد بالفعل، وقال غيرهم انّه لمّا يولد بعد، وإنه من أولاد الرسول کما قالت الشيعة بهذا الخصوص.

أقول: إننا وبالاستناد الي الروايات المؤکدة الصادرة عن النبي والأئمة من بعده، فإنّ الإمام الثاني عشر قد ولد فعلاً، وإنّه قد اضطرّ الي الغيبة القسرية مرّتين، وإنّه قد أناب عنه في غيبته الأولي أربعةً من الوکلاء، إلا أنه أطلق الأمر في غيبته الکبري الي العلماء بالدين المطيعين لمولاهم المخالفين لأهوائهم، لقيادة الناس باعتبارهم وکلاءه العامّين في إفتاء الناس وقيادتهم نحو ما يريد الله لهم من خير وينهاهم عنه من شر.

ومن هنا، کان لابد من التأکيد علي عدم إمکان الفصل بين الولاية الإلهية والقيادة الدينية، وهکذا کان جميع الناس مدعوّين الي البحث عن قائد يتبعونه، وهذا ما يمکن تسميته بالنظـام المرجعي، حيث يسعي کلّ إنسان بالغ غير مجتهد في الأحکـام الي تقليد مرجع من المراجع، وهذا الأمر يعود الي قناعة الإنســان.

ولعل القضية الجديرة بالاهتمام البالغ أنّ مراجعنا العظام کان کلّ منهم - وفي خضم التطور الاجتماعي ومتطلبات الحياة- يفتي الناس ويقودهم تحت مظلّة الولاية الإلهية، وهذا ما يظهر جلياً للقارئ الفطن في کتبهم وتعابيرهم الدقيقة، لا سيما في باب القضاء منها، حيث يحددون وظائف الإمام باعتباره القائد المسؤول عن شؤون الناس.