«مَا کَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْکِتَابَ وَالْحُکْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ کُونُوا عِبَاداً لِي مِن دُونِ اللّهِ وَلَکِن کُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا کُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْکِتَابَ وَبِمَا کُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ، وَلاَ يَأْمُرُکُم أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلآئِکَةَ وَالنَّبِيِّيِنَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُکُمْ بالْکُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُم مُسْلِمُونَ ، وإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَآ ءَاتَيْتُکُم مِن کِتَابٍ وَحِکْمَةٍ ثُمَّ جَآءَکُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَکُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ ءَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَي ذَلِکُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَاْ مَعَکُم مِنَ الشَّاهِدِينَ ، فَمَن تَوَلَّي بَعْدَ ذَلِکَ فَاُوْلَئِکَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ، أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَاْلأرْضِ طَوْعاً وَکَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ» (آل عمران/79-83)

ليس من شک أن دين الله دين شامل وعام، فهو لا يختص بظرف زماني أو مکاني، تماماً کما هو الحال بالنسبة لنعم الله وبرکاته علي عباده. وعليه فإن دين الله لا يرتبط بالنظام السياسي الحاکم بأي وجه من الوجوه، حتي وإن کان هذا النظام السياسي غير منبثق عن الدين، فالإنسان مکلّف بأداء تعاليم الدين في مختلف الظروف والأحوال حسب الوسع والإمکان.

وهذه الحقيقة لا تعني افتقار الدين الي نظام سياسي، بل العکس هو الصحيح تماماً، إذ أن أعظم ما في الدين نظامه السياسي الذي شرّعه للبشرية، هذا النظام الذي يأخذ من الولاية الإلهية التي أنزلها الله وحدّدها قبل ان يخلق الخلق، معتمداً ومتّکأ.

فالله تبارک وتعالي جعل في الأرض خليفة، ثم خلق الناس؛ الناس الذين خلقهم في عالم النسل والذرية، فهؤلاء لم يخلقهم إلا بعد أن عين لهم خليفة، وهو صفوة الله أبونا آدم عليه السلام. وقد بعث الله مائة وأربعة وعشرين الف نبي ورسول وأرفدهم بالأسباط والأئمة ليکونوا خلفاء وأئمة مطاعين بإذن الله، ولا يوجد أکثر صراحة من الآية القرآنية الکريمة في هذا المجال، حيث تقول: «وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بإِذْنِ اللّهِ».

وهکذا فإنّ ما من رسول أو نبي بعثه الله إلا وکان يحمل مشروعاً سياسياً للمجتمع الإنساني. والناس بين هذا وذاک مخيّرون في الاهتداء والاقتداء بقيادة السماء المنتخبة لهم أو عدم الاهتداء والاقتداء. فکانت لله الحجّة البالغة علي الذين أعرضوا عن الإيمان بهذه الحقيقة الواضحة وضوح الشمس.

فلقد ختم الله رسالات الأنبياء برسالة نبينا محمد صلي الله عليه وآله وسلم، فکان خاتم الأنبياء والمرسلين، کما ختم مهمة الأوصياء والأئمة بإمامة الحجة بن الحسن المهدي الموعود عجل الله فرجه الشريف، الذي جعله للناس کما الشمس في رابعة النهار، فإن حجبت الغيوم الداکنة ضوء الشمس، فلا يعني انعدام الشمس، فهي تبقي قائمة بوظائفها وباعثة لأشعتها. ومن يغلق دون أشعة الشمس نوافذ بيته، فلا يحرم إلاّ نفسه من الاستفادة منها. ومثل الإمام الحجة المنتظر مثل القرآن، تضيء بصائره العقول، وتعالج مناهجه وتعاليمه المشاکل والأزمات.. غير أن أکثر الناس يحجمون عن الاستفادة منه.

فهل - بعد کل ذلک- تکون الحجة للناس علي الله، أم لله الحجة عليهم؟

بالتأکيد کانت وتکون الحجة البالغة لله علي الناس. فلقد أنزل القرآن الذي ان تمسکت البشرية بمعانيه ومناهجه لسقيت ماءً غدقا. وکذلک واقع حجة الله في أرضه الإمام المهدي المنتظر، فهو عدل القرآن، وهو القرآن الناطق دون أدني شک.