بازگشت

بقية الله خير لکم


« بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَکُمْ إِن کُنتُـم مُؤْمِنِينَ وَمَآ أَنَاْ عَلَيْکُمْ بِحَفِيـظٍ» (هود/86)

يعيش المسلمون في هذا العصر وفي هذا الظرف الحساس تحديات خطيرة، منها ما هي تحديات مادية تحيط بأجسامهم وبلادهم، ومنها ما هي تحديات وأخطار روحية ومعنوية تحيط بقيمهم ورسالتهم..

ولا يغيب عنا ان العديد من البلدان الإسلامية تعاني من خطر الإدمان علي المخدرات، هذه اللّعنة التي أخذت وقضت علي کثير من شبابنا، حتي أن بلداً إسلامياً واحداً فقط يوجد فيه حوالي خمسة ملايين مدمن..

وتواجـه العديـد من بلدان المسلمين خـطر الحروب حتي قيل مؤخّراً أن الغربيين قد جاءوا بالقنبلة النووية إلي منطقة الخليج، وهم لم يأتوا بها للقضاء علي سلطة صدام طبعاً، إذ هي صنيعتهم دون أدني شک؛ فهي -إذن- موجّهة ضد الشعوب المسلمة في هذه المنطقة، القنبلة التي يزيد تأثيرها علي مفعول قنبلة هيروشيما خمسين مرة، علماً أن هذه الأخيرة قد قضت علي مائتي ألف إنسان ياباني في مدة لا تتجاوز ربع الثانية وحولتهم إلي رماد ودخان.

ونحن نواجه أيضاً خطر الهجوم الثقافي الغربي الشرس علي قيمنا وعقولنا؛ فهذه الأقمار الصناعية بلغ عددها أکثر من خمسمائة قمر صناعي متناثرة في الفضاء، تبث في کل يوم عشرات الآلاف من الأفلام الرذيلة. فهم أدخلوا العهر والفساد والميوعة إلي عقر ديارنا ومخادع نومنا، وأولادنا لم يعودوا أولادنا، بل هم أولاد الغربيين قبل کل شيء، لأنهم هم الذين يربّونهم، وهم الذين يستولون علي أرواحهم وعقولهم وإرادتهم.

ونحن نواجه مخاطر الجفاف وشحّة الأمطار والمحاصيل الزراعية، بسبب ضعف البني التحتية لاقتصادياتنا.

فبماذا نواجـه هذه المخاطـر وغيرها؟ وإلي أي موقـع نلجأ؟

هل نلجأ إلي أميرکا أم روسيا أم أوروبا؟

ويجيبنا الله تبارک وتعالــي عن کل ذلک بقولـه الکريــم: « بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَکُمْ»

فحسب ما نستفيده من بعض النصوص القرآنية وروايات أهل البيت عليهم السلام أن الله عزّ وجل قد نصب الجبال في الأرض لحفظ توازنها ومنعها عن الميلان، لأنها بمثابة المرساة التي تحافظ علي توازن السفينة، ولکن من يحفظ سکان الأرض من الدمار والانهيار والضياع؟

إنه الإمام الغائب؛ الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه، فهو الإمام لأهل الأرض، ولولاه لساخت الأرض بأهلها، ولتحول کل شيء إلي کثيب مهيل.

ولکن لا يکفي في أي حال من الأحوال الادعاء بالإيمان بهذا الإمام العظيم، بل لابد من التمسّک بحبله؛ تماماً کمن کان غريقاً تتلاقفه أمواج البحر العاتية، لا يکفيه النظر إلي خشبة طافية فوق سطح الماء، وإنما يتوجّب عليه امتطاء تلک الخشبة.

والله جل وعلا قد أمرنا بالتمسک بالقرآن وبأهل البيت عليهم السلام، حيث قال: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً» وأهل البيت هم لا غيرهم سفن النجاة، مَن رکبها نجا ومن تخلّف عنها غرق وهوي.

فيا تري کيف نتمسک بحبل الله، وکيف نرکب سفينة النجاة؟

ولتعلم - أخي المسلم - قبل کل شيء أن الإمام الحجة المنتظر أقرب إليک مما تظن، وهو عندک وأنت عنده.. ولکنک أنت الذي تحاول التهرب منه بسبب ما تقترفه من ذنوب وأخطاء..

وقد روي عـن سماعة عن الإمام الصادق عليه السلام قال: سمعته يقول: مالکم تسوؤن رسول الله صلي الله عليه وآله؟ فقال لـه رجل: کيف نسوؤه؟ فقال: اما تعلمون ان أعمالکم تعرض عليه، فإذا رأي فيها معصية ساءه ذلک، فلا تسوؤا رسول الله صلي الله عليه وآله وسرّوه [1] .

إذن فالرسول والأئمة يسوؤهم أن يروا في قوائم أعمال محبيهم ذنوباً، کشرب الخمر وسماع الأغاني والغيبة والتهمة والنميمة والتفرقة والعصبية والخمول والتهرب من الجهاد.

إذن؛ فإن ارتکاب الذنوب إذا کان يحجب العبد العاصي عن ربه، فکذلک هو يحجب عن أولياء الله وأحبائه.

إن اختراق الحجب الفاصلة بين المؤمنين وإمامهم يتيسّر عبر الالتزام بهذه النقاط التالية:

1- هجر الذنوب والتوبة إلي الله سبحانه وتعالي منها، وعدم القنوط من رحمة الله، وعدم الاستخفاف بمنزلة أولياء الله.

2- الإکثار من ضمانات الأمن، کبناء المساجد والحسينيات والمدارس العلمية، فهي کما الأعمدة في البناء تحافظ عليه،وهي کالسور الذي يدافع ويحصن المدينة.

3- الاهتمام بتربية الأولاد تربية صحيحة، إذ في ذلک ضمانة لاستمرار الدين في الحياة. فالإنسان مسؤول في الدنيا والآخرة عن تربية أولاده، قبل أن يکون مسؤولاً عن توفير لقمة العيش لهم، لا سيما إذا عرفنا أن الله سبحانه وتعالي يخلق الإنسان ويکتب رزقه له، وبالتالي فإن الوالدين يتوجّب عليهما قبل کل شيء تقريب أولادهما إلي تعاليم القرآن وتعاليم النبي وأئمة أهل البيت عليه وعليهم السلام، ليوفروا بذلک ضمانة عدم انحرافهم أو تقليل فرص الضلال التي يخلقها أعداؤهم لهم.

إننا في عصر الغيبة مدعوون إلي مزيد من التوجه إلي إمامنا الحجة بـن الحسن عليهما السلام، حتي أن في بعض الروايات تأکيد علي مخاطبته بلقب بقية الله، ولعل السبب في ذلک يعود إلي أن مائة وأربعة وعشرين ألف نبي قد أدّوا أدوارهم المقدسة ورفعهم الله مکاناً عليّاً، وأن أضعاف هذا العـدد من الأوصياء قد انتهي دورهم، ولم يبقَ لنا من حبل بـين السماء والأرض سوي هذا الإمام العظيم بعد کتاب الله المجيد؛ فلنتمسک به ونتوجه إليه، ونطلب منه أن يکون وسيلتنا وشفيعنا إلي الله سبحانه وتعالي..


پاورقي

[1] بحار الانوار، ج17، ص131، ح5.