بازگشت

کلام الشيخ الصدوق في الآية


الخليفة قبل الخليقة

قال الشيخ الصدوق رحمه الله في مقدمة کتابه: أمّا بعد فان اللَّه تبارک وتعالي يقول في مُحکَم کتابه: «وإذ قال ربُّک للملائکة إنّي جاعلٌ في الأرض خليفة» فبدأ عزّوجلّ بالخليفة قبل الخليقة، فدلّ ذلک علي أنّ الحکمة في الخليفة أبلغ من الحکمة في الخليقة،، فلذلک ابتدأ به لأ نّه سبحانه حکيم، والحکيم مَن يبدأ بالأهمّ دون الأعمّ، وذلک تصديق قول الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام حيث يقول: «الحجّة قبل الخلق ومع الخلق، وبعد الخلق» ولو خلق اللَّه عزّوجلّ الخليقة خُلواً من الخليفة، لکان قد عرّضهم للتلف، ولم يردع السفيه عن سفهه بالنوع الّذي توجب حکمته من إقامة الحدود وتقويم المُفسِد، واللحظة الواحدة لا تسوِّغ الحکمة ضرب صفح عنها، إنّ الحکمة تعمُّ کما انّ الطاعة تعمّ، ومَن زعم أنّ الدنيا تخلو ساعة من إمام، لزمه أن يصحّح مذهب البراهمة في إبطالهم الرسالة، ولولا أنّ القرآن نزل بأنّ محمّداً صلي الله عليه وآله خاتم الأنبياء، لوجب کَون رسول في کل وقت، فلمّا صح ذلک لارتفع معني کون الرسول بعده، وبقيت الصورة المستدعية للخليفة في العقل، وذلک أنّ اللَّه تَقَدس ذِکره لا يدعو إلي سبب إلّا بعد أن يصوِّر في العقول حقائقه، واذا لم يصوّر ذلک، لم تنسق الدعوة ولم تثبت الحجّة، وذلک أنّ الأشياء تألف أشکالها، وتنبو عن أضدادها. فلو کان في العقل إنکار الرسل، لما بعث اللَّه عزّوجلّ نبيّاً قطّ.

مثال ذلک الطبيب يعالج المريض بما يوافق طباعه، ولو عالجه بدواءٍ يخالف طباعه أدّي ذلک إلي تلفه، فثبت أنّ اللَّه أحکم الحاکمين لا يدعو إلي سبب إلّا وله في العقول صورة ثابتة، وبالخليفة يُستدلّ علي المستخلف کما جرت به العادة في العامّة والخاصّة، وفي المتعارف متي استخلف ملک ظالماً، استدلّ بظلم خليفته علي ظلم مستخلفه، وإذا کان عادلاً استدلّ بعدله علي عدل مستخلفه، فثبت أنّ خلافة اللَّه توجب العصمة، ولا يکون الخليفة إلّا معصوماً.