بازگشت

کلام الشيخ الصدوق في الغيبة


قال الشيخ الصدوق في المراد من الغَيبة قال: ولقد کلّمني رجل بمدينة السلام فقال لي: إنّ الغَيبة قد طالت، والحيرة قد اشتدّت، وقد رجع کثير عن القول بالإمامة لطول الأمد، فکيف هذا؟ فقلت له: إنّ سُنّة الأوّلين في هذه الاُمّة جارية حَذو النعل بالنعل، کما رُوي عن رسول اللَّه صلي الله عليه وآله في غير خبر، وأنّ موسيعليه السلام ذهب إلي ميقات ربِّه علي أن يرجع إلي قومه بعد ثلاثين ليلة فأتمّها اللَّه عزّوجلّ بعشرة، فتمّ ميقات ربّه أربعين ليلة، ولتأخّره عنهم فضل عشرة أيّام علي ما واعدهم، استطالوا المدّة القصيرة وقست قلوبهم وفسقوا عن أمر ربهم عزّوجلّ وعن أمر موسيعليه السلام، وعصوا خليفته هارون واستضعفوه وکادوا يقتلونه، وعبدوا عجلاً جسداً له خوار من دون اللَّه عزّ وجلّ، وقال السامريّ لهم: «هذا إلهکم وإله موسي» [1] وهارون يعظهم وينهاهم عن عبادة العجل ويقول: «يا قومِ إنّما فُتنتم به وإنّ ربَّکم الرحمنُ فاتّبعوني وأطيعوا أمري - قالوا لن نبرحَ عليه عاکفينَ حتّي يرجع إلينا موسي» [2] «ولمّا رجع موسي إلي قومه غضبان أسِفاً قال بئسما خَلَفتُموني من بعدي أعجِلتم أمرَ ربّکم وألقي الألواحَ وأخذ برأسِ أخيه يجرّه إليه». [3] .

والقصّة في ذلک مشهورة، فليس بعجيب أن يستطيل الجهّال من هذه الاُمّة مدّة غيبة صاحب زمانناعليه السلام، ويرجع کثير منهم عمّا دخلوا فيه بغير أصل وبصيرة، ثمّ لا يعتبرون بقول اللَّه تعالي ذِکره حيث يقول: «ألَمْ يأنِ للّذين آمَنوا أن تخشعَ قلوبُهم لذِکر اللَّه وما نزل من الحقّ ولا يکونوا کالّذين أُوتوا الکتابَ مِن قَبلُ فطال عليهم الأَمَدُ فَقَست قلوبُهم وکثير منهم فاسقون». [4] فقال [الرجل]: وما أنزل اللَّه عزّوجلّ في کتابه في هذا المعني؟ قلت: قوله عزّوجلّ: «الم ذلک الکتاب لا رَيب فيه هُديً للمتّقين - الّذين يؤمنون بالغَيب» يعني بالقائم عليه السلام وغيبته...

وقد کلّمني بعضُ المخالفين في هذه الآية فقال: معني قوله عزّوجلّ: «الّذين يؤمنون بالغيب» أي بالبعث والنشور وأحوال القيامة؛ فقلت له: لقد جهلتَ في تأويلک وضللت في قولک، فإنّ اليهود والنصاري وکثيراً من فِرق المشرکين والمخالفين لدين الإسلام يؤمنون بالبعث والنشور والحساب والثواب والعقاب، فلم يکن اللَّه تبارک وتعالي ليمدح المؤمنين بمدحةٍ قد شرکهم فيها فِرق الکفر والجُحود، بل وصفهم اللَّه عزّوجلّ ومدحهم بما هو لهم خاصّة، لم يشرکهم فيه أحد غيرهم.


پاورقي

[1] طه: 88.

[2] طه: 90 و 91.

[3] الأعراف: 150.

[4] الحديد: 16.