بازگشت

شبهات حول المهدي


و من الطبيعيّ أن تتعرّض مسألة المهدي المنتظر - لأهمّيتها و حيويّتها - لتشکيک الأعداء والمعاندين، شأنها في ذلک شأن عقائد المسلمين الأخري؛ فقد سعي أعداء الأمّة الإسلاميّة الّذين شکّکوا في قرآنها الکريم، و طعنوا في نبيّها المرسل صلي الله عليه وآله، و الّذين هزئوا دوماً بإيمان المسلمين بالغَيب، و استبعدوا حقيقة ظهور المعجزات علي يدَي النّبيّ الکريم؛ سعوا إلي التشکيک في مسألة المهدي، و عدّوا انتظاره ممّا لا طائل بعده، و تجاوزوا ذلک إلي اعتبار أمره من الأساطير! مع أنّ علماءهم قد اعترفوا قبل ذلک - علي مضض - بسموّ الحضارة الإسلاميّة بين حضارات العالم، و بکونها الحضارة الوحيدة المرشّحة لاحتلال دورٍ رياديّ في عالمنا المعاصر، و أقرّ أحدهم بأنّ الفکر الإسلاميّ الشيعيّ حيّ تبعاً للإيمان بفکرة الإمام الحيّ، يعني المهدي عليه السلام. [1] و قد سعي البعض الآخر من أعداء الأمّة إلي تکرار شبهات أثارها البعض في مراحل متقدّمة حول مسألة المهدي، مع أنّ علماء الفريقين قد ناقشوا تلک الشبهات و بيّنوا بُطلانها. من أمثال أنّ المهدي هو عيسي عليه السلام [2] ؛ و أ نّه من ولد الحسن عليه السلام [3] ؛ و أنّ اسم أبيه کاسم أب النّبيّ عليه السلام. [4] و تساءل بعضهم - في تشکيک - عن عمره الطويل، و عن الحکمة في غيبته؛ بل أنکر بعضهم ولادته أصلاً، و قال: إنّ مسألة المهدي لا تعدو أن تکون أمراً تواطأ عليه علماء الشيعة في القرن الرابع الهجريّ لحفظ کيان الشّيعة و صونهم عن التفرّق و التمزّق!... [5] إلي سواها من التخرّصات الّتي لا تستند إلي حجّة و لا يعضدها دليل.

وهذا الأثر الذي يقدّمه مجمع البحوث الإسلاميّة إلي القرّاء الأعزّاء اليوم إنّما هو مساهمة في ترسيخ هذا المعتقَد الأصيل من المعتقدات الإسلاميّة، کما نطق به القرآن الکريم والأحاديث التفسيريّة والأحاديث المبشِّرة بظهور الإمام المهدي عليه السلام و بقيام دولته العالميّة المرتقَبة: نسأل اللَّه عزّوجلّ أن نفع به، و أن يوفّق المؤلّف الفاضل لِما يحبّه و يرضاه.


پاورقي

[1] الفيلسوف هنري کاربُن: «الشمس الساطعة» ص 70 و محاورته مع العلّامة الطباطبائيّ صاحب تفسير الميزان.

[2] اعتماداً علي حديث رواه ابن ماجة بإسناده عن محمّد بن خالد الجنديّ، عن أبان بن أبي صالح، عن الحسن، عن أنس عن النّبيّ صلي الله عليه وآله. و قد ذکر الحاکم في «المستدرک علي الصحيحين» (440:4) نقلاً عن صامت بن معاذ أ نّه طلب الحديث فوجده عن محمّد بن خالد الجنديّ، عن أبان بن أبي عيّاش (المعروف بوضع الحديث) و ليس عن أبان بن أبي صالح. ثمّ قال الحاکم: فذکرت ما انتهي إليّ من علّة هذا الحديث تعجّباً، لا محتجّاً به في «المستدرک علي الشيخين».

[3] بناءً علي رواية يرويها أبوإسحاق السبيعيّ المدلّس عامل بني أميّة، عن أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، علي الرغم من انقطاعها، و علي الرغم من أنّ أباإسحاق لم يرَ أميرالمؤمنين عليه السلام، فقد کان عمره حين استُشهدعليه السلام لا يزيد علي السنتين. انظر ترجمته في «التهذيب» 63:8 - 67، و غيره و قد روّج لهذه الرواية مويّدو مهدويّة محمّد بن عبداللَّه بن الحسن المثنّي.

[4] مستندين في ذلک إلي رواية مختلقة روّج لها العبّاسيون في بداية أمرهم لدعم مهدويّة المهدي العبّاسيّ فأخذوا بها علي الرغم من أنّ مروّج هذه النّظريّة: المنصور العبّاسيّ قد اعترف حين توطّد مُلکه بأنّ ابنه محمّد بن عبداللَّه ليس هو المهدي الّذي جاءت بذکره الروايات، و أ نّه إنّما سمّاه المهدي تيمّناً. انظر «مقاتل الطّالبيّين» ص 166.

[5] سيأتي الکلام في هذا الکتاب عن عمر الإمام المهدي عليه السلام و الحکمة في غيبته، و عن ولادته و النّصّ عليه من النّبيّ صلي الله عليه وآله و من أئمّة أهل البيت عليهم السلام.