سوره تغابن
الآية الاولي قوله تعالي: «زَعَم الّذين کَفَروا أن لن يُبعَثوا قُل بَلي وَ رَبِّي لَتُبعَثُنَّ ثُمّ لَتُنَبَّؤُنّ بِما عَمِلتُم و ذلک عَلي اللَّهِ يَسير». [1] .
983 - روي السيّد ابن طاووس رحمه الله قال: ذکر أبو جعفر محمّد بن جرير الطبريّ صاحب التأريخ، وهو من علماء الجمهور، بإسناده:
أنّ معاوية أقبل يوماً علي بني هاشم، فقال: أ نّکم تريدون أن تستحقّوا الخلافة بما استحققتم به النبوّة ولم تجتمعا لأحد، ولعمري إنّ حجتکم في الخلافة مشتبهة علي الناس، إنّکم تقولون: نحن أهل بيت اللَّه، فما بال محلّها ونبوّته في غيرنا، وهذه شبهة لها تمويه، وإنّما سمّيت الشبهة شبهة، لأ نّها تشبه الحقّ حتّي تعرف؛ وإنّما الخلافة تتقلّب في أحياء قريش برضي العامّة وشوري الخاصّة، فلم يقل الناس: ليت بني هاشم ولونا، ولو أنّ بني هاشم ولونا لکان خيراً لنا في ديننا ودنيانا، فلا هم اجتمعوا عليکم، ولا هم إذا اجتمعوا علي غيرکم يمنعوکم، ولو زهدتم فيها أمس لم تقاتلونا عليها اليوم، وقد زعمتم أنّ لکم ملکاً هاشميّاً ومهدياً قائماً، والمهدي عيسي ابن مريم، وهذا الأمر في أيدينا حتّي نسلّمه إليه، ولعمري لئن ملکتم ما ريح عاد ولا صاعقة ثمود بأهلک للناس منکم، ثمّ سکت!!
فقام فيهم عبداللَّه بن عبّاس، فحمد اللَّه وأثني عليه، ثمّ قال: أمّا قولک: إنّا لا نستحقّ الخلافة بالنبوّة، فإذا لم نستحقّ الخلافة بالنبوّة، فبم نستحق؟
وأمّا قولک: إنّ النبوّة والخلافة لم تجتمعا لأحد، فأين قول اللَّه عزّوجلّ: «فَقَد آتينا آلَ إبراهيمَ الکِتابَ و الحِکمةَ و آتيناهم مُلکاً عَظيماً» [2] ، فالکتاب: النبوّة، والحکمة: السنّة، والملک: الخلافة، نحن آل إبراهيم، أمر اللَّه فينا وفيهم واحد، والسنّة فينا وفيهم جارية.
وامّا قولک: إنّ حجّتنا مشتبهة فهي واللَّه أضوأ من الشمس، وأنور من القمر، وإنّک لتعلم ذلک، ولکن ثني عطفک، وصعّر خدّک، قتلْنا أخاک وجدّک وعمّک وخالک!! فلا تبکِ علي عظام حائلة وأرواح زائلة في الهاوية! ولا تغضبنّ لدماء أحلّها الشرک ووضعها الإسلام.
فأمّا ترک الناس أن يجتمعوا علينا، فما حُرموا منّا أعظم ممّا حُرمنا منهم، وکلّ أمر إذا حصل حاصلُه ثبت حقّه وزال باطله.
وأمّا قولک: «إنّا زعمنا أنّ لنا ملکاً مهدياً»، فالزعم في کتاب اللَّه شکّ، قال اللَّه سبحانه وتعالي: «زَعَم الَّذين کَفَروا أن لن يُبعَثوا قُل بَلي و ربِّي لتُبعَثُنّ» [3] فکلّ يشهد أنّ لنا ملکاً لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد ملّکه اللَّه فيه. وأنّ لنا مهدياً لو لم يبق إلّا يوم واحد، بعثه لأمره يملأ الأرض قسطاً وعدلاً کما ملئت جوراً وظلماً، لا يملکون يوماً إلّا مَلَکنا يومين، ولا شهراً إلّا ملکنا شهرين، ولا حولاً إلّا ملکنا حولَين.
وأمّا قولک: إنّ المهدي عيسي ابن مريم، فإنّما ينزل عيسي علي الدجّال، فإذا رآه ذاب کما تذوب الشحمة، والإمام رجل منّا يصلّي عيسي خلفه لو شئت سمّيته.
وأمّا ريح عاد وصاعقة ثمود، فإنّها کانتا عذاباً، ومُلکنا رحمة.
وأضاف السيّد ابن طاووس قائلاً: ولم يذکر أنّ معاوية أقدم علي ردّ عبداللَّه ابن عبّاس عن هذا الجواب. [4] .
984 - وروي السيّد ابن طاووس رحمه الله قال: فيما نذکره أيضاً من کتاب محمّد بن جرير الطبريّ، الّذي سمّاه عيون أخبار بني هاشم، ومناظرة عبداللَّه بن عبّاس لمعاوية في إثبات أمر المهدي.
فقال ابن عبّاس لمعاوية ما لفظه:
أقول: إنّه ليس حيّ من قريش يفخرون بأمر، إلّا وإلي جانبهم من يشرکهم فيه، إلّا بني هاشم، فانّهم يفخرون بالنبوّة الّتي لا يشارکون فيها ولا يساوون فيها ولا يدافعون عنها، وأشهد أنّ اللَّه تعالي لم يجعل من قريش محمّداً إلّا وقريش خير البريّة، ولم يجعله من بني هاشم إلّا وهاشم خير قريش، ولم يجعله من بني عبدالمطّلب إلّا وهم خير بني هاشم، ولسنا نفخر عليکم إلّا بما تفخرون به علي العرب، وهذه اُمّة مرحومة، فمنها نبيّها ومهديها ومهدي آخرها من أوّلها، لأنّ بنا فتح الأمر وبنا يختم، ولکم ملک مُعجَّل ولنا مُلک مؤجل، فإن يکن ملککم قبل ملکنا، فليس بعد مُلکنا ملک، لأ نّا أهل العاقبة، والعاقبة للمتقين. [5] .
الآية الثانية قوله تعالي: «وأَطيعُوا اللَّهَ وأَطيعُوا الرسولَ فإن تَوَلَّيتم فإنّما عَلي رَسولِنا البَلاغُ المُبين». [6] .
985 - روي ثقة الإسلام الکلينيّ قدس سره بإسناده عن الحسين بن نعيم الصحّاف، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: سألته عن قوله: «وأَطيعُوا اللَّهَ وأَطيعُوا الرسولَ فإن تَوَلَّيتم فإنّما عَلي رَسولِنا البَلاغُ المُبين» فقال: أما واللَّه ما هلک مَن کان قبلکم وما هلک من هلک حتّي يقوم قائمنا عليه السلام إلّا في ترک ولايتنا وجحود حقّنا، وما خرج رسول اللَّه صلي الله عليه وآله من الدنيا حتّي الزم رقاب هذه الاُمّة حقّنا، واللَّه يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم. [7] .
پاورقي
[1] التغابن: 7.
[2] النساء: 54.
[3] التغابن: 7.
[4] الملاحم و الفتن 117-115 ب 27؛ عن فتن السليليّ.
[5] التشريف بالمنن 241-240 ب 28.
[6] التغابن: 12.
[7] تأويل الآيات 161:1 ح 20؛ تفسير البرهان 343:4 ح 1، و المتن مأخوذ منه.