سوره فاطر
الآية الاولي قوله تعالي: «ثمّ أورَثنا الکتابَ الّذينَ اصطَفَينا مِن عِبادِنا فمِنهم ظالمٌ لِنَفسهِ و مِنهم مُقتَصِدٌ و مِنهم سابقُ بِالخَيرات بإذنِ اللَّه ذلک هو الفَضل الکَبيرُ». [1] .
768 - روي بالإسناد عن يونس بن ظبيان، قال: دخلت علي الصادق جعفر بن محمّدعليه السلام فقلت: يابن رسول اللَّه انّي دخلت علي مالک وأصحابه وعنده جماعة يتکلّمون في اللَّه، فسمعت بعضهم يقول: إنّ للَّه وجهاً کالوجوه، وبعضهم يقول: له يدان، واحتجّوا لذلک بقول اللَّه تبارک وتعالي: «بِيَدَيّ اَستَکبَرتَ» [2] ، بعضهم يقول: هو کالشاب من أبناء ثلاثين سنة! فما عندک في هذا يابن رسول اللَّه؟
وکان متّکئاً، فاستوي جالساً وقال: اللهمّ عفوک عفوک، ثمّ قال: يايونس، مَن زعم أنّ للَّه وجهاً کالوجوه فقد أشرک، ومَن زعم أنّ للَّه جوارح کجوارح المخلوقين فهو کافر باللَّه ولا تقبلوا شهادته ولا تأکلوا ذبيحته، تعالي اللَّه عمّا يصفه المشبّهون بصفة المخلوقين، فوجه اللَّه أنبياؤه وأولياؤه.
وقوله: «خَلَقتُ بِيَدَيّ اَستَکبَرتَ» فاليد القدرة کقوله تعالي: «وأَيَّدَکُم بِنَصره» [3] فمن زعم أنّ اللَّه في شي ء أو علي شي ء، أو يحول من شي ء إلي شي ء، أو يخلق منه شي ء، أو يشغل به شي ء، فقد وصفه بصفة المخلوقين، واللَّه خالق کلّ شي ء، لا يُقاس بالقياس، ولا يُشبّه بالناس، لا يخلو منه مکان، ولا يشغل به مکان، قريب في بُعده بعيدٌ في قُربه، ذلک ربّنا لا إله غيره، فمن أراد اللَّه وأحبّه ووصفه بهذه الصفة، فهو من الموحّدين، ومن أحبّه ووصفه بغير هذه الصفة فاللَّه منه بري ونحن منه براء.
ثمّ قال عليه السلام: إنّ اُولي الألباب، الّذين عملوا بالفکرة حتّي ورثوا منه حبّ اللَّه، فإنّ حبّ اللَّه إذا ورثه القلب وإستضاء به أسرع إليه اللطف، فإذا نزل منزلة اللطف صار من أهل الفوائد، فإذا صار من أهل الفوائد تکلّم بالحکمة، فإذا تکلّم بالحکمة صار صاحب فطنة، فإذا نزل منزلة الفطنة عمل في القدرة، فإذا عمل في القدرة عرف الأطباق السبعة، فإذا بلغ هذه المنزلة صار يتقلّب في فکره بلطف وحکمة وبيان، فإذا بلغ هذه المنزلة جعل شهوته ومحبّته في خالقه، فإذا فعل ذلک نزل المنزلة الکبري فعاين ربّه في قلبه وورث الحکمة بغير ما ورثه الحکماء، وورث العلم بغير ما ورثه العلماء، وورث الصدق بغير ما ورثه الصدّيقون، إنّ الحکماء ورثوا الحکمة بالصمت، وإنّ العلماء ورثوا العلم بالطلب، وإنّ الصدّيقين ورثوا الصدق بالخشوع وطول العبادة، فمن أخذه بهذه السيرة إمّا أن يسفل وإمّا أن يرفع، وأکثرهم الّذي يسفل ولا يرفع، إذ لم يرع حقّ اللَّه ولم يعمل بما أُمر به، فهذه صفة مَن لم يعرف اللَّه حقّ معرفته ولم يحبّه حقّ محبته، فلا يغرنّک صلاتهم وصيامهم ورواياتهم وعلومهم، فانّهم حُمُر مُستنفرة.
ثمّ قال: يايونس إذا أردت العلم الصحيح فعندنا أهل البيت، فإنّا ورثناه وأُوتينا شرع الحکمة وفصل الخطاب.
فقلت: ياابن رسول اللَّه وکلّ مَن کان مِن أهل البيت وَرث کما ورثتم من کان من ولد عليّ وفاطمةعليهما السلام؟
فقال: ما ورثه إلّا الأئمّة الإثنا عشر.
قلت: سمّهم لي ياابن رسول اللَّه.
قال: أوّلهم عليّ بن أبي طالب، وبعده الحسن والحسين، وبعده عليّ بن الحسين، وبعده محمّد بن عليّ الباقر، ثمّ أنا، وبعدي موسي ولدي، وبعد موسي عليّ ابنه، وبعد عليّ ابنه محمّد، وبعد محمّد عليّ ابنه، وبعد عليّ الحسن إبنه، وبعد الحسن الحجّة صلوات اللَّه عليهم، إصطفانا اللَّه وطهّرنا واُوتينا ما لم يؤتِ أحداً من العالمين... الحديث. [4] .
769 - وعنه بإسناده عن ابراهيم، عن أبيه، عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام، قال: قلت له: جعلت فداک أخبرني عن النبيّ صلي الله عليه وآله ورث النبيِّين کلّهم؟ قال: نعم: قلت: من لدن آدم حتّي انتهي الي نفسه؟! قال: ما بعث اللَّه نبيّاً إلّا ومحمّد صلي الله عليه وآله أعلم منه.
قال: قلت: وإنّ عيسي ابن مريم کان يُحيي الموتي بإذن اللَّه تعالي؟
قال: صدقت، وسليمان بن داود کان يفهم منطق الطير، وکان رسول اللَّه صلي الله عليه وآله وسلم يقدر علي هذه المنازل. قال: فقال: إنّ سليمان بن داود قال للهدهد حين فقده وشکّ في أمره فقال: «مَا لِيَ لَا أَري الهُدهُدَ أم کانَ مِن الغائِبين» [5] حين فقده وغضب عليه فقال: «لَأُعِذّبَنّه عَذاباً شديداً أو لَأَذبَحَنّه أَو لَيأتِيَنّي بسُلطان مُبين» [6] وإنما غضب لأ نّه کان يدلّه علي الماء، فهذا وهو طائر قد أُعطي ما لم يُعطَ سليمان، وکانت الريح والنمل والجن والأنس والشياطين والمردة له طائعين، ولم يکن يُعرف الماء تحت الهواء وکان الطير يعرفه، وإنّ اللَّه يقول في کتابه: «ولو أنّ قُرآناً سُيِّرت به الجِبالُ أو قُطِّعَت به الأرضُ أو کُلِّم به المَوتي» [7] وقد ورثنا نحن هذا القرآن الّذي فيه ما تسيّر به الجبال وتُقطع به البلدان ويُحيي به الموتي، ونحن نعرف الماء تحت الهواء، وإنّ في کتاب اللَّه لآيات ما يُراد بها أمر إلّا أن يأذن اللَّه به مع ما قد يأذن اللَّه ممّا کتبه الماضون وجعله لنا في أمّ الکتاب، إنّ اللَّه يقول: «ومَا مِن غائبةٍ في السماءِ والأرض إلّا في کِتابٍ مُبين» [8] ثمّ قال: «ثمّ أَورَثنا الکتابَ الّذينَ اصطَفَينا مِن عِبادنا» [9] فنحن الّذين اصطفانا اللَّه عزّوجل ثمّ أورثنا هذا الّذي فيه تبيان کلّ شي ء. [10] .
770 - روي الثقة الصفّار؛ بإسناده عن سورة بن کليب، عن أبي جعفر عليه السلام أ نّه قال: في هذه الآية: «ثمّ أَورَثنا الکِتابَ الذين اصطَفَينا مِن عِبادِنا» إلي آخر الآية، قال: السابق بالخيرات الإمام، فهي في ولد عليّ وفاطمة. [11] .
771 - روي محمّد بن العباس؛ بإسناده عن أبي اسحاق السبيعيّ، قال: خرجت حاجّاً فلقيت محمّد بن عليّ عليه السلام، فسألته عن هذه الآية «ثمّ أورَثنا الکِتابَ الّذين اصطَفَينا مِن عِبادِنا» فقال: ما يقول فيها قومک يا أبا اسحاق يعني أهل الکوفة؟ قال، قلت: يقولون إنّها لهم. قال: فما يخوّفهم إذا کانوا من أهل الجنّة؟ قلت: فما تقول أنت جُعلت فداک؟ قال: هي لنا خاصّة يا أبا اسحاق، أما السابقون بالخيرات فعليّ والحسن والحسين عليهم السلام والإمام منّا، والمقتصد فصائم بالنهار وقائم بالليل، والظالم لنفسه ففيه ما في الناس فهو مغفور له، يا أبا اسحاق بنا يفکّ اللَّه رقابکم، ويحل اللَّه رياق الذلّ من أعناقکم، وبنا يغفر اللَّه ذنوبکم، وبنا يفتح وبنا يختم، ونحن کهفکم ککهف أصحاب الکهف، ونحن سفينتکم کسفينة نوح، ونحن باب حطّتکم کباب حطّة بني اسرائيل. [12] .
الآية الثانية قوله تعالي: «إنّ اللَّهَ يُمسِکُ السمواتِ و الأرضَ أن تَزُولا وَ لَئِن زالتا إن أَمسَکَهُما مِن أَحَدٍ مِن بَعده إنَّهُ کان حَلِيماً غفُوراً». [13] .
پاورقي
[1] فاطر: 32.
[2] ص: 75.
[3] الأنفال: 26.
[4] تفسير البرهان 365-362 ح 4.
[5] النمل: 20.
[6] النمل: 21.
[7] الرعد: 31.
[8] النمل: 75.
[9] فاطر: 32.
[10] تفسير البرهان 3 : 365-362 ح 6.
[11] تفسير البرهان 3 : 365-362 ح 11.
[12] تأويل الآيات الظاهرة 481:2 ح 7.
[13] فاطر: 41.