بازگشت

الامام المهدي يخبِر بالغيب


692 - روي الشيخ الطوسيّ بإسناده عن أبي الحسن عليّ بن أحمد الدلّال القمّي، قال: دخلتُ علي أبي جعفر محمّد بن عثمان رضي الله عنه يوماً لاُسلّم عليه، فوجدته وبين يديه ساجة ونقّاش ينقش عليها ويکتب آياً من القرآن وأسماء الأئمّةعليهم السلام علي حواشيها، فقلت له: ياسيّدي ما هذه الساجة؟ فقال: هذه لقبري تکون فيه أُوضع عليها (أو قال: أسند إليها) وقد عرفت منه، وأنا في کلّ يوم أنزل فيه فأقرأ جزءاً من القرآن فأصعد، وأظنّه قال: فأخذ بيدي وأرانيه - فإذا کان يوم کذا وکذا من شهر کذا وکذا من سنة کذا وکذا، صِرت إلي اللَّه عزّوجلّ ودُفنت فيه وهذه الساجة معي.

فلمّا خرجت من عنده أثبتُّ ما ذکره، ولم أزل مترقّباً به ذلک، فما تأخّر الأمر حتّي أعتل أبوجعفر فمات في اليوم الّذي ذکره من الشهر الّذي قاله من السنة الّتي ذکرها ودُفن فيه. [1] .

693 - قال أبو نصر هبة اللَّه: وقد سمعت هذا الحديث من غير أبي عليّ وحدّثتني به أيضاً أُمّ کلثوم بنت أبي جعفر رضي اللَّه عنها، وأخبرني جماعة عن أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين، قال: حدّثني محمّد بن عليّ بن الأسود القمّيّ: أنّ أبا جعفر العمريّ قدّس اللَّه روحه حفر لنفسه قبراً وسوّاه بالساج، فسألته عن ذلک فقال: للناس أسباب، ثمّ سألته عن ذلک، فقال: قد اُمرت أن أجمع أمري، فمات بعد ذلک بشهرين رضي اللَّه عنه وأرضاه. [2] .

694 - وروي محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه، قال: حدّثني أبو محمّد الحسن بن أحمد المکتّب قال:

کنت بمدينة السلام في السنة الّتي توفّي فيها الشيخ أبو الحسن عليّ بن محمّد السمريّ قدّس اللَّه روحه، فحضرته قبل وفاته بأيّام، فأخرج إلي الناس توقيعاً نسخته:

«بسم اللَّه الرحمن الرحيم - ياعليّ بن محمّد السمريّ أعظم اللَّه أجر اخوانک فيک، فإنّک ميّت ما بينک وبين ستّة أيّام، فأجمع أمرک، ولا توصِ إلي أحد فيقوم مقامک بعد وفاتک، فقد وقعت الغَيبة التامّة فلا ظهور إلّا بعد إذن اللَّه تعالي ذِکره، وذلک بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي شيعتي مَن يدّعي المشاهدة، ألا فمن ادّعي المشاهدة قبل خروج السفيانيّ والصيحة فهو کذّاب مُفتر، ولا حول ولا قوّة إلّا باللَّه العليّ العظيم».

قال: فنسخنا هذ التوقيع وخرجنا من عنده، فلمّا کان اليوم السادس عُدنا إليه وهو يجود بنفسه، فقيل له: مَن وصيّک من بعدک؟ فقال: للَّه أمرٌ هو بالغه، وقضي، فهذا آخر کلام سمع منه رضي اللَّه عنه و أرضاه. [3] .

695 - و کتب محمّد بن زياد الصيمريّ يسأل صاحب الزمان کفناً، فورَدَ: «إنّه يحتاج إليه سنة ثمانين أو إحدي وثمانين» فمات رحمه الله في الوقت الّذي حدّه وبعث إليه بالکفن قبل موته بشهر. [4] .

696 - روي المفيد والغضائريّ، عن محمّد بن أحمد الصفوانيّ، قال:

رأيت القاسم بن العلاء وقد عمّر مائة سنة وسبع عشرة سنة، منها ثمانين سنة صحيح العينين، لقي مولانا أبا الحسن وأبا محمّد العسکريّين عليهما السلام، وحجب بعد الثمانين ورُدّت عليه عيناه قبل وفاته بسبعة أيّام، وذلک أنّي کنت مقيماً عنده بمدينة الران من أرض آذربيجان وکان لا ينقطع توقيعات مولانا صاحب الزمان عليه السلام علي يد أبي جعفر محمّد بن عثمان العمريّ وبعده علي يد أبي القاسم الحسين بن روح قدّس اللَّه أرواحهما، فإنقطعت عنه المکاتبة نحواً من شهرين فقلق رحمه الله لذلک.

فبينا نحن عنده نأکل، إذ دخل البوّاب مستبشراً فقال له: فيج العراق - لا يسمّي بغيره - فاستبشر القاسم وحوّل وجهه إلي القبلة فسجد، ودخل کهل قصير يري أثر الفيوج عليه، وعليه جبّة مضرّبة، وفي رجله نعل محامليّ، وعلي کتفه مِخلاة.

فقام القاسم فعانقه ووضع المخلاة عن عنقه، ودعا بطست وماء فغسّل يده وأجلسه إلي جانبه، فأکلنا وغسّلنا أيدينا، فقام الرجل فأخرج کتاباً أفضل من النصف المدرج فناوله القاسم، فأخذه وقبّله ودفعه إلي کاتب له يُقال له: ابن أبي سلمة، فأخذه أبو عبداللَّه ففضّه وقرأه حتّي أحَسَّ القاسم بنکاية، فقال: يابا عبداللَّه خير، فقال: خير، فقال: ويحک خرج فيّ شي ء؟ فقال أبو عبداللَّه: ما تکره فلا، قال القاسم: فما هو؟ قال: نعي الشيخ إلي نفسه بعد ورود هذا الکتاب بأربعين يوماً وقد حمل إليه سبعة أثواب، فقال القاسم: في سلامةٍ من ديني؟ فقال: في سلامة من دينک، فضحک؛ فقال: ما اُؤمّل بعد هذا العمر؟

فقال الرجل الوارد، فأخرج من مخلاته ثلاثة أزر وحبرة يمانية حمراء وعِمامة وثوبَين ومنديلاً، فأخذه القاسم، وکان عنده قميص خلعه عليه مولانا الرضا أبوالحسن عليه السلام، وکان له صديق يقال له عبدالرحمن بن محمّد السنيزيّ، وکان شديد النصب، وکان بينه وبين القاسم نضّر اللَّه وجهه مودّة في اُمور الدنيا شديدة، وکان القاسم يودّه، وقد کان عبدالرحمن وافي إلي الدار لإصلاح بين أبي جعفر بن حمدون الهمدانيّ وبين ختنه ابن القاسم.

فقال القاسم لشيخين من مشايخنا المقيمين معه، أحدهما يقال له: أبو حامد عمران بن المفلّس والآخر أبو عليّ بن جحدر: أن إقرئا هذا الکتاب عبدالرحمن بن محمّد فإنّي اُحبّ هدايته، وأرجو أن يهديه اللَّه بقراءة هذا الکتاب، فقالا له: اللَّه اللَّه اللَّه فإنّ هذا الکتاب لا يحتمل ما فيه خلقٌ من الشيعة، فکيف عبدالرحمن بن محمّد؟ فقال: أنا أعلم أنّي مفشٍ لسرّ لا يجوز لي إعلانه، لکن من محبّتي لعبدالرحمن بن محمّد وشهوتي أن يهديه اللَّه عزّوجلّ لهذا الأمر هو ذا أقرئه الکتاب.

فلمّا مرّ ذلک اليوم - وکان يوم الخميس لثلاث عشرة خلت من رجب - دخل عبدالرحمن بن محمّد وسلّم عليه، فأخرج القاسم الکتاب فقال له: إقرأ هذا الکتاب وانظر لنفسک، فقرأ عبدالرحمن الکتاب، فلمّا بلغ إلي موضع النعي رمي الکتاب عن يده، وقال للقاسم: ياأبا محمّد، إتّق اللَّه فإنّک رجل فاضل في دينک، متمکّن من عقلک، واللَّه عزّوجلّ يقول: «وما تَدري نَفسٌ ماذا تَکسِب غَداً وما تَدري نَفس بأيِّ أرضِ تَموت» [5] وقال: «عالِمُ الغَيب فلا يُظهِر عَلي غَيبِه أحداً». [6] .

فضحک القاسم وقال له: اُتمّ الآية: «إلّا مَن ارتضي مِن رسول» ومولاي هو المرتضي من الرسول، وقال: قد علمتُ أ نّک تقول هذا، ولکن أرّخ اليوم، فإن أنا عشت بعد هذا اليوم المؤرَّخ في هذا الکتاب، فاعلم أنّي لستُ علي شي ء، وإن أنا متّ فانظر لنفسک!

فورّخ عبدالرحمن اليوم وافترقوا، وختم القاسم يوم السابع من ورود الکتاب، واشتدّت به في ذلک اليوم العلّة، واستند في فراشه إلي الحائط، وکان ابنه الحسن بن القاسم مُدمناً علي شرب الخمر، وکان متزوّجاً إلي أبي جعفر بن حمدون الهمدانيّ، وکان جالساً ورداؤه مستور علي وجهه في ناحية من الدار وأبو حامد في ناحية، وأبو عليّ بن جحدر وأنا وجماعة من أهل البلد نبکي، إذا اتّکأ القاسم علي يديه إلي خلف، وجعل يقول: يامحمّد ياعليّ ياحسن ياحسين يامواليّ کونوا شفعائي إلي اللَّه عزّوجلّ، وقالها الثانية. وقالها الثالثة، فلمّا بلغ في الثالثة: ياموسي ياعليّ، تفرقعت أجفان عينيه کما يفرقع الصبيان شقائق النعمان، وانتفخت حدقته، وجعل يمسح بکمّه عينيه، وخرج من عينيه شبيه بماء اللحم، ثمّ مدّ طرفه إلي ابنه فقال: ياحسن إليّ يابا حامد إليّ يابا عليّ، فاجتمعنا حوله ونظرنا إلي الحدقتَين صحيحتين، فقال له أبو حامد: تراني، وجعل يده علي کلّ واحد منّا.

وشاع الخبر في الناس والعامّة وأتاه الناس من العوام ينظرون إليه.

ورکب القاضي إليه، وهو أبو السائب عتبة بن عبيداللَّه المسعوديّ، وهو قاضي القضاة ببغداد فدخل عليه، فقال له: ياأبا محمّد ما هذا الّذي بيدي، وأراه خاتماً فصّه فيروزج فقرّبه منه، فقال: عليه ثلاثة أسطر، فتناوله القاسم رحمه الله فلم يمکنه قراءته، فخرج الناس متعجّبين يتحدّثون بخبره.

إلي أن قال: فلمّا کان في يوم الأربعين وقد طلع الفجر، مات القاسم؛، فوافاه عبدالرحمن يعدو في الأسواق حافياً حاسراً وهو يصيح: واسيّداه، فاستعظم الناس ذلک منه، وجعل الناس يقولون: ما الّذي تفعل بذلک؟ فقال: اسکتوا، فقد رأيت ما لم تروه، وتشيّع ورجع عمّا کان عليه، ووقّف الکثير من ضياعه. [7] .


پاورقي

[1] الغَيبة للطوسيّ 222.

[2] نفس المصدر 223 - 222.

[3] کمال الدّين 516:2 ح 44.

[4] کمال الدّين 501:2 ح 26.

[5] لقمان: 34.

[6] الجنّ: 37.

[7] بحارالأنوار 51 : 316-313.