کلام للمحدث الجليل الشيخ حسين بن عبد الوهاب
قال: عن رسول اللَّه صلي الله عليه وآله وسلم أ نّه أخبر الاُمّة بخروج المهدي خاتم الأئمّة عليه السلام الّذي يملأ الأرض قسطاً وعَدلاً کما مُلئت ظلماً وجوراً، وأنّ عيسي عليه السلام ينزل عليه في وقت خروجه وظهوره ويصلّي خلفه، وهذا خبر قد اتّفقت عليه الشيعة والعلماء وغير العلماء والسنّة والخاصّ والعامّ والشيوخ والاطفال، لشهرة هذا الخبر، نعم ووجوب الحکمة من اللَّه في غيبة صاحب الزمان کوجوب الحکمة من اللَّه بوجوب الغَيبة من الحجج المتقدمة واستتارهم، وما هذا الجحود الظاهر منه إلّا لقلّة تمييزهم وفهمهم وعلمهم بالشرايع المتقدمة، وقد ألزمنا اللَّه تعالي ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم الإقرار بالقائم المنتظر المهدي عليه السلام.
قال اللَّه تعالي: «أفلا يَتَدبَّرُون القُرآن أم علي قُلُوبٍ أقفالُها» [1] إنّ اللَّه سبحانه قد أخبر في قصّة موسي عليه السلام أ نّه قد کانت له شيعة بأمره عارفون، وبولايته متمسِّکون، ولدعوته منتظرون، حيث يقول جلّ وعّز: «ودَخَل المَدينةَ علي حِين غَفلةٍ من أهلِها فَوَجَد فيها رَجُلَين يَقتتِلانِ هذا مِن شِيعَتِه وهذا من عَدُوِّه فَاستغاثَه الّذي مِن شِيعته علي الّذي مِن عدوّه».
ولمّا أخبر اللَّه تعالي في کتابه أ نّه قد کان لموسي عليه السلام شيعة من قبل أن تظهر دعوته، وکانوا بأمره متمسِّکين وإن لم يکونوا شاهدوا شخصه، عَلِمنا أنّ الحکمة من اللَّه سبحانه، واتفقت السنّة أهلُ العلم أنّ موسي عليه السلام أظهر دعوته بعد رجوعه من عند شعيب عليه السلام حين سار بأهله من بعد السنين الّتي کان يرعي فيها أغنام شُعيب عليه السلام، وکان دخوله المدينة حين وَجَدَ فيها الرجلين يقتتلان قبل مصيره إلي شُعيب، وکان القائل به وبنبوّته لم يکن يعرف شخصه، وکان يفترض علي نفسه طاعته وانتظار دعوته، ولولا أنّ الحجج الّذين تقدّموا شريعة موسي عليه السلام أخبروا بما يکون من ظهور موسي عليه السلام وقتله الفراعنة والجبابرة، لما کان فرعون يقتل أولاد بني اسرائيل من طلب موسي عليه السلام وهو في حجره يربِّيه ولا يعرفه، ولو لم يکن في إخبارهم ما يکون من موسي عليه السلام من الحکمة التامّة، لأمسکوا من ذلک حتّي يظهر عليه السلام، وقد جاءت الروايات الکثيرة في حجج اللَّه تعالي المتقدِّمة في عصر آدم إلي زماننا هذا بأ نّهم کان منهم المستخفون ومنهم المستعلنون، ومن قبل کانت قصة ابراهيم عليه السلام مع النمرود کقصة موسي عليه السلام، فإنّه بثّ أصحابه إلي طلبه ليقتله وهو کان في حال غيبته، وکان له عليه السلام شيعة ينتظرون ظهوره، وإذا جاز في حکمة اللَّه تعالي غيبة حجّة شهراً فقد جازت الغَيبة سنة، واذا جازت سنة واحدة، جازت سنين کثيرة علي ما أوجبته حکمة اللَّه تعالي واستقامة تدبيره.
ومن المخالفين مَن يقولون بظهور المهدي عليه السلام، إلّا انّهم يقولون إنّ الريب واقع عليهم لزعمهم بقاءه من وقت وفاة أبيه الحسن الأخير عليه السلام إلي هذا الوقت، فإنّهم لم يشاهدوا مَن عمره أکثر من مائة سنة إلّا وقد خرف وبطل وأشرف علي الموت، وما ذلک منهم الّا لقلّة فهمهم وقلّة إيمانهم بقدرة اللَّه تعالي، وجهلهم بما قصَّه اللَّه تعالي في محکم کتابه من قصة نوح عليه السلام وأ نّه لبث في قومه الف سنة إلّا خمسين عاماً، فکذلک جائز في حکمته وقدرته أن يُعمِّر الخلف الصالح الهادي المهدي حجّته البالغة وکلمته التامّة ورايته الباقيةعليه السلام ما شاء وأراد علي ما توجبه حکمتُه واستقامة أمره،إلي أن يظهر امره ويتمّ به ما وعده اللَّه و رسوله صلي الله عليه وآله وسلم. [2] .
الآية الرابعة قوله تعالي: «يَخلُق اللَّه ما يَشاء ويَختار ما کان لهم الخِيَرة». [3] .
675 - روي عن هارون بن مسعدة بإسناده عن العالِم عليه السلام قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه وآله: إن اللَّه اختار من الأيّام يوم الجمعة، ومن الليالي ليلة القدر، ومن الشهور شهر رمضان، واختارني وعليّاً، واختار من عليّ الحسن والحسين، واختار منهما تسعة، تاسعهم قائمهم، و هو ظاهرهم و هو باطنهم. [4] .
676 - روي الشيخ الصدوق رحمه الله بإسناده عن أبي بصير، عن أبي عبداللَّه عليه السلام عن آبائه صلوات اللَّه عليهم، قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه وآله: إن اللَّه عزّ وجلّ اختار من الأيّام الجمعة، ومن الشهور شهر رمضان، ومن الليالي ليلة القدر، واختارني علي جميع الأنبياء، واختار منّي عليّاً وفضّله علي جميع الأوصياء، واختار من عليّ الحسن والحسين، واختار من الحسين الأوصياء من وُلده، ينفون عن التنزيل و تحريف الغالين وانتحال المُبطلين وتأويل المضلّين، تاسعهم قائمهم، وهو ظاهرهم وهو باطنهم. [5] .
677 - روي أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي الشيخ الصدوق قدس سره بإسناده عن سليم بن قيس الهلالي، قال: سمعت سلمان الفارسي رضي الله عنه يقول: کنت جالساً بين يدي رسول اللَّه صلي الله عليه وآله في مرضه الّتي قبض فيها، فدخلت فاطمةعليها السلام، فلمّا رأت ما بأبيها من الضعف بکت حتّي جرت دموعها علي خدّيها، فقال لها رسول اللَّه صلي الله عليه وآله: ما يُبکيک يافاطمة؟
قالت: يارسول اللَّه أخشي علي نفسي وولدي الضَيعة بعدک.
فاغرورقت عينا رسول اللَّه صلي الله عليه وآله بالبکاء، ثمّ قال: يافاطمة أما علمتِ إنّا أهل بيت اختار اللَّه عزّوجلّ لنا الآخرة علي الدنيا، وأ نّه حتّم الفناء علي جميع خلقه، وأنّ اللَّه تبارک وتعالي أطّلع إلي الأرض اطّلاعة فاختارني من خلقه فجعلني نبيّاً، ثمّ أطّلع إلي الأرض ثانية فاختار منها زوجک، وأوحي إليّ أن اُزوّجک إيّاه واتّخذه وليّاً ووزيراً، وأن أجعله خليفتي في اُمّتي، فأبوک خير أنبياء اللَّه ورسله، وبعلُک خير الأوصياء، وأنت أوّل مَن يلحق بي من أهلي، ثمّ أطلع إلي الأرض اطّلاعة ثالثة فاختارک وولَديک، فأنت سيّدة نساء أهل الجنّة، وابناک حسن وحسين سيّدا شباب أهل الجنّة، وأبناء بعلک أوصيائي إلي يوم القيامة، کلّهم هادون مهديون، وأوّل الأوصياء بعدي أخي عليّ، ثمّ حسن، ثمّ حسين، ثمّ تسعة من ولد الحسين في درجتي، وليس في الجنّة درجة أقرب إلي اللَّه من درجتي ودرجة أبي إبراهيم، أما تعلمين يابنيّة أنّ من کرامة اللَّه إيّاک أنّ زوجک خير اُمّتي، وخير أهل بيتي، أقدمهم سلماً، وأعظمهم حلماً وأکثرهم علماً.
فاستبشرت فاطمة عليها السلام وفرحت بما قال لها رسول اللَّه صلي الله عليه وآله.
ثمّ قال: يا بُنيّة، إنّ لبعلک مناقب: إيمانه باللَّه ورسوله قبل کلّ أحد، فلم يسبقه إلي ذلک أحد من اُمّتي، وعِلمه بکتاب اللَّه عزّوجلّ وسنّتي، وليس أحد من اُمّتي يعلم جميع علمي غير عليّ عليه السلام، وانّ اللَّه جلّ وعزّ علّمني علماً لا يعلمه غيري، وعلّم ملائکته ورسله علماً، فکلّ ما علّمه ملائکته ورسوله فأنا أعلمه، وأمرني اللَّه أن اُعلّمه إيّاه ففعلت، فليس أحد من اُمّتي يعلم جميع علمي وفهمي وحکمتي غيره، وإنّک يابنيّة زوجته، وابناه سبطاي حسن وحسين وهما سبطا اُمّتي، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنکر، فإنّ اللَّه جلّ وعزّ آتاه الحکمة وفصل الخطاب.
يابنيّة، إنّا أهل بيت أعطانا اللَّه عزّوجلّ ستّ خصال لم يُعطها أحداً من الأوّلين کان قبلکم، ولم يعطها أحداً من الآخرين غيرنا، نبيّنا سيّد الأنبياء والمرسلين وهو أبوک، ووصيّنا سيّد الأوصياء وهو بعلک، وشهيدنا سيّد الشهداء وهو حمزة بن عبدالمطّلب عمّ أبيک.
قالت: يارسول اللَّه هو سيّد الشهداء الّذين قتلوا معه؟
قال: لا بل سيّد شهداء الأوّلين والآخرين ما خلا الأنبياء والأوصياء، وجعفر ابن أبي طالب ذو الجناحين الطيّار في الجنّة مع الملائکة، وابناک حسن وحسين سبطا اُمّتي وسيّدا شباب أهل الجنّة، ومنّا والّذي نفسي بيده مهدي هذه الاُمّة الّذي يملأ الأرض قِسطاً وعدلاً کما ملئت جوراً وظلماً.
قالت: وأي هؤلاء الّذين سمّيتهم أفضل؟ قال: عليّ بعدي أفضل اُمّتي، وحمزة وجعفر أفضل أهل بيتي بعد عليّ وبعدک وبعد ابنيّ وسبطيّ حسن وحسين، وبعد الأوصياء من ولد ابني هذا - وأشار إلي الحسين - منهم المهدي؛ إنّا أهل بيت اختار اللَّه لنا الآخرة علي الدنيا.
ثمّ نظر رسول اللَّه صلي الله عليه وآله إليها وإلي بعلها وإلي إبنيها، فقال: ياسلمان، أُشهد اللَّه أ نّي سلم لمن سالمهم، وحرب لمن حاربهم، أما إنّهم معي في الجنّة.
ثمّ أقبل علي عليّ عليه السلام، فقال: ياأخي أنت ستبقي بعدي، وستلقي من قريش شدّة من تظاهرهم عليک وظلمهم لک، فإن وجدتَ عليهم أعواناً فجاهدهم وقاتل من خالفک بمن وافقک، وإن لم تجد أعواناً فاصبر، وکُفّ يدک ولا تُلق بها إلي التهلکة، فإنّک منّي بمنزلة هارون من موسي، ولک بهارون اُسوة حسنة إذا استضعفه قومه وکادوا يقتلونه، فاصبر لظلم قريش إيّاک وتظاهرهم عليک، فإنّک بمنزلة هارون ومن تبعه، وهم بمنزلة العجل ومن تبعه.
ياعليّ إنّ اللَّه تبارک وتعالي قد قضي الفُرقة والإختلاف علي هذه الاُمّة، ولو شاء اللَّه لجمعهم علي الهدي حتّي لا يختلف اثنان من هذه الاُمّة ولا ينازع في شي ء من أمره ولا يجحد المفضول لذي الفضل فضله، ولو شاء لعجّل النقمة وکان منه التغيير حتّي يکذّب الظالم ويعلم الحقّ أين مصيره، ولکنّه جعل الدنيا دار الأعمال وجعل الآخرة دار القرار «لِيَجزِيَ الّذين أَساؤوا بِمَا عَمِلوا و يَجزِيَ الّذين أَحسَنوا بالحُسني».
فقال عليّ عليه السلام: الحمد للَّه شکراً علي نعمائه وصبراً علي بلائه. [6] .
قوله تعالي: «إنّ الّذي فَرَضَ عَلَيکَ القُرآنَ لَرادُّک إلي مَعاد قل رَبّي أعلَمُ مَن جَاء بالهُدي و مَن هُوَ في ضَلال مُبين». [7] .
678 - روي النعماني بإسناده عن إسماعيل بن جابر عن الصادق عليه السلام في حديث له يرويه عن أمير المؤمنين عليه السلام جاء فيه: وأمّا الردّ علي من أنکر الرجعة، فقول اللَّه عزّوجلّ: «إنّ الّذي فَرَضَ عليک القرآن لَرَادُّک إلي مَعادٍ» أي رجعة الدنيا... الحديث. [8] .
پاورقي
[1] محمّد: 24.
[2] عيون المعجزات 143-141.
[3] القصص: 68.
[4] إثبات الوصيّة 225.
[5] کمال الدّين 281:1 ح 32.
[6] کمال الدّين 262:1 ح 10.
[7] القصص: 85.
[8] تفسير النعمانيّ (المحکم و المتشابه) 3، و المتن في 113-112.