ذکر من شاهد القائم ورآه و کلّمه و هو طفل
484 - روي الصدوق؛ بإسناده عن الحسن بن المنذر، عن حمزة بن أبي الفتح، قال: جاءني يوماً فقال لي: البشارة، وُلد البارحة في الدار مولود لأبي محمّد عليه السلام وأمر بکتمانه، قلت: وما اسمه؟ قال: سُمّي بمحمّد وکُنّي بأبي جعفر. [1] .
485 - روي الصدوق؛ بإسناده عن إبراهيم بن محمّد بن عبداللَّه بن موسي بن جعفر عليهما السلام، عن السّياريّ قال: حدّثتني نسيم ومارية قالتا:
إنّه لمّا سقط صاحب الزمان عليه السلام من بطن اُمّه جاثياً علي رکبتيه، رافعاً سبّابتيه إلي السماء، ثمّ عطس فقال: الحمد للَّه ربّ العالمين وصلّي اللَّه علي محمّد وآله، زَعَمت الظَلَمة أنّ حُجّة اللَّه داحضة، لو اُذن لنا في الکلام لزال الشکّ.
قال إبراهيم بن محمّد بن عبداللَّه: وحدّثتني نسيم خادم أبي محمّد عليه السلام قالت: قال لي صاحب الزمان عليه السلام وقد دخلتُ عليه بعد مولده بليلة، فعطستُ عنده فقال لي: يرحمک اللَّه، قالت نسيم: ففرحت بذلک، فقال لي عليه السلام: ألا اُبشّرک في العطاس؟ فقلت: بلي يامولاي، فقال: هو أمانٌ من الموت ثلاثة أيّام. [2] .
486 - وروي الصدوق؛ بإسناده عن غياث بن اُسيد، قال: شهدت محمّد بن عثمان العمريّ قدّس اللَّه روحه يقول: لمّا ولد الخلف المهدي عليه السلام سطع نورٌ من فوق رأسه إلي أعنان السماء، ثمّ سقط لوجهه ساجداً لربّه تعالي ذِکره، ثمّ رفع رأسه وهو يقول: «شَهِدَ اللَّهُ أ نّه لا إله إلّا هُو والملائکةُ واُولوا العِلم قائماً بالقِسط لا إله إلّا هو العَزيز الحکيم إنّ الدِّين عِنداللَّهِ الإسلامُ». [3] .
قال: وکان مولده يوم الجمعة. [4] .
487 - وروي الصدوق؛ بإسناده عن يعقوب بن منقوش، قال: دخلت علي أبي محمّد الحسن بن عليّ عليهما السلام وهو جالس علي دُکّان في الدار وعن يمينه بيت وعليه سِتر مُسبَل، فقلت له: ياسيّدي مَن صاحب هذا الأمر؟ فقال: ارفع الستر، فرفعتُه فخرج إلينا غلام خُماسيّ له عشر أو ثمان أو نحو ذلک، واضح الجبين، أبيض الوجه، درّي المُقلتَين، شثن الکفَّين، معطوف الرکبتَين، في خدّه الأيمن خال، وفي رأسه ذؤابة، فجلس علي فخذ أبي محمّد عليه السلام، ثمّ قال لي: هذا هو صاحبکم، ثمّ وثب فقال له: يابُنيّ اُدخل إلي الوقت المعلوم، فدخل البيت وأنا أنظر إليه، ثمّ قال لي: يايعقوب اُنظر إلي مَن في البيت؟ فدخلت فمارأيت أحداً. [5] .
488 - وروي بالإسناد عن أحمد بن الحسن بن إسحاق القمّي، قال: لمّا وُلد الخلف الصالح عليه السلام، ورد عن مولانا أبي محمّد الحسن بن عليّ عليهما السلام إلي جدّي أحمد بن إسحاق کتاب، فإذا فيه مکتوب بخطّ يده عليه السلام الّذي کان ترد به التوقيعات عليه، وفيه: «وُلِد لنا مولود، فليکن عندک مستوراً وعن جميع الناس مکتوماً، فإنّا لم نُظهر عليه إلّا الأقرب لقرابته، والوليّ لولايته، أحببنا إعلامک ليسرّک اللَّه به مثل ما سرّنا به، والسلام». [6] .
489 - وروي بالإسناد عن أبي الفضل الحسن بن الحسين العلويّ، قال: دخلت علي أبي محمّد الحسن بن عليّ عليهما السلام بُسرّ من رأي فهنّأته بولادة إبنه القائم عليه السلام. [7] .
490 - روي الشيخ أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي الصدوق قدس سره بإسناده عن أحمد بن مسرور، عن سعد بن عبداللَّه القمّي، قال: کنت امرءاً لهجاً بجمع الکتب المشتملة علي غوامض العلوم ودقائقها، کلِفاً باستظهار ما يصحّ لي من حقائقها، مُغَرماً بحفظ مشتبهها ومغلقها، شحّيحاً علي ما أظفر به من مُعضلاتها ومشکلاتها، متعصّباً لمذهب الإماميّة، راغباً عن الأمن والسلامة في انتظار التنازع والتخاصم والتعدّي إلي التباغض والتشاتم، معيباً للفِرق ذوي الخلاف، کاشفاً عن مثالب أئمّتهم، هتّاکاً لحجب قادتهم، إلي أن بُليت بأشدّ النواصب منازعة، وأطولهم مخاصمة، وأکثرهم جدلاً، وأشنعهم سؤالاً، وأثبتهم علي الباطل قدماً.
فقال ذات يوم - وأنا اُناظره -: تبّاً لک ولأصحابک ياسعد، إنّکم معاشر الرافضة تقصدون علي المهاجرين والأنصار بالطعن عليهما، وتجحدون من رسول اللَّه ولايتهما وإمامتهما، هذا الصدِّيق الّذي فاق جميع الصحابة بشرف سابقته، أما علمتم أنّ رسول اللَّه ما أخرجه مع نفسه إلي الغار إلّا علماً منه أنّ الخلافة له من بعده، وأ نّه هو المقلّد لأمر التأويل والمُلقي إليه أزمة الاُمّة، وعليه المعوّل في شعب الصدع، ولمِّ الشعث، وسدّ الخلل، وإقامة الحدود، وتسريب الجيوش لفتح بلاد الشرک، وکما أشفق علي نبوَّته أشفق علي خلافته، إذ ليس من حکم الإستتار والتواري، أن يروم الهارب من الشرّ مساعدة إلي مکان يستخفي فيه، ولمّا رأينا انبيّ متوجّهاً إلي الانجحار، ولم تکن الحال توجب استدعاء المساعدة من أحد، استبان لنا قصد رسول اللَّه بأبي بکر للغار للعلّة الّتي شرحناها، وإنّما أبات عليّاً علي فراشه لما لم يکن يکترث به، ولم يحفل به لاستثقاله! ولعلمه بأنّه إن قُتل لم يتعذّر عليه نصب غيره مکانه للخطوب الّتي کان يصلح لها.
قال سعد: فأوردت عليه أجوبة شتّي، فما زال يعقّب کلّ واحدٍ منها بالنقض والردّ عليّ، ثمّ قال: ياسعد ودونکها اُخري بمثلها تخطم اُنوف الروافض!!
ألستم تزعمون أنّ الصدِّيق المبرّأ من دنس الشکوک، والفاروق المحامي عن بيضة الإسلام کانا يُسِرَّان النفاق، واستدللتم بليلة العقبة، أخبرني عن الصدّيق والفاروق أسلما طوعاً أو کرهاً؟
قال سعد: فاحتلت لدفع هذه المسألة عنّي خوفاً من الإلزام، وحذراً من أنّي إن أقررت له بطوعهما للإسلام، إحتجّ بأنّ بدء النفاق ونشأه في القلب لا يکون إلّا عند هبوب روائح القهر والغلبة، وإظهار البأس الشديد في حمل المرء علي مَن ليس ينقاد إليه قلبه، نحو قول اللَّه تعالي: «فلمّا رَأَوا بأسَنا قالوا آمنّا باللَّه وَحده وکَفَرنا بما کُنّا به مُشرِکين فلم يَکُ ينفَعُهم إيمانُهم لمّا رَأَوا بأسَنا» [8] ، وإن قلت: أسلما کرهاً، کان يقصدني بالطعن، إذ لم تکن ثمّة سيوف منتضاة کانت تريهما البأس.
قال سعد: فصدرت عنه مزوّراً قد انتفخت أحشائي من الغضب، وتقطّع کبدي من الکرب، وکنت قد إتّخذت طوماراً وأثبت فيه نيّفاً وأربعين مسألة من صعاب المسائل لم أجد لها مجيباً، علي أن أسأل عنها خبير أهل بلدي أحمد بن إسحاق صاحب مولانا أبي محمّد عليه السلام، فارتحلت خلفه، وقد کان خرج قاصداً نحو مولانا بسرّ من رأي، فلحقته في بعض المنازل، فلمّا تصافحنا قال: بخير لحاقک بي، قلت: الشوق ثمّ العادة في الأسولة.
قال: قد تکافينا علي هذه الخطّة الواحدة، فقد برح بي الَقَرم (شدّة الشوق) إلي لقاء مولانا أبي محمّد عليه السلام وأنا اُريد أن أسأله عن معاضل في التأويل ومشاکل في التنزيل فدونکها الصحبة المبارکة فانّها تقف بک علي ضفة بحر لا تنقضي عجائبه، ولا تفني غرائبه، وهو إمامنا.
فوردنا «سرّ من رأي» فانتهينا منها إلي باب سيّدنا، فاستأذنّا، فخرج علينا الإذن بالدخول عليه، وکان علي عاتق أحمد بن إسحاق جراب قد غطّاه بکساءٍ طبريّ فيه مائة وستّون صُرّةً من الدنانير والدراهم، علي کلّ صرّة منها ختم صاحبها.
قال سعد: فما شبّهت وجه مولانا أبي محمّد عليه السلام حين غشينا نور وجهه إلّا ببدر قد استوفي من لياليه أربعاً بعد عشر، وعلي فخذه الأيمن غلام يناسب المشتري في الخِلقة والمنظر، علي رأسه فرق بين وفرتَين کأ نّه ألف بين واوَين، وبين يَدي مولانا رمّانة ذهبيّة تلمع بدائع نقوشها وسط غرائب الفصوص المرکّبة عليها، قد کان أهداها إليه بعض رؤساء أهل البصرة، وبيده قلم إذا أراد أن يسطر به علي البياض شيئاً قبض الغلام علي أصابعه، فکان مولانا يدحرج الرّمانة بين يَديه ويشغله بردّها کيلا يصدّه عن کتابة ما أراد.
فسلّمنا عليه فألطف في الجواب وأومأ إلينا في الجلوس، فلمّا فرغ من کتبة البياض الّذي کان بيده، أخرج أحمد بن إسحاق جرابه من طيّ کسائه فوضعه بين يديه، فنظر الهادي عليه السلام إلي الغلام وقال له: يابني فضّ الخاتم عن هدايا شيعتک ومواليک.
فقال: يامولاي، أيجوز أن أمدّ يداً طاهرة إلي هدايا نجسة وأموال رجسة قد شِيَب أحلّها بأحرمها؟
فقال مولاي: يا ابن إسحاق، استخرِجْ ما في الجراب ليميّز ما بين الحلال والحرام منها.
فأوّل صُرّة بدأ أحمد بإخراجها قال الغلام: «هذه لفلان بن فلان، من محلّة کذا بقمّ، يشتمل علي إثنين وستّين ديناراً، فيها من ثمن حُجيرة باعها صاحبها وکانت إرثاً له عن أبيه خمسة وأربعون ديناراً، ومن أثمان تسعة أثواب أربعة عشر ديناراً، وفيها من اُجرة الحوانيت ثلاثة دنانير».
فقال مولانا: صدقت يابني، دُلَّ الرجل علي الحرام منها.
فقال عليه السلام: «فتّش عن دينار رازيّ السکّة، تاريخه سنة کذا، قد انطمس من نصف إحدي صفحتيه نقشه، وقراضة آمليّة وزنها ربع دينار، والعِلّة في تحريمها أنّ صاحب هذه الصرّة وزن في شهر کذا من سنة کذا علي حائک من جيرانه من الغزل منّاً وربع مَنّ، فأتت علي ذلک مدّة، وفي انتهائها قيَّض لذلک الغزل سارق، فأخبر به الحائک صاحبه فکذّبه واستردّ منه بدل ذلک منّاً ونصف من غزلاً أدقّ ممّا کان دفعه إليه، واتّخذ من ذلک ثوباً، کان هذا الدينار مع القراضة ثمنه، فلمّا فتح رأس الصرّة صادف رقعة في وسط الدنانير باسم من أخبر عنه وبمقدارها علي حسب ما قال، واستخرج الدينار والقراضة بتلک العلامة.
ثمّ أخرج صرّة اُخري، فقال الغلام: «هذه لفُلان بن فلان، من محلّة کذا بقم تشتمل علي خمسين ديناراً لا يحلّ لنا لمسها» قال: وکيف ذاک؟ قال: «لأ نّها من ثمن حنطة حافَ صاحبُها علي أکّاره في المقاسمة، وذلک أ نّه قبض حصّته منها بکَيل وافٍ، وکان ما حَصّ الأکّار بکيل بخس».
فقال مولانا: صدقت يابُنيّ.
ثمّ قال: ياأحمد بن إسحاق، احملها بأجمعها لتردّها أو توصي بردّها علي أربابها، فلا حاجة لنا في شي ء منها، وائتنا بثوب العجوز، قال أحمد: وکان ذلک الثوب في حقيبة لي فنسيتُه.
فلمّا إنصرف أحمد بن إسحاق ليأتيه بالثوب، نظر إليّ مولانا أبو محمّد عليه السلام فقال: ما جاء بک ياسعد؟ فقلت: شوّقني أحمد بن إسحاق علي لقاء مولانا، قال: والمسائل الّتي أردت أن تسأل عنها؟ قلت: علي حالها يامولاي.
قال: فسَل قُرّة عيني - وأومأ إلي الغلام، فقال لي الغلام: سل عمّا بدا لک منها.
فقلت له: مولانا وابن مولانا، إنّا روينا عنکم أنّ رسول اللَّه صلي الله عليه وآله جعل طلاق نسائه بيد أميرالمؤمنين عليه السلام حتّي أرسل يوم الجمل إلي عائشة: إنّک قد أرهجتِ علي الإسلام وأهله بفتنتکِ، وأوردت بنيکِ حياض الهلاک بجهلک، فإن کففت عنّي غربک وإلّا طلّقتک، ونساء رسول اللَّه صلي الله عليه وآله قد کان طلاقهنّ وفاته، قال: ما الطلاق؟ قلت: تخلية السبيل، قال: فإذا کان طلاقهنّ وفاة رسول اللَّه صلي الله عليه وآله قد خلّيت لهنّ السبيل، فلِمَ لا يحلّ لهنّ الأزواج؟ قلت: لأنّ اللَّه تبارک وتعالي حرّم الأزواج عليهنّ، قال: کيف وقد خلّي الموت سبيلهنَّ؟
قلت: فأخبرني يا ابن مولاي عن معني الطلاق الّذي فوّض رسول اللَّه صلي الله عليه وآله حکمه إلي أمير المؤمنين عليه السلام؟
قال: إنّ اللَّه تقدّس إسمه عظّم شأن نساء انبيّ صلي الله عليه وآله، فخصّهنّ بشرف الاُمّهات، فقال رسول اللَّه صلي الله عليه وآله:
ياأبا الحسن إنّ هذا الشرف باقٍ لهنّ ما دُمن للَّه علي الطاعة، فأيتّهنّ عصت اللَّه بعدي بالخروج عليک، فأطلِقْ لها في الأزواج، وأسقِطْها من شرف اُمومة المؤمنين.
قلت: فأخبرني عن الفاحشة المبيّنة الّتي إذا أتت المرأة بها في عدّتها، حلّ للزوج أن يُخرجها من بيته؟
قال: الفاحشة المبيّنة هي السحق دون الزنا، فإنّ المرأة إذا زنت واُقيم عليها الحدّ، ليس لمن أرادها أن يمتنع بعد ذلک من التزوّج بها لأجل الحدّ، وإذا سحقت وجب عليها الرجم، والرجم خزي، ومن قد أمر اللَّه برجمه فقد أخزاه، ومن أخزاه فقد أبعده، ومن أبعده فليس لأحد أن يقربه.
قلت: فأخبرني يابن رسول اللَّه عن أمر اللَّه لنبيّه موسي عليه السلام «فاخلع نعليکَ إنّک بالواد المقدّس طُوي» [9] فإنّ فقهاء الفريقين يزعمون أ نّها کانت من إهاب الميتة.
فقال عليه السلام: من قال ذلک فقد افتري علي موسي واستجهله في نبوّته، لأ نّه ما خلا الأمر فيها من خطيئتَين: إمّا أن تکون صلاة موسي فيهما جائزة أو غير جائزة، فإن کانت صلاته جائزة، جاز له لبسهما في تلک البقعة، وان کانت مقدّسة مطهّرة، فليست بأقدس وأطهر من الصلاة، وان کانت صلاته غير جائزة فيهما فقد أوجب علي موسي أ نّه لم يعرف الحلال من الحرام، وما علم ما تجوز فيه الصلاة وما لم تجز، وهذا کفر.
قلت: فأخبرني يامولاي عن التأويل فيهما.
قال: إنّ موسي ناجي ربّه بالواد المقدّس فقال: يا ربِّ إنّي قد أخلصت لک المحبّة منّي، وغسلتُ قلبي عمّا سواک - وکان شديد الحبّ لأهله - فقال اللَّه تعالي: «اخلع نعلَيک» أي انزع حبّ أهلک من قلبک إن کانت محبّتک لي خالصة، وقلبک من الميل إلي من سواي مغسولاً.
قلت: فأخبرني يابن رسول اللَّه عن تأويل «کهيعص». [10] .
قال: هذه الحروف من أنباء الغيب، أطلع اللَّه عليها عبده زکريّا، ثمّ قصّها علي محمّد صلي الله عليه وآله، وذلک أنّ زکريّا سأل ربّه أن يعلّمه أسماء الخمسة، فأهبط عليه جبرئيل فعلّمه إيّاها، فکان زکريا إذا ذَکر محمّداً وعليّاً وفاطمة والحسن والحسين سري عنه همّه، وانجلي کربُه، وإذا ذکر الحسين خنقته العَبرة، ووقعت عليه البَهرة، فقال ذات يوم: ياإلهي، ما بالي إذا ذکرتُ أربعاً منهم تسلّيت بأسمائهم من همومي، وإذا ذکرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي؟ فَأَنبأه اللَّه تعالي عن قصّته.
وقال: «کهيعص» «فالکاف» اسم کربلاء و «الهاء» هلاک العترة، و «الياء» يزيد وهو ظالم الحسين عليه السلام، و «العين» عطشه، و «الصاد» صبره.
فلمّا سمع ذلک زکريا لم يفارق مسجده ثلاثة أيّام ومنع فيها الناس من الدخول عليه، وأقبل علي البکاء والنحيب، وکانت ندبته: «إلهي أتفجع خيرَ خلقِک بولده، إلهي أتنزل بلوي هذه الرزية بفنائه، إلهي أتلبس عليّاً وفاطمة ثياب هذه المصيبة، إلهي أتحلّ کربة هذه الفجيعة بساحتهما؟».
ثمّ کان يقول: «اللهمّ ارزقني ولداً تقرّ به عيني علي الکبر، واجعله وارثاً وصيّاً، واجعل محلّه منّي محلّ الحسين، فإذا رزقتَنيه فافتِنّي بحبّه، ثمّ فجّعني به کما تفجِّع محمّداً حبيبک بولده» فرزقه اللَّه يحيي وفجَّعه به، وکان حمل يحيي ستّة أشهر وحمل الحسين عليه السلام کذلک، وله قصّة طويلة.
قلت: فأخبِرني يامولاي عن العلّة الّتي تمنع القوم من اختيار إمام لأنفسهم.
قال: مصلح أو مفسد؟ قلت: مصلح.
قال: فهل يجوز أنّ تقع خيرتهم علي المفسد بعد أن لا يعلم أحدٌ ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟ قلت: بلي، قال: فهي العلّة، وأوردها لک ببرهان ينقاد لها عقلک، أخبرني عن الرسل الّذين إصطفاهم اللَّه تعالي وأنزل عليهم الکتاب وأيّدهم بالوحي والعصمة إذ هم أعلام الاُمم وأهدي إلي الإختيار منهم مثل موسي وعيسي عليهما السلام، هل يجوز - مع وفور عقلهما وکمال علمهما - إذا همّا بالإختيار أن يقع خيرتهما علي المنافق وهما يظنّان أ نّه مؤمن؟ قلت: لا.
فقال: هذا موسي کليم اللَّه مع وفور عقله وکمال علمه ونزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه ووجوه عسکره لميقات ربّه سبعين رجلاً ممّن لا يشکّ في إيمانهم وإخلاصهم، فوقعت خيرته علي المنافقين، قال اللَّه تعالي: «واختار مُوسي قومَه سبعينَ رَجُلاً لميقاتِنا [11] - لَن نُؤمن لَکَ حتّي نَري اللَّه جَهرةً [12] - فأخذتهم الصاعِقة بِظُلمِهم» [13] ، فلمّا وجدنا اختيار مَن قد إصطفاه اللَّه للنبوّة واقعاً علي الأفسد دون الأصلح وهو يظنّ أ نّه الأصلح دون الأفسد، علمنا أن لا اختيار إلّا لمن يعلم ما تخفي الصدور وما تُکِنّ الضمائر وتتصرّف عليه السرائر، وأن لا خطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء علي ذوي الفساد لمّا أرادوا أهل الصلاح.
ثمّ قال مولانا: ياسعد، وحين ادّعي خصمک أنّ رسول اللَّه صلي الله عليه وآله لمّا أخرج مع نفسه مختار هذه الاُمّة إلي الغار إلّا علماً منه أنّ الخلافة له من بعده، وأ نّه هو المقلّد اُمور التأويل، والملقي إليه أزمّة الاُمّة، وعليه المعوّل في لمّ الشعث وسدّ الخلل وإقامة الحدود، وتسريب الجيوش لفتح بلاد الکفر، فکما أشفق علي نبوّته أشفق علي خلافته، إذ لم يکن من حکم الإستتار والتواري أن يروم الهارب من الشرّ مساعدة من غيره إلي مکان يستخفي فيه، وإنّما أبات عليّاً علي فراشه لما لم يکن يکترث له ولم يحفل به لاستثقاله إيّاه، وعلمه أ نّه إن قُتل لم يتعذّر عليه نصب غيره مکانه للخطوب الّتي کان يصلح لها.
فهلّا نقضت عليه دعواه بقولک: أليس قال رسول اللَّه صلي الله عليه وآله: الخلافةُ بعدي ثلاثون سنة؟ فجعل هذه موقوفة علي أعمار الأربعة الّذين هم الخلفاء الراشدون في مذهبکم، فکان لا يجد بُدّاً من قوله لک: بلي، قلت: فکيف تقول حينئذ: أليس کما عَلِم رسول اللَّه أنّ الخلافة من بعده لأبي بکر، عَلِم أنّها من بعد أبي بکر لعمر ومن بعد عمر لعثمان ومن بعد عثمان لعليّ؟ فکان أيضاً لا يجد بُدّاً من قوله لک: نعم، ثمّ کنت تقول له: فکان الواجب علي رسول اللَّه صلي الله عليه وآله أن يخرجهم جميعاً (علي الترتيب) إلي الغار ويشفق عليهم کما أشفق علي أبي بکر، ولا يستخفّ بقدر هؤلاء الثلاثة بترکه إيّاهم وتخصيصه أبا بکر وإخراجه مع نفسه دونهم.
ولمّا قال: أخبرني عن الصدّيق والفاروق أسلما طوعاً أو کرهاً؟ لِمَ لم تقل له: بل أسلما طمعاً، وذلک بأ نّهما کانا يجالسان اليهود ويستخبرانهم عمّا کانوا يجدون في التوراة وفي سائر الکتب المتقدّمة الناطقة بالملاحم من حال إلي حال من قصّة محمّد صلي الله عليه وآله ومن عواقب أمره، فکانت اليهود تذکر أنّ محمّداً يسلّط علي العرب کما کان بختنصّر سلّط علي بني إسرائيل، ولابدّ له من الظفر بالعرب کما ظفر بختنصّر ببني إسرائيل، غير أ نّه کاذب في دعواه أ نّه نبيٌّ، فأَتَيا محمّداً فساعداه علي شهادة ألّا إله إلّا اللَّه، وبايعاه طمعاً في أن ينال کلّ واحد منهما من جهته ولاية بلد إذا استقامت اموره، واستتبّت أحواله، فلمّا آيسا من ذلک تلثّما وصعدا العقبة مع عدّة من أمثالهما من المنافقين علي أن يقتلوه، فدفع اللَّه تعالي کيدهم وردّهم بغيظهم لم ينالوا خيراً، کما أتي طلحة والزبير عليّاً عليه السلام فبايعاه وطمع کلّ واحد منهما أن ينال من جهته ولاية بلد، فلمّا آيسانکثا بيعته و خرجا عليه، فضرع اللَّه واحد منهما مصرع أشباههما من الناکثين.
قال سعد: ثمّ قام مولانا الحسن بن عليّ الهادي عليه السلام للصلاة مع الغلام، فانصرفت عنهما، وطلبت أثر أحمد بن إسحاق فاستقبلني باکياً، فقلت: ما أبطأک وأبکاک؟ قال: قد فقدت الثوب الّذي سألني مولاي إحضاره، قلت: لا عليک فأخبره، فدخل عليه مسرعاً وانصرف من عنده متبسّماً وهو يصلّي علي محمّد وآل محمّد، فقلت: ما الخبر؟ قال: وجدتُ الثوب مبسوطاً تحت قدمَي مولانا يصلّي عليه.
قال سعد: فحمدنا اللَّه تعالي علي ذلک، وجعلنا نختلف بعد ذلک اليوم إلي منزل مولانا أيّاماً، فلا نري الغلام بين يديه، فلمّا کان يوم الوداع دخلتُ أنا وأحمد ابن إسحاق وکهلان من أهل بلدنا، وانتصب أحمد بن إسحاق بين يديه قائماً وقال: ياابن رسول اللَّه قد دنت الرحلة واشتدّ المحنة، فنحن نسأل اللَّه تعالي أن يُصلّي علي المصطفي جدّک، وعلي المرتضي أبيک، وعلي سيّدة النساء اُمّک، وعلي سيّدي شباب أهل الجنّة عمّک وأبيک، وعلي الأئمّة الطاهرين من بعدهما آبائک، وأن يصلّي عليک وعلي ولدک، ونرغب إلي اللَّه أن يُعلي کعبک ويکبت عدوّک، ولا جعل اللَّه هذا آخر عهدنا من لقائک.
قال: فلمّا قال هذه الکلمات استعبر مولانا حتّي استهلّت دموعه وتقاطرت عبراته، ثمّ قال: ياابن إسحاق، لا تکلّف في دعائک شططاً، فإنّک ملاق اللَّه تعالي في صدرک هذا.
فخرّ أحمد مغشيّاً عليه، فلمّا أفاق قال: سألتُک باللَّه وبحُرمة جدّک إلّا شرّفتَني بخرقة أجعلها کفناً، فأدخل مولانا يده تحت البساط فأخرج ثلاثة عشر درهماً فقال: خذها ولا تُنفق علي نفسک غيرها، فانّک لن تعدم ما سألت، وإنّ اللَّه تبارک وتعالي لن يضيّع أجر من أحسن عملاً.
قال سعد: فلمّا إنصرفنا بعد منصرفنا من حضرة مولانا من حُلوان علي ثلاثة فراسخ، حُمَّ أحمد بن إسحاق وثارت به علّة صعبة أيس من حياته فيها، فلمّا وردنا حلوان ونزلنا في بعض الخانات دعا أحمد بن إسحاق برجلٍ من أهل بلده کان قاطناً بها، ثمّ قال: تفرّقوا عنّي هذه الليلة واترکوني وحدي.
فانصرفنا عنه ورجع کلّ واحد منّا إلي مرقده. قال سعد: فلمّا حان أن ينکشف الليل عن الصبح أصابتني فکرة، ففتحت عيني، فإذا أنا بکافور الخادم (خادم مولانا أبي محمّدعليه السلام) وهو يقول: أحسن اللَّه بالخير عزاکم، وجبر بالمحبوب رزيّتکم، قد فرغنا من غسل صاحبکم ومن تکفينه، فقوموا لدفنه، فانّه من أکرمکم محلاً عند سيّدکم. ثمّ غاب عن أعيننا، فاجتمعنا علي رأسه بالبکاء والعويل حتّي قضينا حقّه، وفرغنا من أمره رحمه الله. (انتهي). [14] .
الآية الثالثة قوله تعالي: «فاختلفَ الأحزابُ مِن بَينِهم فوَيلٌ للّذين کَفَروا مِن مشهدِ يَومٍ عظيم». [15] .
491 - العيّاشي: بإسناده عن جابر الجُعفيّ، عن أبي جعفر عليه السلام يقول: إلزم الأرض لا تحرّک يدک ولا رجلک أبداً حتّي تري علامات أذکرها لک في سنة، وتري منادياً ينادي بدمشق، وخسف بقرية من قراها، وتسقط طائفة من مسجدها، فإذا رأيت الترک جازوها فأقبلت الترک حتّي نزلت الجزيرة، وأقبلت الروم حتّي نزلت الرملة، وهي سنة اختلاف في کلّ أرض من أرض العرب، وإنّ أهل الشام يختلفون عند ذلک علي ثلاث رايات، الأصهب، والأبقع، والسفيانيّ، مع بني ذنب الحمار مضر، ومع السفياني أخواله من کلب، فيظهر السفيانيّ و مَن معه علي بني ذنب الحمار حتّي يقتلوا قتلاً لم يقتله شي ء قطّ، ويحضر رجل بدمشق فيقتل هو ومَن معه قتلاً لم يقتله شي ء قطّ، وهو من بني ذنب الحمار، وهي الآية الّتي يقول اللَّه تبارک وتعالي: «فاختَلَفَ الأحزابُ مِن بَينهم فوَيلٌ للّذين کَفَروا مِن مَشهد يَومٍ عظيم».. الحديث. [16] .
492 - روي النعماني؛ بإسناده عن داود الدجاجيّ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهما السلام، قال: سُئل أمير المؤمنين عليه السلام عن قوله تعالي: «فاختَلَف الأحزابُ مِن بَينهم» فقال: «انتظروا الفرج من ثلاث، فقيل ياأمير المؤمنين وما هُنَّ؟ فقال: اختلاف أهل الشام بينهم، والرايات السود من خراسان، والفزعة في شهر رمضان. فقيل: وما الفزعة في شهر رمضان؟ فقال: أو ما سمعتم قول اللَّه عزّوجلّ في القرآن: «إنْ نَشَأ نُنزّل عليهم من السماءِ آيةً فظلّت أعناقُهم لها خاضعين» [17] هي آية تخرج الفتاة من خدرها، وتوقظ النائم، وتفزع اليقظان». [18] .
493 - روي العيّاشي رحمه الله بإسناده عن جابر الجعفيّ، عن أبي جعفر عليه السلام قال في حديث له: وإنّ أهل الشام يختلفون عند ذلک عن ثلاث رايات: الأصهب، والأبقع، والسفيانيّ مع بني ذنب الحمار، حتّي يقتلوا قتلاً لم يقتله شي ء قطّ.
ويحضر رجل بدمشق، فيقتل هو ومن معه قتلاً لم يقتله شي ء قطّ. وهو من بني ذنب الحمار، وهي الآيات الّتي يقول اللَّه تبارک وتعالي: «فاختَلَفَ الأحزابُ مِن بَينهم فوَيلٌ للّذين کَفَروا مِن مَشهد يَومٍ عَظيم» ويظهر السفياني ومن معه.
- وقد تقدّم الحديث بکامله مع مصادره في البقرة - 148.
الآية الرابعة قوله عزّوجلّ: «وأعتزِلُکم و ما تَدعُون مِن دُون اللَّه و أدعوا رَبّي عَسي ألّا أکونَ بدُعاءِ رَبّي شَقِيّاً - فلمّا اعتزَلَهم و ما يَعبُدُون مِن دون اللَّه وَهَبنا له إسحاقَ و يعقوبَ و کُلاًّ جَعَلنا نَبيّاً - و وَهبنا لهم مِن رَحمتنا و جَعَلنا لهم لِسانَ صِدقٍ عَليّاً». [19] .
پاورقي
[1] کمال الدّين 432:2 ح 11.
[2] نفس المصدر 433:2.
[3] آل عمران: 18 و 19.
[4] کمال الدّين 433:2 ح 13.
[5] نفس المصدر 437:2 ح 5.
[6] نفس المصدر 433:2 ح 16.
[7] نفس المصدر 434:2 ح 1.
[8] غافر: 85.
[9] طه: 12.
[10] مريم: 1.
[11] الأعراف: 155.
[12] البقرة: 55.
[13] النساء: 153.
[14] کمال الدّين 465-454: 2، ح 21.
[15] مريم: 37.
[16] تفسير العيّاشي 64:1؛ المحجة 131.
[17] الشعراء: 4.
[18] الغيبة النعمانيّ 251 ح 8؛ عقدالدرر 104 ب 14 ف 3.
[19] مريم: 51-49.